“المهدي” شرحت بعمق أحد هذه التيارات، التي لا يشغلها غير تغطية المجتمع، وهداية أصحاب العقائد الأخرى، لما تعتقده هى، مستخدمة في ذلك الخطب والوعظ، والمساعدات المالية والعينية.. مدعومة بعجز السلطة المهيمنة في القرية –المكان الذي تدور فيه القصة- عن التدخل لمنع هذه الجماعة من استغلال فاقة “المعلم عوض” القبطي صانع الشماسي، الذي قذفت به حاجته إلى هذه القرية، كم لم تمنع هذه السلطة، المتمثلة في العمدة، محاولات الجماعة المستمرة، للضغط على صانع الشماسي لهدايته، وضمه لحظيرتهم.
لم يجد “المعلم عوض” سبيلًا للنجاة من أيديهم، سوى الاستسلام، والانهيار تحت وطأة اليد، التي تحاول انتزاعه من جذوره، وفصله عن جماعته، وفي طريقه معهم ليعلنوه واحدًا منهم، خارت قواه وخر مغشيًا عليه وسط تهليلاتهم، وتكبيراتهم، التي تصاعدت وتيرتها محاولة أن ينهار السقف على كل أبناء الوطن أيًا كانت عقائدهم.
بعد سنوات طويلة من صدور المهدي صدرت رواية “كيرياليسون” للروائي الشاب هانى عبد المريد، الرواية جاءت بدون إهداء، ربما لا وقت للإهداءات أمام الحاجة الماسة، لرصد التحولات، التي شهدها المجتمع.. علنا نلمح في الأفق، طوق نجاة من تداعيات هذه التحولات، التي نبتت معها شخصية البلطجي، الذي لا يعرف قيمًا ولا أعرافًا، وخارجًا دائمًا على القانون، كما اقصت السياسات الفاشلة، وشهوة الانفراد بالحكم، مواطنين أصليين، وحبستهم في سجن الهامش، يعانون الفقر والمرض والجهل، لا يعولون في غياب العدل الاجتماعي إلا على الحلول الغيبية، ومن ثم يغيب العقل، والوعي، ويحل التطرف والإرهاب ليتحول المصريون جميعهم إلى متن الهامش.
تصادف قراءتي لهاتين الروايتين قبل أسبوع من الآن، وبنظرة من نافذة واسعة على ما يجري في مصر هذه الأيام، لا يسعني إلا أن أردد: كيرياليسون.. ولا تدخلنا في التجربة.. ونجنا من الشرير.. آمين يا رب العالمين.
كيرياليسون كلمة قبطية تعني يا رب أرحمنا.
………………….
•بجريدة الدستور، بتاريخ 18 أكتوبر 2011
•كتاب ميل إلى السعادة – دار روافد 2016