قبل أن تنعق الغربان

سامح محجوب
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سامح محجوب

منذ عشر سنوات أو يزيد وأنا أكتب عن التراجع الفادح الذي تعيشه الثقافة المصرية على المستوى الرسمي؛ الأمر الذي أخرجها تمامًا من مركزية حافظت عليها لعقود طويلة، ولم يحدث أبدًا أن انتقدت مسئولًا ثقافيًا بشكلٍ شخصي أو لحاجةٍ شخصية ولم يحدث ولو لمرة واحدة أن تجاوزت في حق أحدهم باللفظ أو الإيحاء أو الكذب عليه أو الافتراء في حقه وكل ما ورد على لساني أو في صفحتي الشخصية تأكدت من حدوثه بنفسي ويمكن الرجوع لتصريحاتي بالصحف أو وسائل الإعلام أو مراجعة صفحتي الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، وكان من المفترض ألا أتورط في هذه المقدمة لو أننا نعيش في مجتمع ثقافي صحي يمتلك الوعي الكافي للتفرقة بين النقد والنقض بين الحياة الشخصية والعمل العام بين المثقف والدخيل!!

وكان من المفترض أيضًا ألا أتورط في استعمال ياء المتكلم أو الملكية التي أبغضها وأبغض من يستخدمونها في غير حاجة، الآن وبعد أن أُقيل رئيس هيئة الكتاب أو تم وعده بمنصب أعلى في مكان آخر يتمسك به صاحبه!!

الآن يحق لي قبل غيري تقييم مدة إدارته لهيئة كبيرة أدارها من قبله أعلام الثقافة المصرية الذين لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقارنه بهم كمثقف!! أو كإداري!! أو حتى كأكاديمي!!

ولا أحب أن أخوض في شرح الثلاثة كي لا أعرّضه للحرج كإنسان خلوقٍ!! على حدِّ تعبير بعض المتثاقفين!!

ما يشغلني هنا هو طرح بعض التساؤلات علّ المتباكين على رحيله يكفون عن النعيق:

– ما الذي يعنيني كمثقف أو مواطن أن يكون المسئول الثقافي خلوقًا أو مهذبًا وهو بلا ملامح وبلا مشروع ثقافي كمثقف وإداري؟

– هل يرضيكم ما تصدره الهيئة من مطبوعات رديئة جمعًا وإخراجًا ومضمونًا ولا يمكن مقارنتها بما كانت تطبعه الهيئة قبل ثلاثين عامًا فى ظل إمكانيات وتكنولوجيا أقل ناهيك عن كم الأخطاء اللغوية والإملائية الفاضح والذي يتجاوز فى بعض الأحايين المئة خطأ فى كتاب واحد!! رغم وجود مدققين ومراجعين لغويين على ترويسة الكتب يتقاضون أجورًا مجزية لتلافي تلك الأخطاء ويمكننا أن نقول إن الكتب لم تكن تُراجع من الأصل وفى كواليس النشر الكثير من المخالفات تحتاج لسياق آخر؟!

– وهل لدى الهيئة مشروع نشر واضح يخدم أهداف واضحة؟

– كم صاحب نفوذٍ إعلامي وصحفي تم نشر كتبه فى عهد رئيس الهيئة الخلوق! متجاوزا قوائم الانتظار بل وحصل على أكثر من فرصة للنشر فى أعوام متتالية بالمخالفة لقوانين النشر؟!

– وكم كاتبٍ كبيرٍ ومبدعٍ كبيرٍ انتظر كتابه أعوامًا ونشر أو لم ينشر؟!

– كم كتاب نُشر بالأمر المباشر وبلا تقارير فحص أو بعد رفضه من قبل الفاحصين!؟

– وكم كتاب طبع فى عهده لقيادات الإخوان المسلمين وتلامذتهم من المتأسلمين؟! والكل يعرف جيدًا ما الأفكار التي تروجها هذه الكتب؟! حتى أنه طالب ذات مرة من المثقفين أن يعقدوا مناظرة مع أحدهم تحت رعاية الهيئة!؟

– ما تأثير المجلات والدوريات الأدبية التي تخرج عن هيئة الكتاب؟! ومن يديرونها من أصدقائه وزملائه فى الجامعة ورفاقه فى القرية؟! وما مدى انتظام صدورها؟!

– من يدير سلاسل النشر فى هيئة الكتاب وما مدى كفاءتهم؟!!  

ولماذا استمروا في مواقعهم كل هذه المدة بالمخالفة للقانون؟!

– ما الخطوات التي أحرزها رئيس هيئة الكتاب المُقال فى سبيل تحديث وتطوير بنية العمل بالهيئة بما يتفق وخطط الدولة فى التنمية والرقمنة؟!

– ألا يحزنكم ما وصل إليه معرض القاهرة الدولي للكتاب – الفاعلية الثقافية الأكبر والأهم – من تجريف وخراب شامل فى خططه وخطابه الثقافي حتى أن معظم مثقفي العالم الكبار باتوا غير حريصين على تلبية دعوته أو المشاركة فى فاعلياته وهم من كانوا قبل أعوام قليلة يحرصون على مواكبته وحضوره حتى بلا دعوات رسمية؟!

– ألم يلحظ أحدكم أن برنامج المعرض لا يطبع ولا ينشر إلا صبيحة افتتاح المعرض بينما تتوافر كل برامج المعارض فى كل دول العالم قبل المعرض بشهر على الأقل

– ألم يلفت نظركم نوعية وتكرار من يستضيفهم المعرض فى السنوات السبع الأخيرة من مثقفي الدرجة الثالثة والرابعة من العرب الذين لا تعترف بهم حتى بلدانهم؟!

 – يعرف القاصي والداني أن رئيس هيئة الكتاب المُقال كان يخاف من خياله حرفيًا وأنه لم يمش “جنب الحيط” ولا داخله كما تسخر القريحة الشعبية بل حمل الحائط وسار به أو تحته -إذا تحرينا الدقة- باحثًا عن الاستمرار لأطول فترة ممكنة في المكان وما ينتج عنه من مميزات معنوية ومادية دون تقديم أى ملامح لمشروع ثقافي او تنويري أو إحداث أيّة نقلة ثقافية تنتظرها مصر بشغف لا سيما بعد أن وفّرت له الدولة أسباب تلك النقلة ودوافعها من البنية التحتية عبر مركز مصر للمعارض بالتجمع الذي أشاد به وبإمكانياته عدد كبير من الضيوف العرب والأجانب لكن للأسف عبّئه رئيس الهيئة بمحتوى ثقافي أقل ما يوصف به أنه ضعيف وضحل ولا يليق بمكانة مصر وحجمها الحقيقي..

فالمحاور والعناوين في معظم دورات المعرض عشوائية والتنظيم لا يرقى لعمل الهواة، وحدث كثيرا أن يدرج اسم شخص مثلا في ندوة عن الترجمة ثم يُكتشف أن ليس له علاقة بالترجمة أو العكس!! أو أن يتم توجيه دعوة لمفكر أو باحث ثم يُكتشف أنه شاعر أو روائي ولا علاقة له بالبحث!!

وقد اشتكى كثيرًا ضيوف المعرض من جنسيات مختلفة من عشوائية التنظيم .. وليس هذا إلا نتيجة سياسة أهل الثقة التي اتبعها رئيس الهيئة عبر تكليف صديقه بالإشراف الكامل على تنظيم دورات المعرض لعدة سنوات ورغم علمي بأن كثيرًا من الانتقادات وصلته عن طريقة المشرف العام وهوجائية إدارته لكنه كعادته لم يكن يستمع لرأي أو نصيحة مخلصة معتبرًا أن كل رأي مخالف نابع عن مرض وهو الناقد الذي كان أجدر به أن يقدّر تعدد الآراء وأن يحسن النظر فيها.

ناهيك عن ضعف ثقته بنفسه وعدم قدرته عن الذود عن وجهة نظره أو اختياراته الأمر الذي جعله عُرضة لابتزاز كل من هب ودب من بعض المبدعين أو الناشرين الذين استفادوا من وجوده على حساب المصحة العليا للهيئة

حتى موظفيه لم يكن له سلطان عليهم وهنا نفرق بين الشخص المهذب الخلوق وبين الضعيف المهزوز وهذا الأخير لا يصلح للإدارة أبدًا وهو ما جعل موظفة بعينها يعرفها الجميع ضمن موظفيه تستحوذ وتهيمن على معظم الملفات بعد أن أقصت أخريات حتى صارت من أصحاب النفوذ ومراكز القوى في الهيئة.. ويكفي أن نعرف أن رئيس الهيئة كان يَعِد كل المؤلفين والكتاب – حتى وصل عددهم مئات- بخروج كتبهم خلال المعرض بلا منطق ولا حسابات ولمجرد الترضية ثم تعرض عليه القائمة بالكتب التي تنتظر أمر الطبع بعد تورطه في الوقت فيؤشر بالموافقة فقط على كتب أصحاب اللسان الطويل والحبايب! بصرف النظر عن مدى الاستحقاق وينتظر الباقون حسب التساهيل!! فضلا عن منافذ الهيئة التي تتآكل يومًا بعد يوم دون تقديم أي مقترح لإنقاذها أو طرح البديل عنها والأدهى من ذلك تخفيض عدد النسخ المطبوعة من كتب المبدعين إلى مئتي نسخة لكل عنوان وكأن الهيئة العريقة والمعروفة بشروطها وضوابطها الصارمة كأي دار نشر تحت “بير السلم” على حد توصيف العوام!!

أضف إلى ذلك تكرار ترشيحه أشخاص بعينهم من الدائرة الضيقة له ولصديقه للسفر مرة بعد مرة لتمثيل الهيئة في المعارض الخارجية ويكفى أن تزور جناح الهيئة في أي معرض خارج مصر لتكتشف أنه أفقر الأجنحة وأضعفها من ناحية المحتوى والعرض .

– هل فكّر أحدكم أن يطلب من رئيس الهيئة المُقال قائمة بأسماء من مثّلوا مصر فى معارض الكتاب العربية والعالمية التي كانت تحلُّ مصر عليها كضيف شرف ليكتشف أنهم نفس الأشخاص ونفس الناشرين ونفس الصحفيين ونفس الفنانين الذين لا يمثلون بأي حال من الأحوال المشهد الثقافي المصري!!وهم يعرفون أنفسهم جيدًا؟!

– وأخيرًا ما الآلية التي تحكم اختيار اللجنة العليا للمعرض؟ وما مدى تمثيلها للمشهد الثقافي المصري والعربي والعالمي؟

ولماذا تضم فى عضويتها هذا العدد الكبير نسبيا من السينمائيين؟!!

 ولماذا الإصرار على أن يكون رئيس الهيئة هو رئيس معرض القاهرة الدولي للكتاب – وهو غير المعروف حتى لمثقفي ومبدعي بلده!! -بخلاف المعمول به فى كل معارض الكتاب فى العالم والتي تختار لرئاسة معارضها شخصية ثقافية كبيرة تستطيع أن تقدم الدعوة لكبار مثقفي العالم؟!

وما مدى التزام رئيس المعرض بقرارات وتوجيهات هذه اللجنة التي يتم تشكيلها كل عام ولا تجتمع أكثر من مرة إن اجتمعت من الأصل!؟

ألا يزعجكم استفحال ظاهرة مشاركة دور النشر المتخصصة فى طبع كتب جماعة الإخوان المُجرّمة دستوريا وقانونيا فى دوارات المعرض السابقة وتزايدها العام بعد الآخر رغم كثرة التنبيه عن ذلك من قِبل بعض الكتاب والصحفيين!!

أظنني استنفدت كل أدوات السؤال والتساؤل والاستفهام ولم انته من سرد كل ما لحق بهيئة الكتاب من خراب وتدمير على يد رئيسها الخلوق المهذب

وكان بإمكاني تدعيم كل ما ذكرته بالأسماء والتواريخ والحوادث وربما بالصور والفيديوهات أيضًا لكن الأمور واضحة وضوح شمس الظهيرة على كورنيش الهيئة المصرية العامة للكتاب المؤسسة التي تربينا ثقافيا وفكريا على إصداراتها وسلاسلها ومجلاتها قبل أن تنعق فى جنباتها الغربان.. وننتهي هنا بالسؤال البديهي هل سيسير القائم بالأعمال الآن على الدرب نفسه أم ينتفض ويضع بصمته الخاصة ويصلح ما أفسده صديقه الحميم؟!!

 

مقالات من نفس القسم