وضعتها فى السنتيمترات التى تفصل بين ساقينا ، امتدت يدها الى الحزمة بعد تردد لكنها جذبت منها المنديل تلو الآخر ، التقطت بيدى المنديل الآخير وكتبت عليه سؤالا ، قرأت مافيه ثم أدارته وكتبت على ظهره : أتريد أن تشترى أسرار إمرأة ببضعة مناديل؟!!
عندما توقفت الحافلة نهضتْ لتنزل فى محطتها ، التهمنى عبق مرورها عندما اقتربت منى ، ترددت قليلا ثم نهضت واقفا بلا وعى خلفها وأنا مجذوب بسحابتها السحرية التى أطفأت عقلى وأشعلت النار فى كل مستقبلاتى .
سرت وراءها ثم توقفت عندما توقفت مستقرة أمام السياج الحديدى للنهر ، تسمرت على اليمين بجوارها على بعد خطوتين منها ، لاحظت أن دموعها مازالت تتساقط ، انصرفت وعدت بعد لحظات وبيدي حزمة مناديل أخرى وضعتها على مسند السياج بجوارها ، كانت قدمي تتحركان ناحيتها بلا وعي كلما تقاطرت دموعها غزيرة على وجنتيها ، أثناء ذلك كانت تنظر لصفحة الماء وأنا استمع لتأوهاتها المكتومة ونواحها المحرم .. تذكرت اسطورة عروس النيل..
أصبحت بجوارها تماما عندما لم يبق سوى منديل واحد ، أخذت القلم من جيبى ، كتبت على المنديل الأخير : ماذا تريد منى؟
قلت لها بعد أن قرأت : لا اعرف ، و لا أريد أن اعرف سر بكائك ، و لا أريد مطاردتك ، ولن اعرض عليك مساعدتى ، فقط دعينى كما أنا ..
كنت أغوص فى شعور لم يحدث لى من قبل ، شىء غامض وممتع ورائحة جاذبة لا استطيع تمييزها ولم اعرف لها مصدراً ، لكنها كانت تتزايد كلما اقتربت منها.
توقفت دموعها و جفت تماما ، فتحت حقيبة يدها ، بحثت في محتوياتها مستخرجة علبة سجائرها ، أخرجت سيجارة اشعلتها ثم سجبت منها دخانا نفثته صانعة سحابة كللت وجهها ، تلفتت حولها لكنها لم تجدنى ولم تجد كومة المناديل المبللة بدموعها.