كلُّ مُغلقٍ وَجَعي ونقيضي المُلِحّ

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد عريقات *

وأنا العارفُ..

أهتِكُ أسرارَ الصَدَفِ وأفشيها

لا آبَهُ بالخَرَزِ يحملِقُ في شهوَةِ الإنسان:

- أنا حَجَرٌ كغيري إنما تلكَ التواشيحُ الخبيثةُ

من قادت يديكَ وثمَّنت ضَوئي

أنا حَجَرٌ كغيري رغمَ شُحِّ سلالتي

في البحرِ.

 

وأنا العارِفُ.. لا همَّ لي ومهِمَّة إلا المغاليقُ أهتِكُ أقفالها.. باطِشًا بِيَدٍ من فضولٍ مَكامِنَ ظَلماءَ تلتفُّ كالأفعوانِ بجُرْنٍ قديم، شَهيقي يكمِشُ الأرض، وزفيري ينفُخُها باكسجينٍ أزرَقٍ، كلُّ مُغلَقٍ وَجهَتي، فالأرضُ تحرُسُ بوّابَةَ الماوراء بِنصٍّ تنزَّلَ، يا لهذا القلب يحمِلُ ما يُصدِعُ الجبلَ الصّلد!. كلُّ مُغلَقٍ وجَعي ونَقيضي المُلحّ، فالصناديقُ المُتَبرِّجَةُ لا تقوى الكِتمانِ.. كلَّما خمّنتَ جوهَرَها عَظُمتْ هَيولاها، تكادُ تُشيرُ: هُناكَ مفتاحي، وفي جوفي الحقيقةُ تَكتِمُ ضِحكَتها السورياليَّة. أيُّها المأخوذُ في الهِتكِ اربِطِ النَّهرَ بِجِذعٍ قريبٍ وامضِ في مجراهُ بأسمالِ الجاهِلِ، قد تحتاجُ إلى الجَهْلِ ليصبِحَ دربُكَ للغايةِ أقرَبُ مما في يَدِكَ إلى يَدِكَ، فالعارِفُ تحومُ على هدأتِهِ إشاراتٌ تُرديهِ على قَرْنِ الثورِ فاربِطِ النهْرَ بِجِذعٍ قريبِ.

 

النَّهرُ يُنهِكَهُ العَطشى

وَحَجَرٌ في يَدٍ طِفلٍ يبعَجُ بَطنَ البَحْر

ورصاصَةُ صيّادٍ تقطَعُ ما تتعربَشُ

فيهِ الأجنِحَة..

صافّاتٍ ويَقبِضنَ من سَراحٍ هُلاميٍّ

إلى كيسٍ بَهيمِ..

وسَريرُ الولادَةِ سندانَةٌ

عليها تُطرَقُ الرّوحُ طوعًا لأبَّهَةِ العَدَمْ،

والموتُ يَرميها إذا بَهَتتْ

بعينِ الشمس.

 

نُزهَةٌ.. ويحينُ الغُروبُ، نَفيرٌ من الناعياتِ يصِلنَ أعاليَ روحي، فيفتَحُ الأفْقُ سِردابَ الكآبَةِ والرّصاص على النوارِسِ كُرْمى لمن عكّر الصَّفو.. راكِدَةٌ رياحُ الأرخَبيلِ وراءَ منديلِ الحَرير، لُجَّةٌ سَبَقتْ هُدوءَ العارِفِ بالمصائِرِ، يمشي على الأرضِ كأنَّها رُقعة الشَّطَرنج، هُدوءٌ وقد فُضَّ لفيفُ الشَّكِ بكَشْفِ حِجابِ العَدَمِ المحتوم، فالسماء تحرُسُ بوّابة الماوراءِ بِنصٍّ تنزّلَ كالريشِ في رُدهاتِ العِراك. راكِدٌ كلّ حُزنِ الأرضِ في وجهِ حِمارٍ، هائِجٌ غَضَبي في قرونِ التيسِ وحَذَري إجفالةٌ كَسَرت عُنقَ الغزال، نُزهَةٌ.. ويحينُ الإيابُ من الزَّهوِ هيَ الزَّهو على مدخَلِ القبرِ مهما قَسَت تلكَ الحياة، يصافحني حديثُ ولادَةٍ ويغلِقُ التابوت على نصاعَةِ الكتّانِ ويكمِلُ المهزلَة..

 

مهزَلَةُ تَبَدُّلِ الأدوارِ في الخَلقِ

يُغيظها اللهو وإتيانُ اللذائِذ..ِ

طاعَةُ الروحِ تلكَ وعصيانُ التراب

وعِفَّةٌ رعَويَّةٌ تروِّضُ الوَحْشَ

على قدْرِ ما يستوحِشُ الحَمَلُ المُقيَّدُ للقرابين.

 

مهزَلَةٌ تغضُّ طَرْفَ أبي على استحياءَ

منّي حينَ أولَد أو أموت، وحينَ أقولُ أعرِفُ

أنني هِبَةُ الخميسِ وأنّي وأنّي..

فَلِمَ لم تدَعْها هباءً.. محضَ لذَّةٍ تنشَفُ

في أكاليلِ العَروس؟.

 

الليلُ يحجُبُ ما يرى أعمى النَّهار، لصٌّ بخلخالينِ هوَ الليلُ يُضرِمُ في الرُّدهاتِ النُّباحَ على شِسْعِهِ، يَسرِقُ البهجَةَ والغرانيقُ يقظى تراقِبُ النَّهبَ أضاميمَ من تحتِ إبطيهِ والخلاخيلُ تَخُشُّ ويومِضُ فيها النُّحاس. وحينَ يعودُ الرِّتاجُ إلى كَتِفِ البابِ تنتَفِضُ الغرانيقُ كيما تُقاوِم ما ظلَّ من ظِلِّهِ في المَمَرّ.

 

القُرنفُلُ يَندُفُ عن غصنِهِ

والعاشِقُ يقرأ الطالعَ في عِطرِهِ

المشاعِ معِ الرّيحِ..

والمرأةُ تفتَحُ نافِذَة للهُبوبِ الزكيِّ

تستنشِقُ ما صَحى من ذِكرياتٍ

وطيشٍ..

وحينَ توخِزها الشوكَةُ

يعبُرُ في ذهنها الوَلدُ الذي كانَ

يسرقُ الوردَ وينتحلُ القصيدَةْ.

 

الوردةُ المُغمَضَةُ خباءُ النَّبضِ،

وذكرى سيِّئة تتحنَّطُ في صفحاتِ كتاب

قُبَلٌ شَهَويَّةٌ تتفتَّحُ في الفَواتِ..

إذ تبرُدُ الفضَّةُ دونَ شَكلِ القِرْط.

 

الوردَةُ المغمضةُ كحرفِ الواوِ

حينَ يكمِشُ شفتينِ تشقَّقَتا بعدَ أن جَفَّ

رحيقُ القُبلةِ في انفصالِ العِناق.

 

العارفُ ليسَ الراوي.. والحكايةُ تُناهِزُ الماء والحوت، البدءُ ليسَ مهمًا.. يغرِسُ رأسهُ في الهواءِ معافى، والنهايةُ تَمخُرُ نحوَ ضفافِ الحقيقةِ كانسِحابِ النَّصل، فيا أيُّها الهامِشُ اربط العارِفَ بالنزهَةِ والمهزَلةِ وبالليلِ وبالقُرنفل، واجلِدني إذا أصحو على دَرَجِ الهبوطِ يطارِدُ أنفاسِيَ اليانَسون. نَفَقُ السَّكرَةِ كانَ طويلا.. أقِفُ فتجذِبني الجدرانُ من ياقةِ الصَّحوِ وأحضانِ الأصدقاءِ وذكرَياتي، تجذِبني إلى الفَقدِ فاجلِدني الثَّمانينَ قبلَ أن يبرُدَ السَّوطُ والحَسَنات، فالحياة تُخرِجُ من كيسِها ما لا أحبُ وتهدِنيهِ، اجلدني الثمانينَ فقد هيَّأتكَ المشيئةُ للانتقامِ وَدعْني.. أتبوَّءُ رحمتي من لهاثِكَ.

 

أنا الإنسانُ..

بينَ البهيمَةِ والملاكِ مكانتي

حُلمِيَ المُطلَقُ يسبَحُ مُذ كانَ آدَمُ فِكرَةً.

فها أنَذا أبصِرهُ في الظلامِ/ وأجسُّ قمحَ لونِهِ في المرايا

وأشربهُ من مسامي ولا أتَعَرّفْ.

ــــــــــــــــ

3[email protected]

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم