لغة الحداثة تشتبك مع مفردات العالم في موسيقا بهاء رمضان للبراح

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

دراسة .. محمد سعد مطر

بهاء الدين رمضان صوت شعري متميز انطلق أوائل الثمانينيات  مع كوكبة من شباب الشعراء يحملون  سمة الجنوب وميراثه الإنساني والحضاري يعشقون هويتهم وعروبتهم ، يتواصلون مع الآخر تواصل القبول ، وتبادل المعرفة ، والمشترك الإنساني دون الذوبان  أو الانمحاء أو الاستغراق في التغريب .استهوتهم الحداثة والتجديد ، والخروج بالشعر من عالمهم الضيق عالم القبيلة وأغراضه المتعارف عليها من الفخر والحماس ، والرثاء ، والهجاء  ، والمديح  إلى عالم إنساني رحب مليء بالكثير من المشترك الإنساني الغير مرتبط بالعقيدة ، أو اللون ، أو اللغة ، أو الموقع الجغرافي  .

ولكن بهاء الدين رمضان ، كان يحفظ لشاعريته خصوصية تميزها عن أقرانها ، فأصبح صوتا شعريا ناضجا يقدم القصيدة الحداثية في حالتي التفعيلة أو قصيدة النثر بما نستطيع ان نؤكد أن لغة بهاء رمضان الشعرية تفصح عن صاحبها .

وقد قدم شاعرنا للمكتبة العربية ثلاث مجموعات شعرية ( كتاب النبوءات ) ، ( صباح العشق ) ، ثم (موسيقا للبراح ) المجموعة التي نحن بصددها ، والصادرة عن سلسلة إشراقات جديدة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2001 .

أولا الغلاف :

من المؤكد أن عنوان المجموعة يحمل تميزا خاصا مخادعا في اللحظة ذاتها فالشاعر يحاول عن طريق العنوان تهيئة المتلقي للولوج إلى عالم المجموعة بروح راقصة حتى يحدث الصدمة للمتلقي عندما يصل إلى عالمه الشعري فيصطدم برؤية شاملة لعالم الإنسان اليوم التي تواجهه عذابات شتى ، وينطلق الخاص بشاعرنا إلى العام ويتماهى كل منهما في الآخر فتصبح أمام حقل ألغام شديد الخطورة ، أما الغلاف فللأسف لم يحالفه التوفيق في التعبير عن المجموعة من حيث التداخلات اللونية بين الألوان الأربعة البني ، الأزرق ، الأخضر ، والأصفر ، وما يوحي به كل لون على حدة أو ما يوحي به الشكل الكلي لهذا التداخل اللوني الذي تتضاءل إضاءته بنصوص المجموعة على المستوى البصري أو المستوى النفسي ولا تعطي هذه التداخلات اللونية دلالات تأويلية لعالم المجموعة الكلي .

أما اللوحة المختارة لسيدة تحمل قطتين بلون يميل إلى ألأسود وخلفية الزهور فهي أيضا لا تعطي علاقة دلالية مع مجموعة شاعرنا وكذلك ملامحها الأقرب إلى نساء جنوب شرق آسيا لا تعطي تواصلا دلالياً مع المشترك الإنساني الذي يطرحه بهاء رمضان في مجموعته ، وأستطيع أن أقول أن غلاف المجموعة قلل من رصيد هذه المجموعة الشعرية المتميزة حتى أنه يشكل عبئا عليها وحاضرا واضحا بينها وبين المتلقي الذي يقتات الشعر لا أسماء الشعراء .

ثانيا : الحداثة في شعر بهاء الدين رمضان :

على الرغم من المزاوجة بين قصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية في مجموعة شاعرنا إلا أن الحداثة والمعاصرة والإبداع المتعدد الدلالات والمستعصي أحيانا على المتلقي يحمل بداخله آليات التأويل المتعددة والتي تشي بثراء تجربة وثقافة ولغة الشاعر فإذا كان أدب ( صامويل بيكت ) قد أطلق عليه ( أدب الصمت ) فإن قصيدة بهاء رمضان قصيدة صامتة / صاخبة ، تنفجر بياضا وتناصا ولغة وصورا تلج بنا إلى عالم القصيدة الحداثية العربية المتمسكة بتراثية وجمال لغة التراث الإبداعي العربي

البياض :

تلعب مساحة البياض المحيط بنصوص بهاء رمضان دورا هاماً محاولة الوصول إلى آليات تأويل نصوصه ويمثل التكثيف والسطر الشعري القصير الذي يصل إلى كلمة واحدة في معظم قصائد الديوان نوعا من البياض الضمني الذي يحمل رسالته للمتلقي .

في قصيدة الراعي نجد السطور الشعرية التي تتكون من كلمة واحدة خمسة سطور

( تموء ـ يغني ـ يغني ـ الصفاء ـ تموء )

والتي تتكون من كلمتين أحد عشر سطرا شعريا :

( يبوح لهم ـ ويتبعها جسد ـ من ضياء ـ ملائكة الراغبين …. يمنح العارفين )

ستة عشر سطرا شعريا من واحد وثلاثين سطرا بما يزيد عن نصف القصيدة ويتكرر ذلك في معظم قصائد المجموعة ، ومن الواضح أن البياض المحيط عند شاعرنا مرتبط ارتباطا وثيقا بحالة التشظي والتشتت التي هي ملمح من ملامح القصيدة الحداثية كما أنها تحمل دلالة تأويلية للنص فعلى سبيل المثال في ( خديعة العشاق ) قصائد قصيرة :

الفراغ المرسوم

بين

صفحتي الكتاب

تروح

وتجيء

فيه دائماً

يا للغواية

نلاحظ هنا أن مسافة البياض اتسعت وضاق السطر الشعري في القصيدة ولم يعد يحتمل سوى كلمة أو اثنتين ، والمؤكد هنا أن الفراغ المعني بدلالاته المتعددة يفرض هذا التكثيف واتساع مساحة البياض في الصفحة .

في قصيدة خضوع :

الدواء

مرٌّ كالعادة

فاغمض عينيك .

وقد يتساءل سائل ما الجديد الذي أتى به بهاء رمضان في هذه الجملة التقريرية المعتادة ، من المؤكد أن العنوان خضوع يحمل آلية من آليات تفسير هذا النص لكن البياض المحيط هنا هو آلية التأويل الكبرى والإبداع الحقيقي ، فالدواء مرتبط بالمرض، باللون الأبيض وأردية الأطباء ، ولون غطاء الأسرة وكذلك لون الكفن ، والنهاية .

من هنا كان لابد أن يتسع سطح البياض حول هذه القصيدة في دلالة واضحة على لحظة الكشف والتنوير المرتبطة بحالة المرض الصوفي في كل حالاته العضوية والنفسية والإنسانية ( الخاص ، العام ) وفعل الأمر فاغمض عينيك هنا يكمل حالة الإضاءة الداخلية والرؤية ناصعة الشفافية تتعدد النماذج في مجموعة شاعرنا حول دور البياض المحيط وتأثيره ودلالاته التأويلية بنصوص هذه المجموعة المتميزة .

بياض المتن :

لم يكتف شاعرنا بالبياض المحيط بل قدم لنا بياضا بمتن نصوص مجموعته تحمل  دعوة للمتلقي للمشاركة في كتابة الحالة ورصد الرؤيا التأويلية للنص حسب الخاص والعام لكل متلقي لتعدد الرؤى والأوجه التأويلية لنصوص المجموعة في دليل هام على الثراء الشعري والإنساني بها ، ففي قصيدة الراعي :

ويتبعها جسد

من ضياء

ملائكة الراغبين

. . . . . . . . . .

. . . . . . . . . .

يغني

وفي مقطع آخر في القصيدة نفسها :

ففيها مآرب أخرى

. . . . . . . . . .

. . . . . . . . . .

. . . . . . . . . .

وعند الغروب

يغني :

وفي قصيدة الغزالة يقول :

 فلمن يغادره

امتداد العشق

في جرح الخليقة والمدى

. . . . . . . . . .

. . . . . . . . . .

. . . . . . . . . .

أخرج ضلوعك

تنثني قوساً

يترك شاعرنا بياضا في متن قصيدته أربعة سطور شعرية يتبعها بفعل أمر (أخرج) ضلوعك ليؤكد أن المتاح الإنساني تتعدد أشكاله ودوافعه لكن النتيجة في النهاية واحدة.

في قصيدة وليمة ، يقدم الشاعر مرثية شديدة البساطة / العمق لميراثه الإنساني والتاريخي وحالة الضياع والموت التي يتنفسها إنسان اليوم ويقدم هنا بياضا آخر في متن قصيدته ليتيح للمتلقي أن يكتب مقطعا كاملا في القصيدة ، مقاطع سريعة مكثفة ، يفصل بين كل مقطع ومقطع سطر خالي ، ولكن في نهاية القصيدة يقدم أربعة سطور خالية ثم سطرين في الخاتمة :

أقول لكم جميعاً :

هذا جسدي فكلوه

وهذا دمي . . .

.. .. ..  ..

التناص :

يشكل التناص في أشكاله المتعددة ( تناص ـ إحالة ـ قناع ) جزءا هاما من تجربة شاعرنا وتتعدد روافده مابين الديني والتاريخي ( العروبي الإنساني ) ويشكل التناص هنا جزءا هاما من نسيج النص .

في قصيدة الراعي :

سآوي إلى جبل               تناص قرآني مع حوار حوار سيدنا نوح مع ابنه

يهش بها غنما                 إحالة إلى النص القرآني في قصة سيدنا موسى

ففيها مآرب أخرى             إحالة إلى النص القرآني في قصة سيدنا موسى

ونستطيع أن نرصد هنا أن التناص والإحالة شكلا ثراء فاعلا للنص وكذلك مفاتيح دلالية هامة لتفكيك نص بهاء رمضان الكاشف للروح المعذبة الباحثة عن المكاشفة / المغايرة التي تملك القدرة على تغيير العالم المليء بالمتناقصات والمتناثرات .

في قصيدة الغزالة :

فما كذب الفؤاد                             تناص مع النص القرآني

أبيضا من غير سوء                        إحالة إلى النص القرآني في قصة سيدنا عيسى

آية أخرى                                    تناص قرآني

ويتضح هنا استخدام المقدس لكسر غير المقدس وتعميق تلاطم أمواج المشاعر الإنسانية في عالم متغير كاذب خادع حتى في أدق تفاصيل المشاعر .

في قصيدة مكاشفة الدهشة يقدم بهاء رمضان نصا صوفيا / حداثيا مشتبكا مع لحظة التنوير التي يحملها الإطار العام التأويلي لهذه المجموعة .

انظر بعيني فؤادك الخاوي               إحالة لنص ابن الفارض

فنربط قلبك الملتاع                                    رأيت ربي بعين قلبي

في حضرة القرب المقدس

وكان لابد لشاعرنا أن يشتبك مع شعراء الصوفية التراثيين ليؤكد أن الحداثة في الإبداع التي اعتمدت الرؤية والصوفية والسريالية حالات لكتابة إبداع لم تكن وليدة الغرب وخاصة الشعراء الفرنسيين كما ادعت سوزان برنار في كتابها ( قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ) بل إن للحداثة جذور عربية تاريخية بدأت بأبي تمام وانتهت عند نظرية قصيدة النثر لأدونيس وأنسى الحاج ، والماغوط ، ورفعت سلام ، وحلمي سالم .

وفي قصيدة وليمة :

نص ذاخر بالثراء الإنساني لتجربة إنسانية شديدة الكشف في وقفات سريعة مكثفة لرصد شاعرنا الهم الإنساني منذ البدء

لأبي العلاء

حين خدعنا كثيراً                                      قناع تاريخي

ولم يجنِ على أحد

 

للوركا

وهو يعزف على قيثارته                              ناع تاريخي

لون قرطبة القديم

من الواضح أن شاعرنا وهو يقدم لنا رصده الكاشف كان لابد أن يقف أمام شعراء الرفض والثورة ؛ أبي العلاء ولوركاوترك لنا مساحة بياض نضيف من خلالها ونشاركه الرصد الكاشف

لأمل دنقل

المجد لشيطانك

معبود الرياح                                             إحالة لنص أمل دنقل

الذي قال لا                                              كلمات اسبارتكوس الأخيرة

في وجه من قالوا نعم

نص لم يكتبه بهاء رمضان بشكل مباشر ولكن ترك لنا بياضا واشتباكا مع تاريخية الرافض نستطيع أن نكتب من خلالها ما يتواصل مع انتقال الحالة النفسية للمبدع إلى المتلقي

للنساء اللاتي

قطعن أيديهن من أجلي                 إحالة إلى قصة سيدنا يوسف

وحينها تناسين يوسف

لم تكن الإحالة هنا مجانية كما هي حالات التناص عند شاعرنا والتي تتميز بالتناغم الفني والدلالي مع الحالة البشعرية عند بهاء رمضان والمفارقة التي يدهشنا بها الشاعر ( تناسين يوسف ) وهو يتحدث عن الغواية / الشهوة التي تشكل هما خاصا وعميقا في التاريخ الإنساني .

أسطورة الصهيل الخارج من لوحة سلفادور دالي

إحالة إلى لوحة للفنان سلفادور وإلى …… وهي اشتباك مع الفن التشكيلي وإيجاد مشتبكات إنسانية بين الإبداع بكل أشكاله وألوانه .

في قصيد خديعة العشاق

والبلد

والعيون التي ..

فاضت في كمد

والنساء الشواغل

والشاغلات

بلا حد

لقد رسمت في القلب

أخدوداً

من كبد

هذا النص إحالة إلى النص القرآني ( لا أقسم بهذا البلد ) …. يقسم شاعرنا بالبلد والعيون التي …….. ويترك مساحة بياض كشفا في متن قصيدته ليحدث دلالات تأويلية متعددة من خلال الإحالة والبياض ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ” صدق الله العظيم “) ليصبح التعامل مع النص الشعري في إطار النص القرآني تفسيرا دلاليا لحالة الغياب والفراغ التي يعيش الإنسان في صراع معها دائم ومستمر ولكن هنا يحمل خصوصية الشاعر وعصره .

في قصيدة ( خديعة )

خلال النسوة اللتي يلطمن أرواحهن

إذ تشق لهن جيوب الخديعة

إحالة إلى الحديث الشريف ( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ) صدق رسول الله

وهنا استخدام المقدس لكسر غير المقدس فاللطم هنا للروح والجيوب التي شقت كانت الخديعة فالنص الشعري هنا دخل بنا إلى المعنوي خروجا من الشكلي ليحول المعنوي إلى مادي ملموس ، وبهذا الاستخدام للمقدس تم كسر غير المقدس وتتعدد أشكال التناص وروافده في معظم قصائد المجموعة ، في قصيدة عتمة :

     عينان أنهكهما ضوء العتمة إحالة إلى الحديث الشريف عينان لا تمسهما النار

في قصيدة مشتهيات

أو تقضم تفاح العري على النيل        إحالة إلى قصة سيدنا آدم

وفي قصيدة وطن

المهين               تناص مع القرآن ( ماء مهين )

في قصيدة المسيح           قناع تاريخي ديني مشتبك مع قصة سيدنا عيسى وموقف اليهود من دعوته وكذلك إسقاط على الصراع العربي الإسرائيلي .

في قصيدة خديعة2

وألقي به في الجب إحالة إلى قصة سيدنا يوسف

تفجير اللغة :

اللغة التي استحمت من درن الاستعمال هي سمة من سمات الحداثة وتأكيد على قدرة المبدع على التجديد والإنطلاق إلى لغة إبداعية جديدة تضيف وتثري وتواكب الخاص / العام .

وقد نجح شاعرنا في تقديم لغة شعرية حداثية تتميز بالمحافظة على ميراثه التراثي وقد قدم لنا الأستاذ الدكتور / مصطفى رجب في دراسته النقدية الملحقة بالمجموعة إطلاله راصدة وكاشفة لهذا التميز في شعر بهاء رمضان لذا سنحاول أن نرصد مظاهر تفجير اللغة في هذه المجموعة .

الجمع بين المتنافرات

في هذه المجموعة نقف أمام تعدد استخدام الجمع بين المتنافرات وتحويل اللامعقول إلى معقول لإحداث إضاءة شديدة الوضوح في عالم شاعرنا وجيله

في قصيدة الراعي :

يمنح الغارقين العراء

يمنح / العطاء / الهبة ،  الغارقين / الهالكين ماذا سيمنح الجبل لهم ؟

العراء / الفناء / البياض / الفراغ ، ونلاحظ هنا الإشارة الدلالية في العلاقة بين المانح والممنوح له والمنحة .

تنام المسافات بين يديه

تحولت المسافات التي تحمل دلالة ( زمكانية ) إلى كائن حي يمارس فعل النوم والعمق الدلالي هنا ( بين يديه )

في قصيدة الولادة

جسد يخرج من رغبة أنثى

يشعل القادم

من نافذة الحلم

( رغبة الأنثى ) الرغبة شيء معنوي تحول إلى كائن حي يخرج منه جسد خرج المادي من المعنوي ليشعل المعنوي ( القادم ) / المادي الذي سيأتي من مادي ( نافذة ) الآتي من المعنوي ( الحلم ) هذه المزاوجة والتوالد بين المادي والمعنوي والمعقول واللامعقول يفسر لنا معاناة شاعرنا الخاص / العام في تحليل الموقف من الجنس .

في قصيدة مرثية :

دق الباب على أطراف نحيلة

 

فدق الموت

منسكباً فوق قارورة

الأمنيات الضئيلة

وخارجاً من

فساد الزمان الملطخ

بكوابيس العتمة

والأوبئة

نستطيع أن نترصد هنا تعدد المتضادات دق الموت ـ منسكبا ـ قارورة الأمنيات الملطخ بكوابيس العتمة والأوبئة

الموت كائن مادي يفعل وهنا فعل دق ثم تحول إلى سائل منسكبا فوق قارورة المعنوي الأمنيات الضئيلة ولكن اتبعها بـ خارجا من زمن فاسد ملطخ بكوابيس العتمة والأوبئة وهنا وضعنا الشاعر أمام حقيقة الرحلة القصيرة التي تسمى الحياة نحصل فيها على القليل جدا ، ونخسر الكثير.

في قصائد خديعة العشاق :

أرسم وردة

وأدعوها

فتأتيني سعيا

من الذي يأتي الوردة المرسومة ؟ وكيف تحولت إلى كائن حي يسعى أم التي ستأتي ( الفتاة التي مرت ) ؟

في معطف القلب

مازالت تختبئ

حتى لا أراها

ألبس شاعرنا قلبه معطفا وخبأ فيه محبوبته حتى ظنت أنه لا يراها

للحنين جدولان

ينبعان من بين أصابعه

نهران لحنينه والأكثر إدهاشا أنهما ينبعان من بين أصابعه

حجر من صهيل

كيف حول شاعرنا الصهيل ( الصوت / النداء ) إلى جماد أصم ؟

فوق خديعة الأعشاب

ترقد النساء

تشاركها فراشات التمرد

يخرج شاعرنا بالأشياء من أفعالها الإعتيادية إلى الجديد الذي يكشف عمق المأساة والحالة الأعشاب تمارس الخداع أو تحول الخداع إلى أعشاب وكان الخداع / العشب أو العشب / الخداع

تحول إلى ( حرباء ) تتلون بلون عالم اليوم ، ثم مشاكسة فراشات التمرد وهنا خروج بالفراشات من أفعالها الاعتيادية والمتعارف عليه في الابداع إلى حالات التمرد / الرفض .

وفي قصيدة خديعة

شلال النسوة اللائي يلطمن أرواحهن

إذ تشق لهن جيوب الخديعة

يعمق بهاء رمضان مأساته / مأساتنا من خلال تحويل الروح إلى كيان مادي يلطم ويحول الخديعة إلى رداء تشق جيوبه ويستخدم شاعرنا هنا لغة حداثية تشتبك مع كل مفردات عالم اليوم بشكل واضح ، يورد في مجموعته .

مفاصل قلبي ـ المقاهي ـ الإيدز ـ الضرب ـ الانتخابات ـ الجرائد ـ الأسفلت ـ برباطه الطبي ـ موسيقا الجنائز ـ موسيقا الجاز ـ انكسار الشعاع ـ لوحة سلفادور دالي ـ فيروس الكمبيوتر ـ النفايات النووية ـ سريرها ـ الجاتذبية الأرضية ـ قضبان السكك الحديدية ـ الشيوعية واليسار .

تتسع مساحة الاشتباك مع المحيط في كافة مجالات السياسة ـ العلم ـ الفنون ـ التكنولوجيا كل هذه المحيطات تلعب دورا هاما ومشتبكا في تراثية شاعرنا وجذوره مما أوجد لغة خاصة ومذاقا شعريا متفردا .

ولكن يبقى  في نهاية هذه الإطلالة أن صراع شاعرنا بين جذوره وتيار الحداثة ومحاولته إيجاد توازنا بينهما ، نجح أحيانا في الوصول إليه وشكل تراثه عبئا عليه في أحايين أخرى .

مازال لدى بهاء رمضان الكثير ولكن عليه أن يترك لإبداعه حرية التحليق المطلق حتى يقدم لنا شعرا صافيا يحمل صفاء التجربة ويختار اللغة المناسبة دون قيود القديم أو افتعال الحديث .

بهاء رمضان مبدع متميز يستحق أن يحتل مكانا في مقدمة صفوف أبناء جيله .

ــــــــــــــــــــــــــ

ناقد مصري

مقالات من نفس القسم