كأنك لست من هذي البلاد 

تشكيل
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

فرانسوا باسيلي 

كان الْحُلْمُ يُعِدُّ خُيُولَهُ للريح 

حين تَعَثّرْتُ في شبكات الليل 

فلم ألحق الخيل 

ولم ألحق الحلم 

وقمت من النوم 

أضرب في الكون مستكشفاً

بجناحٍ جريح 

قُلْتُ ضَيَّعْتَنِي يا أيها البحر 

حين أغريتني بالتطوح من بلدٍ لبلد 

لا شيء في اليد 

وفي البلد البعيد لا أحد

لا ممالك لي، لا صروح 

غير وردةٍ علي ضريح  

ما نفع ما انقضي؟ 

أن يغضب الزمان أو يرضي 

لا أنا يوماً فررت

من مجاعة الجسد 

ولا أنا فرحت

في فرح الروح 

 

 

ما نفع أن تجر مثل ظلك 

من مكانٍ لمكان 

مخلفات السنوات الماضية 

ما أفلتت يداك من رمال الوقت 

وصدي الضحكات في البيوت الخاوية 

وكسور حجارة ما بقي من الأوطان

ومزق الثياب البالية 

 

ما حرصك الشديد 

علي جمع رفات مملكةٍ هوت

وهتافات حشودٍ تبددت

في مدخل الميدان

وصدي نشيد 

تحشرجت في صدره الألحان 

وولولات جنازاتٍ 

تنتحي الطريق الخالية 

وتكاد تسمع في البعيد 

تهاليل أفراحٍ تولت، وزغاريد 

 

رحت تجمع من سراديب المدينة

ما ألقت الجموع من فتات خبزٍ

وأكاليل ورود

وترتب الصور السعيدة والحزينة 

في دفتر الوقت المهرول من يديك

يحمل النخيل والزمن الجميل 

فتعيد رجفة القبلات والأحضان   

وما حز في نفسك من طعنة الأجساد  

فتسامح الطاعنين 

وتغفر الأحقاد 

وكأنك لست من هذا الرعيل 

وكأنك لست من هذي البلاد 

 

لا شيء يغري بالبقاء 

لا شيء يغري بالرحيل 

إلا إذا كان الرحيل 

بلا رسائل من حمامٍ يحمل الأنباء 

وأعباء المحبة والهديل 

من مسقط الرأس التي سقطت 

فهل كان السقوط مدوياً؟ 

أم كان مثل جنازةٍ  

تمشي إلي المثوي بغير عويل 

مانفع إن كان الرحيل 

من الأجساد للأجساد 

والروح تبقي لا تروح 

عالقةً علي رأس البيوت 

كما روح القتيل

لا تنصرف  

تبقي لتشهد كيف جف البحر 

فما عاد يغسل الميناء   

ولا يجيش بالأساطير في جوف الصدف 

تبقي لتشهد ما خفي وما انكشف 

من هزائم الملاحم

وملاحم الهزائم 

والرسائل الممهورة بدم السماء للأمم 

كيف انسلخ الحرف عن الحرف 

الألف عن الباء 

والأبناء عن الآباء 

فتفتتت مدنٌ

ومالت ألفٌ علي ياء 

وماتت لغةٌ

في ضريح الفسيفساء 

 

اكتب إذن 

أيها الشاعر الذي هاجر  

لكنه لا راح ولا جاء 

اكتب أن الكلمة في البدء 

قد عمدتها الدماء 

وجففتها الدماء  

 ورفعتها قراصنة البحر والبر 

علي أسنة الحراب 

ففر من فر وكر من كر 

وغاب من غاب خلف السور والأبواب 

لهذا أيها الشاعر المغترب الجواب 

ركبت البحر واليباب 

وتركتنا، لا لوم ولا عتاب 

عليك، لا خيل ولا ليل لك 

ولا بيداء تعرفك 

لا بيت ولا صحاب

لا أنت منا، ولا أنت ضيفٌ

لا لك سيفٌ 

ولا حرفٌ 

ولا كتاب 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم