كأس أخرى.. في مديح الخمر

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد العبادي

هو الفيلم الأوروبي الأبرز في ترشيحات الأوسكار لهذا العام بترشيحه لجائزتين: أحسن فيلم دولي وأحسن إخراج. فمع استمرار شهر العسل المفاجئ بين الأكاديمية وآسيا تقلصت مساحة أوروبا في الترشيح.
لكن بغض النظر عن الأوسكار وحساباتها.. يبقى الفيلم الدنماركي “كأس أخرى” Druk من أهم أفلام العام، يقدم لنا المخرج توماس فينتربرج فيلم جريء ذو رؤية مختلفة.. ليذكرنا بفيلمه الأشهر “الصيد”. 2012 الذي حصل على تقدير دولي كبير.
“كأس أخرى” – كما يبدو من اسمه – هو فيلم عن الكحول.. يعرض الفيلم لتجربة مجموعة من الأصدقاء لاختبار صحة مقولة للعالم النرويجي “فين سكارديود” الذي زعم أن الإنسان يولد بنسبة بسيطة من الكحول في دمه، وأن الحفاظ على هذه النسبة من الكحول في دم الإنسان تحسن من طبيعته الشخصية وقدرته على التعامل مع الآخرين.
لم يتعامل الفيلم مع الخمر بالنموذج الأخلاقي المعتاد باعتبارها أصل كل الشرور، بل العكس. عرض الفيلم نتائج إيجابية أولية للتجربة.. فمدرس التاريخ “مارتن” مادس مايكلسن يتحول من مدرس ممل وأب وزوج فاقد للحافز في الحياة.. يتحول إلى مدرس مبتكر ذي شعبية وأب وزوج محب.. كذلك مع كل زملائه المشاركين في التجربة.. يتغير تعاملهم مع محيطهم بشكل إيجابي، ومع الوقت تتغير نظرتهم للحياة.

 

يمكننا أن نقول إن شخوص الفيلم حين شربوا لم يسكروا.. بل أفاقوا.. رغم التغيرات الدرامية التي حدثت في حيواتهم بسبب التجربة إلا أن الثابت أن نظرتهم لحياتهم اختلفت، وكأن نظرتهم ازدادت حدة فرأوا تفاصيل غابت عن رؤيتهم على مدى سنوات.
ورغم غرابة الفكرة إلا أنها قد تبدو لائقة على طبيعة المجتمع الدنماركي، حيث نجد معدل استهلاك الخمور عند الشباب من أعلى المعدلات في العالم.
أداء مميز من طاقم تمثيل الفيلم وخصوصا بطله “مادس مايكلسن” الذي قام بالعديد من الأدوار في هوليود.. لكن أداءه في أفلام وطنه يكون أكثر قوة وفنية وأقل تكلفا، خصوصا في أفلام فينتربرج.
وفي هذا الفيلم فاجأ مادس جمهوره بمشهد راقص في ختام الفيلم.. نفذه بلياقة حركية يحسد عليها، خصوصا حين نعرف أن المشهد استغرق عدة أيام لتصويره، وقام “مايكلسن” بالأداء الراقص لعدة ساعات في كل يوم تصوير.
لم يقتصر الأداء التمثيلي الواعي بتفاصيل الشخصية على “مايكلسن”، بل شمل مجموعة الأصدقاء كلها: لارس رانث، ماجنوس ميلانج، وبالطبع المخضرم “توماس بو لارسن” في دور تومي.. مدرس التربية الرياضية الذي يعيش وحيدا.
ترشيح الفيلم لجائزة الإخراج جاء مستحقا، فبدت سيطرة “فينتربرج” على كل أجزاء فيلم، ليحافظ دوماً على حيوية الصورة وجودة الإيقاع وتغيره طبعا لطبيعة الحدث، وبالطبع نجح في التحكم في أداء الممثلين والمجموعات خصوصا في مشاهد الرقص والسكر، بالإضافة لتقديمه العديد من الكادرات الثرية والمبتكرة.
قدم لنا “توماس فينتربرج” فيلماً إنسانياً يعرض لتفاصيل الحياة والمجتمع، رغم أنه – ياللعجب – فيلم عن الخمر والسكر.

مقالات من نفس القسم