قصة سينمائية

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

زكريا عبد الحميد

- هناك أكثر من طريقة لإنجاز قصة , فوفقاً للقاعدة الدرامية المختبرة يلزم قبل الشروع في كتابتها تحديد أربع : البداية , ووجهة الحبكة و ..

ولم تسعفه الذاكرة بالبقية على ما يبدو الكهل "العائش في سيناريوهات" وهذا اسمه المأخوذ من دأبه.

           لا عليك , هناك أبعاد ثلاث : ذاتية ومهنية وخاصة , يمكنك البدء منها لترسيم الشخصيات وجعلها شخوص حقيقية تليق بقصة إنسانية.

ولم تسعفه الذاكرة كذلك سوى بالبعد الأخير والخاص بولع (ع.ش) بالموسيقى الكلاسيكية العالمية لحد الحساسية المرضية من كل ما هو نشاز من أصوات وبالتبعية مرئيات , أو "بشعات" حسبما اللازمة اللاصقة بلسانه هذه الأيام.

من هو (ع.ش) ؟ ,

هو الشخصية الأولى في القصة التي أدعو الكهل إلى كتابتها , عفواً أقصد روايتها.

لا , أنا الراوي ولن يغير في الأمر شيئاً أن أكون محاوراً كما سترون.

           قلت في المقابل هناك خصيصة لا تتوافر إلا لقلة من المصريين , كما هو الحال مع (ع.أ) .

هو الشخصية الأخرى في القصة لا تنسوا من فضلكم .

– نعم , هي قدرته الفذة على الاحتفاظ بأسراره حتى يتعذر على السلطات الحكومية ذاتها الإحاطة بمكامن ثرواته وكيفية توزعها باستثناء الشطر العقاري منها.

           هو على ما يبدو حريص على تملك وشراء الشقق والعمارات.

– ذلكم بعد عودته من سنوات التغرب خارج البلاد التي سبقتها هجرته لوظيفته بالتقاعد المبكر.

           لكن أين كانت ؟ .

-لنقل في هيئة ثقافية عامة , وشيئاً فشيئاً تحول هذا الحرص على تملك العقارات إلى ولع خاص ثم مهنة , وهو يعني دمج كل من البعدين الخاص والمهني في بعد واحد بالنسبة لـ (ع.أ) على صعيد الأبعاد الثلاثة المقترحة لترسيم شخوص قصتنا وإكسابها أبعاد انسانية حقيقية.

           لكن تحوله من ناقد وناشط سينمائي قبل تغربه في الخارج إلى ناشط ثقافي إسلامي بعد عودته للبلاد غير منطقي درامياً!

– لكن واقعياً هو ما حدث بالضبط من سنوات لزميل لنا على صعيد مشوارنا الثقافي قبل انسحابنا من الساحة السينمائية من خمسة أعوام تقريباً.

وها هما (ع.أ) و (ع.ش) على وشك الاصطدام الآن , مما يعني أن قصتنا تسير على ما يرام.

           إنطلاقاً من قاعدة على الشخصية أن تتفاعل مع شخصية أخرى بطريقة عدائية أو ودية.

– تمام , فهما شخصان جمعتهما الزمالة في حقبة الشباب وفرق بينهما كر السنوات ومشابهة الآباء , فالأول بات مسلماً …

           انتظر , جمعتهما الزمالة أين ؟.

– في عضوية النادي الثقافي السينمائي القاهري , المتفرد في عرضه حينذاك , أي قبل زمن الفضائيات التلفازية وشبكة الإنترنت العالمية , للأفلام الأوربية والأمريكية دونما تدخل من مقص الرقابة على المصنفات العامة .

فـ (ع.أ) بات مسلماً بأن (الوطنية والحضارة الأوربية خبائث علينا أن نجتثها من نفوسنا)* , كخاله تماماً .

           مهلاً , لكنك تقول أن ما فرق بين (ع,أ) و (ع,ش) مشابهة الآباء! .

– أليس الخال في مقام الوالد كما يقولون ؟ .

           ليكن .

– أما (ع.ش) فهو كوالده المفتون بالغرب والذي سلم حتى مماته بأن (الاستعمار الأوربي من النعم الكبرى التي حظينا بها , وبأن أوروبا روح الدنيا وأهلها ملائكة الخلق أما من عداهم فهم حيوانات أو حشرات …).

           لكن القصة لم تخبرنا متى توفى والد (ع.ش) وكذلك خال (ع.أ) هل ما يزال حياً للآن ؟ .

– لا , كلاهما توفيا في خمسينات القرن العشرين , مع فارق أن أولهما توفى في مطالعها مع بزوغ شمس يوليو 52 حيث كان ولده (ع.ش) قارب عمره العامان وقت ذاك , أما الآخر فلقى حتفه قرب نهايات الخمسينات إثر مشاركته في مؤامرة لما سمى حينها والآن بالإخوان , حسبما أفادت صحف ذلك الزمان.

           ما أبعد المسافة بين الخمسينات والآن , زائد قصتك ينقصها التشويق للآن.

– صبراً , فلم نفرغ بعد من رسم الشخصيات علاوة على تحديد هدفها أو حاجتها التي ستعترضها العقبات التي بدورها تستوقد الصراع الدرامي وصولاً إلى تأجج الأحداث بالاشتباك الدموي مع ذروة قصتنا.

           أنت معني بالقواعد والتنظير والقارئ لا يهمه سوى الأحداث , إذا جاز لي هنا كراو التحدث بلسانه.

– لنشركه معنا في شخصك كما المسماة بـ “التفاعلية” ما دمت تتحدث بلسانه.

ما قولك هل تجري الأحداث بناحية من نواح ضاحية مصر الجديدة , حيث لم يتم التوكد للآن من أن مالك برج “الصلاح” السكني الكائن أسفله الجامع ذي الأربع ميكروفونات هو بعينه (ع.أ) أم مجرد تشابه أسماء؟.

           قلت أنه رجل أعمال مولع بتملك الشقق والعمارات.

– نعم , أم تكون الأحداث بناحية شعبية محسوبة على ما يسمى بحدائق حلوان؟.

           حيث تسكن أنت الآن ؟

– ولو أنها لم تعد كذلك بعد أن تحولت من عقود بساتينها العامرة بعشرات المئات من أشجار الجوافة إلى “بشاعات” اسمنتية.

           تعني عمارات سكنية

– وشوارع جرداء اسفلتيه .

           إذن سيكون النص مستلهم من مسيرتك الحياتية , بينما المفروض أنه مستلهم من شخصيات أدبية كما فهمت.

– ليكن مستلهما من الاثنين معاً ما رأيك؟ . فمسجد “الشهيد” المشهرة ميكروفوناته الأربعة يسار البناية التي اسكن الشقة الكائنة بسطحها , هو بعينه النظير للجامع المذكور ببرج “الصلاح” , بمبالغات ارتفاع أصوات ميكروفوناته المتعددة مع نشازات من يرفع الآذان خلالها بصوته غير المؤهل لذلك , خاصة مع قفلة ختام الآذان المضاهية لجلمود صخر حطه الميكروفون من عل.

           أما الميكروفون المثبت أعلى سطح البيت المجاور لك من الجهة اليمنى في مواجهة شقتك مباشرة , كما شكوت لي , هو النظير لذينك المواجه لشقة (ع.ش).

– والذي من الاستحالة خلوده إلى النوم وسماعات “الو كمان” بجرعات موسيقاها الكلاسيكية المسكنة لصداع أيامه مثبتة على أذنيه طيلة الليل , والنتيجة هبوبه مذعوراً كل فجر على الصوت المدو لذلك الميكروفون المسلط قبالته , زائد “بشاعة” قبح صوت الشخص الذي يرفع الآذان بدرجة يصعب وصفها.

           عند نشر هذه السطور الكترونياً سيصبح بالإمكان معاينة ذلك سمعياً , أكمل.

– لكن لابد من القول أن مكمن “البشاعة” في صوت هذا الشخص , ولا أقول المؤذن لأنه غير جدير بحمل هذا الشرف كمئات الآلاف غيره ممن يرتكبون هذا الاثم العلني في حق العقل والدين خمس مرات يوميا في كافة الأنحاء القاهرية.

           هون عليك وزير الأوقاف أعلن من زمن في التليفزيون أنه بصدد توحيد الآذان عبر الإذاعة في الـ 7500 مسجد التابعة لوزارته .

– وماذا عن الـ 35 ألفاً الأخرى الخاصة بالأهالي.

           كيف أحصيتهم ؟ .

– هذا رقم تقريبي قياساً على مشاهداتي الميدانية في منطقتي السكنية , حيث يتواجد مسجد وحيد يتبع الأوقاف في مقابل أكثر من 20 ميكروفوناً تتبع الأهالي.

ولنقل الآن أنه تم التوكد من أن (ع.أ) هو مالك برج “الصلاح” , وها هو بعدما وقر في نفسه مع سبق الوعي والتفكر (أن لا رسالة علمية لنا نقدمها للعالم , نحن مسبوقون في العلم , وسنظل مسبوقين مهما بذلنا , ولكن لدينا رسالة الإسلام).

           ومن هنا كان شرائه للبناية الملاصقة لشقتك , أعنى عمارة (ع.ش) وتحويل شقتها بالدور الأرضي إلى مسجد.

– بل الأدق زاوية , كمجمل         الـ 35 ألف المشار إليها في الأنحاء القاهرية مع ملاحظة أنه ليس بالضرورة امتلاك غالبية أصحابها الرأي المثير للجدل المسلوف لـ (ع.أ).

           مفهوم فتوكيدا ليسوا كلهم ضمن التيار المعروف.

– برغم دأب الكثرة منهم على إقامة الصلوات عبر الميكروفون المفتوح وهذه بدعة أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.

           لكنك لم تفصل وجه “البشاعة” في صوت المؤذن الأخير.

– أجل ذلكم الذي يهب (ع.ش) مذعوراً من نومه على دوي ميكروفونه , خذ عندك أولاً هو يأكل حروف الكلمات , ثانياً يلثغ في بعضها الآخر , أما ثالث “البشاعات” فهي خلال محاولاته الفاشلة لإكساب صوته وتيرة الآذان يمعن في ترجيفه وذبذبته فتكون النتيجة أشبه بصوت ما…

           ماعز يرفع الآذان !.

– أي والله تصور , والأدهى أن الناس في الجوار “متعايشين” مع هذا العوار , فالبقال المجاور يلتمس له الأعذار بفهم معاكس للحديث النبوي “جملوا أصواتكم بالآذان” , والحداد بالدكان المقابل يثني على مواظبة تطوعه لرفع الآذان , والشاب صاحب محل “السنترال” أطاح بالبقية الباقية من هدوئي بمقولته “عادي” حيث لم يرى أي “بشاعة” في ذلكم العوار.

           ومن ثم تفجرت العركة بينك وبين (ع.أ) , أقصد بين (ع.ش) و (ع.أ).

– زائد المؤذن المذكور , ففي البداية تحدث (ع.ش) مع (ع.أ) ضاغطاً على انفعالاته مراعاة لذكرى الزمالة القديمة.

          

– في النادي السينمائي هل نسيت ؟

لكن المدهش أن (ع.أ) لا تفارقه أبداً (رزانته المعهودة وبرودة أعصابه الفذة) بينما (ع.ش) على العكس (ما أسهل أن يثور غضبه لشيء ولغير شيء ينفجر غضبه – زائد – أنه يحب الكلام لحد العبادة).

           فحدث ما لم يحمد عقباه ..

– تزلزلت الزلازل وأنطلقت الأعاصير في اشتباك رهيب , ونزولاً على “التفاعلية” سأترك لك أنت والقراء تصور نهاية القصة , استرشاداً بالطبع “بمانشيتات” الحوادث الجارية من عينة : مصرع وإصابة 3 في مشاجرة بالأسلحة النارية والبيضاء, إصابة 4 ومقتل مواطن في مشاجرة , طفل طعن آخر في الشرابية بسبب مشادة بينهما , مقتل 3 أشخاص في ميدان الشجرة بإمبابة … الـخ ما تطالعنا به عناوين صفحات الحوادث في زمننا.

           إنها دراما شخصيات وليست قصة أحداث هذه ؟ .

– أجل , وفقاً للتصنيفات الدرامية الشائعة لقصص الأفلام السينمائية.

           إذن يلزم البدء مجدداً من الصياغة الدرامية التالية : ماذا يحدث لو أن كل من عبد الرحمن شعبان (من الشخصيات التي لا تنسى) , وعبد الوهاب إسماعيل (أسطورة , وكالأسطورة تختلف فيه التفاسير) من شخوص رواية “المرايا” , قدر أن يكون لهما امتداداً في حقبتنا الراهنة , في شخص كل من (ع.ش) الذي هو نجل الأول – عوضاً عن ابنته في الرواية – , و (ع.أ) الذي هو ابن أخت الثاني , لأنه لم يتزوج حسبما الرواية كذلك إلى أن أصيب بطلقة قاتلة سقط على إثرها جثة هامدة خلال مقاومته لقوة الشرطة التي ذهبت للقبض عليه في العام السابع أو الثامن من العقد الخمسيني الفائت , على حد ما جاء بسطور “المرايا” لعميد الرواية نجيب محفوظ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كل السطور بين الأقواس الكبيرة مأخوذة من “المرايا” , طبعة مكتبة مصر , سعيد جودة السحار وشركاه .

مقالات من نفس القسم