قصائد

قصائد
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد إبراهيم قنديل

(1)

أقصرُ مسافةٍ بين نقطتين ليست دائماً خطاً مستقيما ...

أحياناً تكونُ أقصرُ مسافةٍ بين نقطتين

أنْ تُمْحَى إحداهما تماماً - وهذا بالمناسبة يحدث باسم بالحب -

أمَّا أطوَلُ مسافةٍ بين نقطتين

فهي المسافةُ بين السؤالِ وإجابتِه !

الأسئلةُ مفعمةٌ بالحياة

تتحركُ بسرعةٍ خرافية

أمَّا الإجاباتُ فتعطي لنفسِها خيالاً سلحفائياً

وفي النهايةِ لا يلتقيان أبداً في نفسِ المجالِ الإنسانيّ

أسئلةٌ بسيطةٌ كأسبابِ الفشلِ العاطفيّ

تتشابهُ مع أسئلةٍ ضخمة كماهيةِ الحياةِ والرب

الإجاباتُ دائماً نسبية

أبي حين سألتُهُ ذاتَ مرةٍ عن “ربنا” الذي يأتي في خُطَبِ الجمعة

قال لي إنهُ في السماءِ

وحين امتلأتُ بحبهِ تماماً

ألححْتُ في السؤالِ عن كيفيةِ الوصولِ إلى السماء

فكانت الإجابةُ أنَّ المسافةَ بيننا وبينها بعيدةٌ جداً

مع أنَّ اللهَ قريبٌ جداً … وسادَ الصمت !

تخيلوا طفلاً يُتْرَكُ بهذه الإشكاليةِ الفلسفية ليحُلَّها مع خيالِهِ

كيف يكونُ واقعياً ؟

وكيفَ تريدون منهُ أجوبةً غيرَ نسبية ؟!

 (2)

اقتبَسْتُ كلَّ الأشياءِ التي تُمَثِّلُني تقريباً

علَى الرغمِ مِن إيماني الحنبليِّ أنَّ الاقتباسَ خيانة

إلَّا أنني لم أُعْطَ خَياراً في تلك الخياناتِ الكبرى !

……

اقتبَسْتُ حياتي بالطبعِ مِن أبي و أمي معاً

وملامحي مِنْ أبي وحدَه

وحُبَّ المَطَر مِنْ أُمِّي وحدَها

الدينُ كان الاقتباسَ/ الخيانةَ الأسهلَ

انتقلَ إليَّ بأبسطِ طريقةٍ للانتشارِ :

مِن جدتي التي كانت السجادةُ مضيَفَتَها

والتي حتَّمَتْ علَى أبي كلَّ عيدِ أضحَى

أنْ يُصلحَ التلفازَ ـ الذي كثيراً ما يعطب ـ لتشاهدَ وقفةَ عرفة

وتبكي اشتياقاً للحبيب البعيد

ثم لا يعنيها شيءٌ في التلفاز بعد هذا اليوم ،،،،

ومِن مجتمعٍ كانت المدرسةُ تُبْنَى فيه لأولِ مرةٍ في أوائل التسعينات

وكان المسجدُ هو الكيانُ الثقافيُّ والإعلاميُّ فيه بلا منازع

والكُتَّابُ هو المكانُ الوحيدُ الذي ينقذُ مثلي مِن الشارع

وأخيراً اقتبَسْتُ الحُزْنَ مِن عيونِ الجميعِ

يومَ وفاةِ جَدِّي الذي كان الحزنُ علَيْهِ قشرةً رقيقةً على الوجوه

لم تصمدْ ليلةً واحدة

مِن يَومِها والحُزْنُ عندي وقتيٌّ يتطايرُ كالكحول

لكنْ للأمانةِ لا أزعمُ اقتباسَ الفرَحِ مِن أحد

قالها لي مسافرٌ ذاتَ مرة :

نحنُ نولَدُ بطريقتِنا الفريدةِ في الفرَح

لكنَّ أحداً ما يُفلِحُ في إدخالِ طريقتِهِ في الحزنِ

إلى أرواحِنا المثقوبة ! “

 (3)

ما زلتُ أفتشُ عن ربعِ جنيهٍ مثقوبٍ

أكلَتْهُ الأرضُ وتركَتْ ثقباً أكبرَ في القلب

ما زلتُ أوَدِّعُ واسعةَ العينين انتقلَتْ للمُدُنِ الواسعةِ

و ترَكَتْني بين الأشجارِ ألملمُ نفسي

أبناء الريف يلوكون الأحداثَ بصبرِ مواشيهم

قد يأتي حزن يفترش البيتَ لأعوامٍ

لا يترك أحزاناً أخرى تجتازُ الباب

وأنا كبقية أهلي

حزني – في ربع جنيهٍ مثقوبٍ ضاع

لم يذبل بعد .

(4)

كأنَّ ذلك البدروم الذي نختاره في أرواحنا لكراكيبِ الأمس

هو الوحيد الذي يملكُ أنْ يعطي للزمن رائحة ،

كأنَّ الحنينَ هو الحالة الوحيدة التي تكتمل فيها أرواحُنا وتتشكلُ فنلمسها بأطراف الأصابع

شيءٌ واحدٌ يقتلُكِ أيتها اللذةُ السماويةُـ كما يقتلُ كُلَّ لذةٍ أخرى ـ

أنكِ تنتهين،

وأنَّ الحنينَ مجردُ انحرافٍ مؤقتٍ عن المسيرةِ القدَريةِ لأعمارِنا المبتورة والأسيرة خلف قضبان الحاضر .

……………

يا اللهُ … امتلكتَنا وقدرتَ علينا … فلماذا لم تخلع عنا عباءةَ الزمن ؟!!!

ـــــــــــــــــــــــــــــ

*شاعر وقاص مصري

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم