لقاءٌ يجمعنا برضوى .. وبعض بنفسج
نسمة سمير
سلامًا طيبًا وحبًا كثيرًا رغم كل الوجع منك، أعلم أني لا أجيد ترتيب الحديث وترتبك كلماتي وأتعثر بها فأكاد "أقع على نفسي، مثلها تماما، بمجرد أن نرى حجرا أنا وهي في الشارع نظل نركله بقدمنا كصبي بقال يجد في هذا متعته الوحيدة في أثناء تسليم الطلبات لأن عمله لا يسمح له باللعب، لكن ماذا لو رآنا أحد المارة؟ حينئذٍ نتوقف ونستعيد وقارنا مرة أخرى ونتابع طريقنا". منذ رأيتها ورأيت نفسي بها في الأربعين، نظارة طبية وشعر قصصته لأصبح أكثر حرية في ليلات الصيف الحارة، تعلمت منها الكثير ولكن أهم ما زرعته بداخلي هو أني أملك حكاياتي كلها، أنا المؤلف والبطل والمتحكم في قواعد اللعبة، تلك هي تجربتي وضعني الله بها لأترك بصمتي ثم انتقل لمرحلة أعلى لا نهاية، لا خسارة، فجميع هزائمي هي انتصارات مادمت لم أهرب يوما، "رضوى" لم تتركنا وترحل لنهزم بل لننتصر.
تمنيت أن تكون "رضوى" بيننا اليوم، كنت سأشكو لها منك، وكانت ستتحدث معك وتعنفك لأنها لا تحب القسوة وترى أن خلف القلب الصلب القاسي شلال من الحنان يريد التحرر، كنا سنسهر معها ومعنا "مريد" في مكان بلا جدران نفترش العشب، ونتلحف بالسماء، نرتشف القهوة ونتحدث عن السينما والتاريخ والكتابة ، وسنغني أيضا ونحن نحضر العشاء، ثم تلعب أنت و"مريد" الطاولة ونتغامز أنا وهي عليكما ونحن نروي زهور البنفسج.
كانت ستغضب مني كثيرًا، بسبب كلامي الجارح الذي وجهته لك، ستشد على يدي قائلة: " نحن بشر تجرى العيوب بدماءنا، جميعنا نحمل الكثير والكثير من العقد والخطايا، ولا يصح لأحد منا أن يحاسب آخر على ما فعلته الأيام به، علينا أن نحتضن بعضنا ونطهر جروحنا ونكمل الطريق"، سأقاطعها فأنا مجادلة ولا أصمت، سأخبرها "أن كرامتي فوق كل شيء"، ستنظر لي مطولا، فأبادرها "كرامتنا تبعثر بكثرة التذمر والشكوى، بينما للصمت هيبة ووقار .. هكذا علمتيني" ثم تحتضني ونضحك.
نعم، أحببتك والحب في مدينتنا لاجيء خائف يرتعد أسفل برج إيفل في ليلة ممطرة بباريس، رأيت بداخلك نورا بإمكانه إضاءة عتمة الكون بأكمله، رأيت نفسي كثيرا أساعدك فى عملك وافتخر بإبداعك وكونك رجلا استثنائيا، ونتجادل ثم نسكب القهوة على السجاد وأجبرك على تنظيفها، وفرحتي وأنت تحضر لي كتابا جديدا، وأنت تلملم الأوراق المبعثرة حولي عندما يغلبني النوم خلال الكتابة، صوتك وأنت تحاول تقليد سيد مكاوي لأنك تغار من حبي له، محاولتلك تعليمي خطوات الرقص الأولى، تجادلنا وتشاجرنا ومرضنا وفرحنا وبكينا ورقصنا وطبخنا وتجردنا من كافة الأقنعة الدنيوية ونحن نشاهد فيلما سينمائيا في ديسمبر كطفلين في انتظار عودة أبيهما من العمل، أتعلم كل هذا رأيته حلما فى يقظتي ورأيت أيضا يدك تحتضن أطفالنا، و خصلات شعرك البيضاء تتناثر في ليل رأسك، وليلة موتي بين يديك ولقاءنا الأول بعد العبور، ولكن للأسف في الحقيقة لم نفعل إلا أننا افترقنا.
اعتذر عن قسوتي وانفعالي وكلماتي الجارحة لم أكن أقصد يوما حرفا منها، كلها مجرد ركل طفلة للأرض للتعبير عن الغضب، سرعان ما ستهدأ وتغفو وتستيقظ فى الصباح ناسية كل ما مضى ولن أذكر فقط إلا "أنك آخر القديسين"، لكنك عاقبتني على الخيط المقدس الذي نبت بقلبى يروى روحك دون مقابل، ليس هذا وحسب بل مارست ضدي كل أساليب الخذلان التي قد يرتكبها رجل في حق امرأة أحبته يوما، لن أنسى ذلك اليوم وأنا أقف على قارعة الطريق وأنت في الجهة المقابلة تصرخ "اعبري"، وأنا أردد بخجل "أخشى عبور الطريق"، أنت أيضا مثلي تخاف العبور، تخشى أن تترك قلبك في يد الأطفال، ولكن كان عليك أن تعلم "الأطفال اللذين حرموا من الأمان، لن يضيعوه أبدا"، ربما كنا نحتاج أنا وأنت لقاءا يجمعنا برضوى، ونقطف معها بعض زهور البنفسج، لنتعلم منه كيف يبتهج وهو زهر حزين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية