كائنات خرافية تُسمّى: كُتّاب الرعب

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سالي عادل *

من ضمن الظواهر الغامضة في العالم ثمة ظاهرة تسمى: ’كتّاب الرعب‘، وهذه الظاهرة بدأت في القرن الثامن عشر في الغرب، ووصلتنا متأخرة ككل شيء، لكنها حين وصلت لم نستقبلها استقبالاً حافلاً لا إعلاميًا ولا نقديًا، ولا تناولناها بالتحليل. وفي المحاولة الأولى لدراسة الظاهرة لوحظ على أفراد الظاهرة اشتراكهم في عدة صفات:

1.         إنهم مذعورون

لا يغرنّك أنهم يكتبون الرعب، إنهم يخافون إلى حد أن يصدّروا مخاوفهم للآخرين، أو بمعنى آخر، يبيعونهم إيّاها. فمن ناحية يتخلصون منها، ومن ناحية يلصقونها بآخرين، والطريف أننا نحن الآخرون الذين يشترون المخاوف ويدفعون في المقابل أيضًا

 (ستيفن كينح)، ملك أدب الرعب، يقول: “إننا بقدر ما نتحدث عن هذه الأشياء بقدر ما نتفادى آثارها السلبية”، وهو يؤمن أنه بكتابته الرعب إنما يصنع حوله دائرة تمثل الحدود الآمنة التي لا يمكن للشرور أن تتجاوزها. (كينج) كان طفلاً خوّافًا، استطاع أن يحتفظ بمخاوف طفولته، ويستقيها في أعماله فيما بعد.

و د. (أحمد خالد توفيق)، رائد أدب الرعب العربي، لم يكن أشجع من (كينج). كان يهاب كل الأشياء، وكانت أقسى مخاوفه فكرة: ’أن يموت والده‘، وذات مرة، وبنفس منطق التخلص من المخاوف كتب كل مخاوفه في ورقة ثم دس بها في فراغ بجدار المدرسة، ومضى. وبالرغم من أنه شعر بتحسن، لكنه إلى اليوم لا يملك جرأة السير جوار ذاك الجدار.

 (ستيفن كينج) ينام متلفحًا بالغطاء ولا يمكن أن يبدي ساقه العارية من تحته إذ يخشى أن تمتد يد باردة فتمسك بها. كما ينام والنور مضاء، وعندما يسألونه يتحجج بـ: “كي أكتب الخواطر وأسجل الأحلام التي تزورني”. لكننا نعرف الآن لماذا يفعل.

 

2.         إنهم غرباء الأطوار

مستحيل أن تقنعني بالعكس، إنهم غرباء الأطوار، غرباء الأطوار، ويمكنني أن أقولها ألف مرة!

بالله لماذا تنزل فتاة جميلة للمدعوين إلى حفل ميلادها في تابوت؟ لماذا تفعل إحداهن ذلك إلا إذا كانت كاتبة رعب وتسمى (آن رايس)!؟

إنها في الوقت ذاته فظّة تصد المعجبين ولا تجد حرجًا في أن تنعت القاريء بالغباء إذا ما أبدى رأيًا سلبيًا في قصصها.

 (ستيفن كينج) كذلك ليس على ما يرام.. هل ينفق أحدهم أمواله من أجل شراء شاحنة ثم يحرقها؟ لقد تنازل عن أية تعويضات عن الإصابة التي تعرض لها إثر الاصطدام بالشاحنة مقابل أن يشتريها ويحرقها، ثم يحتفل بذكرى إحراقها كل عام تخلصًا من الثقل النفسي للحادثة. المصادفة العجيبة أن سائق الشاحنة يدعى (براين سميث) وهو نفس اسم إحدى شخصيات رواياته.

وقد صرحت زوجة (كينج) أنه يعيش مع الأشباح، وأنها هي مصدر إلهامه بالقصص المريعة التي يكتبها، حيث تقص له حكاياتها التي أردتها أشباحًا.

وبالرغم من إمكانية النظر إلى التصريح السابق باعتباره شائعة، إلاّ أن حتى الشائعات التي يتم إطلاقها عن أفراد الظاهرة موضع الدراسة غريبة مثلهم. فبالمثل أطلق زوج (شيرلي جاكسون) شائعة مشابهة حين قال أن زوجته تمارس السحر، وكان يهدف إلى الترويج لرواياتها. تلك المساعدة التي لم تتقبلها (شيرلي) وأغضبتها، فقررت أن تنفيها في كتابها التالي.

و(شيرلي جاكسون) كاتبة رعب يندر أن تسمع عنها لأنها لا تجري لقاءات صحفية ولا تجيب عن أي استفسار حول قصصها ولا ترد على رسائل القراء بالمجمل، وقد ضايقها جدًا أن لاقت إحدى قصصها صدىً واسعًا، وحفزت آلاف القراء لمراسلة الصحيفة التي نُشِرت بها.

أما د. (أحمد خالد توفيق) فلا أقدر على قول شيء عنه، فقط أخبركم أنه مسح رواية كاملة من رواياته (أسطورة العلامات الدامية) بعد تمام كتابتها وقبل نشرها لأنه شعر بعدم جدوى الكتابة، هكذا مسح الرواية من حاسبه، ثم استخدم برنامجًا ليمسحها سبع مرات متتالية حتى لا يفكر ثانية في استعادتها. لذلك حين هدأت ثورته لم يتمكن فعلاً من استعادتها، فاضطر إلى كتابتها من جديد.

 

3.         إنهم رومانسيون

إنهم لُطاف حالمون، تشبيهاتهم ساحرة، ولغتهم شاعرية. إنهم يثيرون ذعرك برقة حتى لتندهش حين تنهي القراءة: كيف ارتعبت مع هذه الرقة؟

إن أديب الرعب الأشهر وأبا القصة القصيرة بالمجمل (إدجار آلان يو) كان شاعرًا. وكانت قصائده مفرطة الكآبة كما كانت قصصه.

و(ماري شيللي) كانت فتاة رقيقة في التاسعة عشرة من عمرها وزوجة لشاعر حين كتبت (فرانكنشتاين).

أما (برام ستوكر) صاحب (دراكيولا) فقد كتب قبلها وبعدها روايات رومانسية. حتى إن روايته: (ممر الثعبان) يصعب معرفة تصنيفًا لها فبعض المراجع تصنفها رواية رومانسية، والبعض يصنفها رواية رعب.

ولعل تفسير ذلك اهتمام أغلب أفراد الظاهرة بالرعب القوطي، وهو نوع من الرعب يندرج تحت المدرسة الرومانسية، ويمكن تعريفه بأنه الرعب مضاف إليه عنصر الرومانسية، ويدور هذا النوع من الرعب في أجواء خاصة مثل القلاع والقصور المظلمة والبروق والرعود والأمطار وأضواء الشموع ويتناول النفوس المعقدة والمجهول.

ويرى كاتب الرعب الكويتي (ماجد القطامي) أن ثمة عامل مشترك بين الرومانسية والرعب، فكلاهما يتعامل مع الإنسان في أوهن حالاته: الحب، والخوف. ويضعانه في حالة من الاستسلام.

أما د. (أحمد خالد توفيق) فيرى أن العنصر المشترك بين الرومانسية والرعب هو: ’الهروب‘.. فكلاهما هروبًا من الواقع إلى عوالم خيالية، سواء كانت حالمة، أو مرعبة.

 

4.         إنهم بؤساء

إنهم صالحون لإذابة قلب الحجر، ولديهم خبرات طفولة مريعة. ولعل أكثرهم بؤسًا (إدجار آلان بو) حيث مات والده، ثم ماتت والدته في عمر العامين، وأصيبت زوجته بالسل من ثم ماتت دون أن يملك ثمن علاجها، أو كفنها. ومن قبلها: ماتت فتاتان أحبهما.

وكان (بو) يكتب للتربح، ويشارك في المسابقات طمعًا في قيمة الجائزة، وبالرغم من إبداعاته العديدة مات معدمًا. (هـ. ب. لافكرافت) أيضًا مات مفلسًا، بعكس (كينج).

 (كينج) المليونير الذي يعمل كاتبًا وتزيد أرباحه كل ساعة، والذي لا يكف لحظة عن المطالبة بأرباحه، لم يكتب أبدًا من أجل المال، وإنما للاستمتاع. في طفولته انفصل والده عن والدته، وقيل له أن والده ذهب لشراء سجائر، غير أنه لم يسمع قط أنه عاد. في روايته (قلوب في أطلنطس) نجد نموذج الطفل الذي يعيش مع والدته بلا أب، ويتعلق بنزيل كأب بديل. وفي طفولته أيضًا رأى (كينج) صديق له يُدهس تحت القطار.. تلك الخبرة التي اعترف أنه لم ينسها قط.

 

(دين كونتز) كذلك عانى من قسوة والده مدمن الكحوليات،  و(ماري شيللي) التي ماتت والدتها في صغرها، بالضبط لم يغفر لها والدها هذا، ألا يمكن النظر لمسخ (فرانكنشتاين) الذي أنتجته، باعتباره طفل غير مرغوب فيه من قِبل والده؟

إنها تملك مخاوف حول إمكانية إنجابها ثانية بعدما ماتت طفلتها، ألا يمكن اعتبار المسخ مولودًا بلا أم، في رحم ذكوري هو المعمل، وبعد تجارب استمرت لتسعة أشهر كفترة حمل؟

(جى. كى. رولينج) صاحبة سلسلة (هاري بوتر)، طردها زوجها من البيت وطلقها، وبصعوبة استطاعت ضم حضانة ابنتها، وكانت تقترض لتتمكن من العيش، وحين كتبت (هاري بوتر) عرضتها على اثني عشر دار نشر كلها رفضتها، والدار الثالثة عشر نشرتها على أن تختصر اسمها إلى الحروف الأولى لأنها لا تثق أن القاريء سيقبل على قصة أطفال تكتبها امرأة.. والآن، هي أول سيدة مليارديرة من الكتابة.

إنهم بؤساء، نعم، لكنه ذلك البؤس الذي تتمناه إن ضمنت أن تنتج إبداعهم.

 

 

5. إنهم لا بأس بهم.. لا بأس بهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* روائية مصرية

 

 

خاص الكتابة

مقالات من نفس القسم