فالكلامُ مدخلٌ طيّبٌ للحُكمِ
قوتهم الناعمة
يغسلون الكلمات
والكلماتُ تغسل الأدمغة من أفكارِها،
وتغسِلُ الوقتَ
تحت كلِّ مُفردة بلاغية ـ مِقصلةٌ
وخلفَ كل جُملة بديعٍ قبرٌ جماعيٌّ
ووراءَ كلِّ ديباجةٍ عصماءَ
مدينةُ أشباحْ
هم الطُغاة يملكون قُدرةً خارقةً على الكلام
كالأنبياءَ
كلّما حضروا في اللُغةِ انتحلوا هيئةُ الشعراءِ
ووداعةِ القدِّيسين،
لكلٍّ منهم نصُّه كالأنبياء
ورؤياهْ
وأتباعُه ومُريدوه،
يهتفون بحياتِه وينسون الله
هم الطُغاةُ يملكون قُدرةً خارقةً على تَجييشِ الكلامِ
لهُمُ حرسٌ متخصّصٌ بشؤونِ اللغة
وكلاء حصريون للنعوت والأوصاف
وقوّادون للمفردات من أحسن العائلات
وألسنيون يفسّرون المقاطعَ
يصنّفون الكلام فِرَقا ومجموعات ورُزمًا
في دهاليز السرايا، معاملٌ
تعجُّ بالمفردات والجُمل المرصوصة
والمحسّنات
وأدوات لتسوية النتوءات اللغوية
وتدوير الزوايا
وتخفيف الأفعال أو تشديدها،
لِحرْفِ الدلالات عن غايتها
لتركيب غايات جديدة للمفردة الواحدة،
لكل واقعةٍ كلامُها المحسوب،
للملهاةِ
والكارثةِ
والمقتلةِ
لكل واقعة كلام معلّبٌ يركنونه على أبواب بيوتنا
ويذهبون!
هم الطُغاة يمتلكون قدرةً خارقةً على استمالةِ المفردات
وزجِّها في المقدّمة،
تنظّف الطرقاتِ من حقول الألغامِ
وتخترقُ السواترَ الترابيةَ،
والمتاريسَ
تخفّف من الاحتقانِ
والغليانِ
تكنسُ باحات بيوتِهم من غُبارِ السنين والقلقِ
والكوابيس
كل الطُغاة بحاجة إلى لغةٍ حليفةٍ كي يكونوا
واللغةُ خائنةٌ
تأكل بنهديها كالمومسات!
…
(تشرين الأول 2016)