قصتان

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 59
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد العزيز دياب

سيولة بشرية

   فكرت كثيرًا في إخضاع البشر- وليكن أهل شارعي- المشايخ أصحاب العمائم والجلاليب الفضفاضة، كذلك الأفندية منهم الذين تبوأوا المناصب والسلطان والمال- لتجربة الأواني المستطرقة، بهدف إذابة الطبقية بين الصفوة منهم وما هم دون ذلك، أو دون دون ذلك من الطبقات الدنيا من رجالاتهم.

   كانت التجربة عصية لأن الأواني المستطرقة كجهاز يتعامل مع السوائل، ليتساوى السطح في كافة الأواني بالجهاز: المنبعجة. المفلطحة. اللولبية. المستديرة. الإسطوانية…

   لذلك كنت بصدد تحويل هؤلاء البشر- جيراني وأهل شارعي- بكل صلفهم وكبريائهم وتطاولهم إلى سوائل بوضعهم فوق نار هادئة، أو غير هادئة ليتحول كل صاحب عمامة منهم، أو بدلة فاخرة، أو هدوم بالية إلى سائل.

   من الناحية العملية وجدت أن ذلك يعرضني للمساءلة القانونية بتهمة تسخين بشر وتحويلهم على سوائل، وتتم محاكمتي، ويطلب وكيل النائب العام توقيع أشد العقوبة على هذا المجرم الماثل أمامكم، ويشير بإصبعه الغليظ ناحيتي أنا الواقف داخل القفص الحديد.

   اهتديت إلى وسيلة أخرى بمقتضاها يتم الإجابة على السؤال: هل يمكن إخضاع البشر للتجربة المعملية البحتة، الأواني المستطرقة مثالا، ورجالات شارعي العظماء منهم والبسطاء نموذجًا؟

   أخذت خمسة أشخاص يمثلون شرائح مختلفة منهم، طبقات تراصت بعضها فوق بعض، رسمت كل واحد منهم على ورقة رسمًا كاريكاتوريًا يمثل شخصيته، قمت بقص رسمته ليكون في كفى على هيئة رجل، رجل ورقى، حشرت كل واحد منهم في أنية من الأواني المستطرقة، لم يحدث شيء وهذا ما كنت أتوقعه لأن المادة التي أتعامل معها- الصور الورقية لرجالات الشارع- ليست مادة سائلة، جلست أقهقه أمام تفكيري العبيط.

   ما كان بنبغي أن أجهد نفسى في كل ذلك، كان أفْيَدْ لي أن اقرأ كتابًا، أو أكتب قصة قصيرة يرفض موقع الكتابة الاكتروني نشرها بسبب ما يكتنفها من خلل فنى جسيم، لكنني وأنا في هذه الحالة من تأنيب النفس سمعت صوتًا غريبًا، خرفشة سمعتها في البداية، ثم طقطقة، تلفت حولي، وجدت حركة غريبة تحدث في جهاز الأواني المستطرقة الذى أهملته جانيًا، البشر الورقيون داخل أواني الجهاز بأشكالها المختلفة يتحركون، كانت حركتهم تزداد سرعة كأنهم يُضْرَبون في خلاط، تزاد السرعة، تصل أقصاها، دخان أبيض تصاعد كثيفًا، صوت صفير تحذيري، وانفجر الجهاز.

****

تصافح الأكف

   قطعت الكفين المتصافحين….

   “لا تنزعجوا سينبت غيرهما”، قلت للحضور.

   بالفعل نبت في لحظتها كف في كل ساعد، الساطور كان معي حاميًا، وثقيلا، ومسنونًا، وحكيمًا، كان القطع من منتصف الساعد، كان ذلك مناسبًا في حضرة الفريقين، والجنود، وفرقة الموسيقى التي لم تكف عن عزفها.

   قلت ستضمهما فاترينة في متحف باسم “متحف الأحياء البشرية”، تيمنا بمتحف الأحياء المائية، فالبشر ليسوا أقل من السمك، وتُكْتَبْ لوحة إرشادية صغيرة أسفل الفاترينة “كفان متصافحان، شهدا معاهدات كثيرة”

   فريق واحد هو الذي شيعني بالتصفيق وأنا أضمهما إلى صدري مغادرًا المكان. 

 

مقالات من نفس القسم