نمر سعدي
نوستالجيا
تُداهمني غيمةٌ أُرجوانيَّةٌ
وأصابعُ من فضَّةٍ
وعصافيرُ من ذهَبٍ أبيضَ الضوءِ
بستانُ ضحكٍ على كوكبٍ سابحٍ في دمي
وفتاةٌ على زورقِ الإشتهاءاتِ
تنحلُّ فتنتُها في الهواءِ المُعذَّبِ
ذاكَ الهواءِ الذي كانَ يجثو على بابها
مثلَ عبدٍ ذليلٍ
وماءَ أُنوثتها يحرُسُ
مرَّةً في الضُحى الكرمليِّ
المُعدِّ على طبقٍ من نداءِ الفراديسِ
مرَّتْ فلَمْ أتمالكَ شبهَ حشاشةِ نارٍ حريريَّةٍ
تسكبُ الروحَ مثلَ الحليبِ الوديعِ
على ساحلَيْ جسدينِ ولا تنبسُ
مرَّةً… يملأُ القلبَ أمطارَ نوستالجيا
وجههُا المُشمسُ.
*******
لغةُ الصفيحِ والنرجسْ
لغةٌ من صفيحٍ ومن نرجسٍ
تتطايرُ ما بينَنا
من فمي من وصايا شفاهكِ
منقوعةٌ في دمي
في خلايايَ تنبتُ
تستوقفُ العابرينَ إلى ما وراءَ ظلالِ المكانِ
أُبعثرُها في الشتاءِ القديمِ
وأنثرُها للعصافيرِ قمحاً على سطحِ هذا الزمانْ
قمَرٌ يابسٌ كانَ يرقُبنا من عَلٍ
وشذىً ناعسٌ كانَ ينبضُ ما بينَنا كالفراشاتِ..
أنتِ سديميَّةٌ النظراتِ
ومشدودةٌ نحوَ صدري الذي مزَّقتهُ سياطُ الحياةِ
بألفِ حصانْ
لغةٌ من صفيحٍ ومن نرجسٍ
تتطايرُ ما بينَنا ها هنا الآن.
*****
وردةُ الطينْ
تتنهَّدُ عاصفتانِ على مُرتقى كاحليكِ
على مُرتقايَ أنا…
بينَما خارجَ الوقتِ رُحتُ أُجرجرُ
أذيالَ ماءٍ حزينٍ
وملحٍ سخيٍّ
وأخرجُ من جسمِ أندلُسي
مثلَ شهقةِ رمحٍ
أُكوِّرُ صحوَ يديكِ على هيئةِ القلبِ
أو وردةِ الطينِ
أصرخُ مثلَ السكارى المجانينِ
في قبوِ ليلِ الذئابْ
وأستلُّ من صخرةٍ مجدَ سيزيفَ كالأقحوانةِ…
أُقعي على طلَلٍ لا يُرى
وأبوسُ الثرى
صاعداً نحوَ هاويةِ الشعراءْ.
***
حطَّ الملاكُ
حطَّ الملاكُ على عينيكِ مُختلجاً
بلمسةِ الشِعرِ والأعشابِ والنارِ
وكنتُ بالروحِ منفيَّاً… تُلملمني
ريحُ البحارِ وتكسو حزنيَ العاري
وكانتِ الأرضُ تحثو في الشتاءِ دمي
وتبعثُ الخصبَ من أعماقِ أنهاري
وجهي سيخفقُ في كفَّيكِ بيرقُهُ
وينتشي برذاذٍ طيرُهُ الواري
وجهي ستحملهُ أيدي الجنودِ إلى
جنونِ قيصرَ محفوفاً بنوَّارِ
وكُلُّ ما في نساءِ القصرِ من شبَقٍ
وفضَّةٍ سوفَ يفريني بأظفارِ
ستُنشبينَ حريرَ الغدرِ في عُنُقي
ونابُكِ الرخوُ مغروسٌ بأزهاري.
****
بيدينِ من شفقٍ
بكِ.. بالسماءِ.. بما تبَّقى فيكِ من زهوٍ وفيَّ من القُوى
بخطى الحيارى الخائفينَ الجائعينَ
إلى أمانِ نفوسهمْ
برؤى القلوبِ.. بشمعها المسكوبِ فوقَ النارِ
بالآمالِ وهيَ تُضيءُ حبرَ الليلِ في وجعِ الرسائلِ
بانتباهِ الشاعرِ المقتولِ في أرضِ القصيدةِ
بالوجوهِ تهيمُ في بحرٍ من اللاشيءِ في لغةٍ بعيدةْ
بيدينِ من شفقٍ
بهاويتينِ في أعلى رثائي للزمانِ
بضحكةِ الروحِ الوحيدةْ
سأُحوِّلُ الأفعى التي نهشَتْ جماليَّاتِ أحلامي
إلى حطَبٍ لنيرانِ الأساطيرِ الجديدةْ.
****
حُلمْ
كانَ شايلوكَ يقطعُ من لحمِ صدري
بسكِّينهِ مثلَ نَسرٍ بليدْ
نورسانِ صغيرانِ عينايَ إذْ تصرخانِ
وإذْ تهبطانِ إلى لُجَّةٍ من بياضِ المسافاتِ…
كفَّايَ تنتزعانِ النثارَ الجليديَّ
ملءَ حدائقِ أرضِ السماءِ
وملءَ ورودِ الرؤى ملءَ ماءِ الحديدْ
كانَ شايلوكَ يخرجُ من صوتِ حُلمي
ومن يقظتي أحمرَ الصمتِ مثلَ يهوذا جديدْ
عندما انتبهَ القلبُ من نومهِ
طارَ حقلُ عصافيرَ عبرَ الوريدْ.
*****
عُنُقٌ واثقٌ باستدارتهِ
عُنُقٌ ليِّنٌ.. مُخمليُّ التفاصيلِ
لا ينحني تحتَ سطوةِ لثمِ العيونِ لهُ…
عُنُقٌ واثقٌ باستدارتهِ
شاهقُ الأرجوانِ
بكَتْ نظراتي عليهِ
فما ابتلَّ بالملحِ والبرقِ بل بدمي
وبزهوِ الفرَسْ
كنتُ ألمسهُ في سمائي الخفيضةِ حينَ أنامُ
وفي قاعِ سجني الذي شاخَ…
أمسحُ عطرَ الندى عن حدائقهِ
من وراءِ الحرَسْ.
****
البحثُ عن أمَلْ
كلُّ أعدائكَ الطيِّبينْ
في الحقيقةِ مُنشغِلونَ
بحشوِ خزائنهمْ عنكَ أو بمتاعِ الأسرَّةِ
هذا الجهادِ الكبيرِ الكبيرِ…
وأنتَ تُحلِّلُ معنى انهزامِ المبادئِ
في برجكَ المُتصَّدعِ
معنى انتصارِ الفشَلْ
تمزَّقَ في المُدنِ الحجريَّةِ قلبُكَ مثلَ حذائكَ
فوقَ الطريقِ المؤدِّي إلى البحثِ
عن أمَلٍ أو عمَلْ.
*****
شريطُ الصُوَرْ
كنتُ في الأمسِ أقرأُ أحوالَ هذا الزمانْ
في الجريدةِ…
حتى انتصافِ الظلامْ
فيحتشدُ الدمعُ في جسَدي بالبراكينِ
أو برفيفِ الحمامْ
عجبَاً كيفَ أنَّ المصائبَ
رغمَ اختلافِ الحياةِ ورغمَ اختلافِ البشَرْ
تتشابهُ منذُ ابتداءِ الخليقةِ…
لا شيءَ يُثبتُ غيرَ شريطِ الصُوَرْ.
****
لؤلؤتانِ تنحلاَّنِ في عينيَّ
كحوَّاءِ امتشقتكِ من ضلوعي
جمرةً ذبلَتْ
كأزهارِ الدموع
وكنتُ مشدوداً لموسيقاكِ…
لؤلؤتانِ تنحلاَّنِ في عينيَّ حينَ أراك
مشبوحاً على وجهِ السماءِ
أسلُّ قافيَتي
بوجهِ عدوِّيَ المأفونِ
مطعوناً بضحكةِ من أُحُبُّ
مُكمَّماً بالريحِ
جفَّ دمي على سورِ المدائنِ
دائراً كالثورِ…
مرميَّاً على الأبدِ
بغيرِ فمٍ بغيرِ دمٍ
بغيرِ يدٍ بغيرِ غدِ.