«لم تكن فريدة».. فيلم”آسف على الازعاج”.

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مي قاسم 

«يولد المصري وفي قلبه ورقة بردي مكتوب عليها السخرية هي المنقذ الوحيد من اليأس!». -جيلبرت سينويه.

هذه العبارة توجت معظم أفلام السينما المصرية، الكثير منها ناقشت العديد من القضايا المعاصرة المهمة عن طريق السخرية منها، الشعب المصري هو شعب مُحِب للفكاهة بطبعه، وتسأل الواحد منهم عن كيفية تحمله لهذه الحياة التي يعيشها فيقول:” طب وهنعمل إيه يعني؟ قوم أعملنا كوبايتين شاي..” ثم يُتبعها بضحكة ساخرة. وكثيرًا ما تقود الكوميديا السوداء الواحد إلى العبثية، فيقدم اللامبالاة على أي رد فعل، وتصير الحقيقة هائمة على وجهها.. بين المأساة الهزلية.. أو المهزلة المأساوية.

-«أمي ماتت يابا». «الله يرحمها.. معكش سجارة؟» فيلم|| الحريف.

لنتطرق في الحديث عن أفلام الكوميديا السوداء لواحد من أشهر وأفضل الأفلام المصرية التي تم تقديمها خلال أخر عشرين سنة.. وهو فيلم«أسف على الازعاج» بطولة الفنان «أحمد حلمي» و الفنانة «منة شلبي». الفيلم يحكي قصة شاب مريض بالتيهؤات يتعرض لصدمة نفسية صعبة بعد وفاة والده تجعله يعاني من نوع من أنواع الإنفصام الذي يجعله يتهيأ وجود أبوه على قيد الحياة لأنه يرفض وفاته.. بل، ويتطور الأمر ليتهيأ حبيبة خيالية يعش معها قصة حب وهمية بالكامل.. هي الفنانة منة شلبي في دور «فريدة».. فقط خوفًا من الوحدة.. وهروبًا من الإكتئاب. -«مش عايز أمشي.. أنا أسف.. مش عايز أكون لوحدي.. مش عايز أكتئب».

ولعل هذا الفيلم الذي تم إنتاجه عام (٢٠٠٨) هو أحد أهم الأفلام في مسيرة أحمد حلمي الفنية، الدور الذي قام به كان يتطلب مجهود كبير لتجسيد كل أنواع المشاعر المتضاربة بين الحزن والإضطراب والسعادة والسخرية.. والأصعب.. اللاشعور. يقول الناقد محمود عبد الشكور:

«أسألني عن أصعب شعور يُمكن أن يُجسده مشخصاتي في دور… وسيكون ردي دائمًا.. هو اللاشعور.. قطع حبال الوصل بين القلب وعضلات الوجه تمامًا..»

الفيلم لا يناقش فقط حالة مرض الأنفصام، بل يُسلط الضوء بطريقة جانبية على مشاكل طبقات الشعب المتدنية التي لا يلتفت لها أصحاب الطبقة الأرستقراطية حيث يجلس حسن على مقهى بلدي بصحبة أحد الأشخاص ليطلب منه أن يحكي له شيئا يؤثر به، فيحكي له بسخرية عن تسمم وقتل صديقين كانا يلعب معهما الدومينو ليلة أمس، فلا يتأثر، ثم يحكي له بصدق معاناته مع الفقر، حتى أنه لا يجد ما يلبي به أبسط احتياجاته مثل شراء نظارة نظر.

«تفهمني القطر وحكاية القطر فاتك والميري، مهم بيتكلموا عن قطر واحد، وهم كذا قطر، قطر الشغل، قطر الجواز، وقطر الحياة، تشتغل شوية تحوشلك قرشين تلاقي قطر الجواز فاتك، وهوب.. قطر العمر يتقلب بيك» آسف على الإزعاج |(٢٠٠٨).

لم يتفوق هذا الفيلم فقط في براعة ممثليه، وقوة كتابته، بل كذلك هناك تفوق مبهر في إخراج الفيلم، لنعد مثلاً للقطة لعب الشطرنج بين حسن ووالده السيد صلاح الدين، حيث كان حسن يلعب بمفرده تمامًا، بينما كادرات التصوير توحي أن والده يلعب معه، ثم نلاحظ عدم حركة أيدي الممثل القدير محمود حميدة بالأساس، مما جعل حسن يستطيع لعب حركة كش وزير ثم كش ملك في حركتين متتاليتين. وبعدما يتعافى حسن من صدمته نرى في كادر واضع أن لوحة الشطرنج تم تحريك فيها لون فقط وهو اللون الذي كان يلعب فيه حسن بمفرده، بينما اللون الآخر ظل ثابتًا تمامًا. كذلك في كادر لعبة الأسكواش حين كان حسن يلعب وحده ولذلك كان عليه بعد كل كرة أن يعود إلى الباب ليأتي بالكرة مجددًا. ولا نغفل بالطبع براعة تجسيد تهيؤات حسن حيث نرى في شاشة نقل حفل الفرح أن الفتاة التي ضربها على وجهها.. لم يكن لها أية وجود.

-«أنا نفسي تحبيني يا فريدة..».

«ديمًا بتقول الحاجة بشكل مختلف يا حسن..».

-«مش مشكلة أقولها بشكل مختلف.. المهم مكنش قاصد ده»

«الحُب مش أمنية يا حسن.. الأمنية إن الحب ده يدوم».

– أسف على الازعاج (٢٠٠٨).

في نهاية الفيلم.. يعود المخرج لإستخدام الكاميرا مرة أخرى لتوثيق لحظة تصوير العائلة المكونة من حسن وزوجته وأبناءه، لكننا نرى في الكادر وجود الجدة والجد، بينما في كادر الصورة التذكارية لا يظهرا، مما يرسل لنا رسالة غير مباشرة بأن حسن لم يتعافى بعد.. وظل يتخيل أحبائه على أنهم على قيد الحياة.. أتذكر كذلك نهاية الفيلم الأمريكي المذهل «shutter Island» الذي يناقش كذلك حالات المرض النفسي وخاصة حالة الصدمة وعدم تقبل الواقع، حيث أستخدم السيناريست حبكة دائرية لنعود في النهاية إلى مشهد البداية ونرى أنه بعد كل هذه الرحلة المطولة لعلاج البطل.. لم يتعالج قط.. لكنَّ هذا.. فيلم آخر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصريّة 

مقالات من نفس القسم