قصص قصيرة  جدا

عبد الله حبيب
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبدالله حبيب

ليمون

أخرج الوجبة من الثلاجة، ووضعها في “المايكرويف”.

فكَّر:  أريد ليمونة لأعصرها على العشاء الساخن.

فتح الثلاجة وأخرج كل أشجار الليمون التي كان يسقيها في صباه في مزرعة والده في القرية.

فكَّر:  أريد سكِّينة صغيرة كي أقطع بها الليمونة إلى نصفين.

لكنه لم يعثر في المطبخ على سكين صغيرة، بل إن كل ما وجده هو سكين كبيرة أشبه ما تكون بساطور الجزَّار.

ثم انفلقت الأرض إلى نصفين.

*

ليس كما يفعل الناس

(1)

عند تناول الغداء كان الرز الأبيض المخلوط بالمرق يتسلل من بين أصابعه، وكان الأب ينهره: “أنت لا تعرف أن تأكل كما يفعل الناس”، فكان ينسحب من الوجبة.  وحين تنفجر دعابة غير مقصودة في السهرة العائلية كان يضحك، فكان الأب ينهره: “أنت لا تعرف أن تضحك كما يفعل الناس” فتوقف عن الضحك. لكنه كان يمشي برفقته فنَهَرَهُ: “أنت لا تعرف أن تمشي كما يفعل الناس”.  ولأنه لا يعرف أن يفعل أي شيء كما يفعل الناس فقد ابتدأ منذ اليوم التالي في اقتفاء آثار خطوات كبار السن في القرية، فيقلدهم وهو يمشي وراءهم من دون أن ينتبهوا لذلك، وكان يضع قدميه الصغيرتين في الحفر الضئيلة التي تركتها أقدامهم:  هُب، هُب، هُب، 1، 2، 3.

(2)

صار الآن يمشي، ويركض، لكن ليس كما يفعل الناس.

*

المطار الجديد

في هذه المرة لم أتمكن من الحصول على مقعد قرب النافذة، وكان نصيبي واحد من المقاعد في منتصف الطائرة، فضاعت عليَّ فرصة مشاهدة الأرض وهي تبتعد عند الإقلاع وتقترب عند الهبوط.

أعلن الطيَّار أننا بدأنا الهبوط التدريجي نحو المطار، وأمرنا بالبقاء في مقاعدنا وربط الأحزمة، وكنت أشعر بالطائرة وهي تهبط بالتدرج.  لكنها ارتفعت فجأة بسرعة وبدا لي أنها تطير بحركة دائرية ضيقة. بدأ الركاب ينظرون إلى بعضهم البعض متسائلين، ثم جاء الصوت: “سيداتي وسادتي معكم القبطان عبدالله بن حبيب المعيني قائد الطائرة. إننا نتعرض لمشكلة ميكانيكية بسيطة سيتم التغلب عليها خلال وقت قصير ثم سنهبط بأمان.  أرجو البقاء في مقاعدكم بأحزمة مربوطة”.

ساد الهرج والمرج بين الركاب، وتحولت نظرات التساؤل إلى نظرات خوف وقلق، بينما استمرت الطائرة في طيرانها الدائري، ثم جاء الصوت:  “سيداتي وسادتي معكم القبطان مرة أخرى.  يؤسفني للغاية إبلاغكم أننا لن نتمكن من الهبوط فقد سرقوا مدرجات المطار الجديد”.

*

ابن الوالي

(1)

لم أكنّ لابن الوالي ضغينة، سوى أني كنت أتندر أحياناً مثل غيري في المدرسة على لكنته الغريبة فقد جاء من منطقة أخرى في البلاد حين عُين والده والياً لدينا. أما كتلتي الصمغ المتدليتين من أذنيه فقد رجّحت أنهما سبب عدم قدرته على سماع وشوشاتي وأنا أُغشّشه في الامتحانات، إذ كان يجلس بقربي على المقعد المستطيل الثلاثي، ولم أشارك الآخرين في الضحك عليهما. لكني أعترف أني كنت أغار من دشاديشه البيضاء النظيفة في كل يوم دراسي، كما كنت أحسده بسبب دراجته الهوائية الخضراء الجديدة على الرغم من أنه سمح لي بقيادتها مرتين، ومن دون تقاضي أجرة الخمس وعشرين بيسة التي كان يأخذها ممن يسمح له بقيادتها لمسافة قصيرة في مرمى عينيه. عدا ذلك لم يكن بيني وبين ابن الوالي أي شيء.

(2)

اتصلوا بي قبل قليل وقالوا إن عليّ الحضور غداً في العاشرة صباحاً لحضور الجلسة الجديدة من التحقيق.  قلت لهم:  لكن غداً يوم عطلة.  قالوا لي إن ابن الوالي يمارس مهامه حتى في العطلات.   

*

حريق

اندلع حريق هائل في القمر، فأرسلوا سيارات المطافئ.

…………………………….

[1]أديب وسينمائي عُماني

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم