كينيث ريكسوث … تلك الرائحة

كينيث ريكسوث ... تلك الرائحة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ولد الشاعر الأمريكي كينيث ريكسوث في عام 1905، في ساوث بيند بولاية إنديانا الأمريكية، وتنقَّل مع أسرته في مناطق عديدة من وسط أمريكا في طفولته. عاش حياة صاخبة، فعرف اليتم في سن الرابعة عشرة، وظلَّ على مدار حياته كثير التنقل والسفر داخل الولايات المتحدة وخارجها، وكان له نشاط سياسي، وتزوج أربع مرات. تعلم إلى حد كبير تعليما ذاتيا، وهو واحد من أكثر الشعراء الأمريكيين توزيعا وقراءة في القرن العشرين. كان أحد المؤثرين على جيل البيت الشهير بشعرائه ألن جينسبرج ولورنس فرلينجِتّي حيث تظهر في شعرهما ثيمات من شعره لا سيما ما يتعلق بالصوفية والجرأة الجنسية. في القصيدة التي نقدمها له في السطور التالية نرى جانبه السياسي واضحا، فهو يكتب هجائية للعنصرية ساخرةً ومريرةً، ويبدو واضحا أنه كتبها في شبابه، وهو بعد في العشرينيات من العمر. توفي كينيث ريكسوث في عام 1982.

***

تفرقة

لا يشغل الناس بالي.

بعدما اعتدتهم تماما

طوال خمسة وعشرين عاما

لا يشغل بالي

إن هم جلسوا جنبي

في القطارات

أو أكلوا في نفس المطعم

ما لم يكن على نفس المنضدة.

ومع ذلك

لا أقبل لامرأة أحترمها

أن ترقص مع واحد منهم.

لقد حاولت أن أدعوهم إلى البيت

ولم أنجح.

ولا ينبغي أن أبالي بأختي

إذ تتزوج منهم أحدا

أو تقع في حبه

لكن فكروا في الأطفال.

ينتجون فنا مثيرا،

لكنه يقينا همجي.

وأنا واثق أنهم لو سنحت الفرصة

لقتلونا في أسرَّتنا.

ولا بد أن تعترفوا

أن لهم رائحة

***

قصيدة عنصرية بامتياز. وتعلن عن عنصريتها هذه منذ عنوانها الأول، ومنذ أول كلمة فيها وحتى آخر كلمة. حتى أنها مكتوبة على لسان من يجد للبشر رائحة. ربما لا يقول إنها منفرة، ولكنه يستطيع تمييزها، يستطيع أن يسمهم برائحة كما توسم الأشياء، وكأنه ليس منهم، أعني ليس منا.

وعلى عنصريتها هذه، تبقى أيضا صالحة للاستخدام أينما وضعت. قابلة لأن تقرأها أوربا وهي تقصد أفريقيا، أو أفريقيا وهي تقصد أمريكا، أو أمريكا وهي تقصد الجنوبية منها  أو الشمالية، قصيدة الحمر للصفر أو الصفر للبيض، أو البيض للسود.

كما أن بوسع أتباع كل دين أن يقرأوها وهم يقصدون من ليسوا على دينهم، بل وبوسع أبناء كل مذهب، بل وأبناء كل عرق، بل وبوسع أخ أن يقرأها وهو يقصد أخاه. ولن يكون هذا التعالي من أخ على أخيه غير مسبوق في سلالة كائنات تحب أن تسمي نفسها بني آدم، وما هي إلا بنو قابيل.

ولقد كان كينيث ريكسوث كمن يمشي على الحبل في كتابته هذه القصيدة. كان بوسعه أن يزل في لحظة فتبدو القصيدة عنصرية تجاه عرق معين من البشر، أو فئة منهم يجمعها دين أو لون أو سن أو رأي سياسي أو ما شئتم مما يجتمع عليه الناس، أو يتصورون أنهم يجتمعون عليه، في حين أنه في جوهره يفرق بينهم وبين أمثالهم من الناس.

ولكنها بالقطع قصيدة مناهضة للعنصرية، رافضة لها. وهي أيضا، وببساطة شديدة، فاضحة لبعض ما تقوم عليه العنصرية من أفكار، أو لبعض ما يحركها من دوافع. وذلك لسبب واحد: أنها لا تسمِّي الهدف.

من المؤكد أننا سنصاب بالرعب إن نحن رأينا في غير السينما قَنَّاصا يقبع على سطح عمارة شاهقة مصوِّبا سلاحه. من المؤكد أن الرعب سوف يتملكنا ونحن لا ندري على أي صدر بالضبط يستقر صليب منظار السلاح. وحتى هذا القَنَّاص نفسه سوف ينتابه الرعب لو أنه في مكاننا. لو أنه يرى قناصا آخر يستعد لإنجاز مهمة؟

فلماذا؟ لماذا وهو والقناص من طينة واحدة، يصيبه الرعب من فعل هو نفسه يقوم به؟ لماذا نتصور أن الشخص العنصري حين يقرأ هذه القصيدة فإنها سوف تثير ضيقه؟ صحيح أنه عنصري، وأنه يقول مثل هذا الكلام عن بعض البشر، ولكننا نفترض أن قد يريد أن يطمئن إلى أن هذا الكلام غير موجَّه إليه هو. يريد أن يعرف أنه مستثنى من هذا الحكم الجائر بأن له رائحة تنبعث منه، وأنه أدنى من أن يكون زوجا لأخت شخص ما، لا لعيب عابر فيه يمكن إصلاحه، بل لأن هذه هي تركيبته التي وجد عليها نفسه.

لقد اعتلى كينيث ريكسوث عمارة عالية، أوقفنا جميعا تحتها، وصوب بندقيته تجاهنا، وقال لنا ببساطة شديدة كلكم في مرمى هذه الطلقة، فماذا أنتم فاعلون بي؟

مقالات من نفس القسم