حاتم الأنصاري
اسمعيني يا اللُّغَةُ مُهَروِلَةً على غرار أرمَلَةٍ تَشْتَعِل إلّا فَمهَا من سمّاعةٍ إلى سمّاعةٍ ومن زِرٍ إلى آخر اسمعيني مُرَاقًا على نَطْعِ المُسْتَثنى دَمَ شَرْطٍ لا ينقصني إلا غيابكِ هَا تغيبين هَا يَرِثُ اكتمالي اكتماله…
ها أنتِ ها اسمعيني..
اسمعيني إنّها فكرةٌ جيدةٌ جدًا ذلك لأنَّ الإيمانَ الأملَ العرمَةَ والحبَّ جيّدون جدًّا اسمعيني وكما أنّ الخيرَ كامنٌ فينا كُمونَ البَحرِ في الغَرَقِ فإنَّ الشَرَّ كامنٌ فيهم كمونَ الغَرَقِ في النَّجْدةِ ويُفتَرض أنّي أمشي فَأمشي قاطعًا شوارعَ أزقةً حاراتٍ شاراتِ استغاثةٍ طرقاتٍ وفيافيَ كامنًا فِيَّ كُمُونَهم فِيكِ فلا فلا فلا تكادُ قدماي تصنعان حقائبَ قلوبًا وقبَّعاتٍ أنيقةً من الغبارِ لحبيباتِ الله ولا يُوشكُ لِسانيَ أن يرْشحَ معَ الملحِ الدّوارِ الدلافين والاختناقِ من مَسَامِ الغَرَق.
اسمعيني واستئناسًا بأسيادِ الدكاكين في نواحي قاهرةِ الكُلِّ عليكِ الله يا سِتّ الحاجَّة اللغة لا تركني عَرَبيَّتَكِ المديدةَ أمام مدخلِ غريزَتي بابِ رزقي الأبدًا-مفتوح على اسْتِزبانِكِ سَأرشُّ استفتاحًا جردَلَ ماءٍ فتأخَّرِي إلى اليمين قليلا فاسمعيني يا اللغة فَأحاكيكِ سَأشتَعلُ إلّا فَمِي لا أُحِبُّ أحدًا…
حتى الفتاة الرقيقة الجميلة وافرة العيونِ رَحَّالة الخُصَل، الفتاة التي يبدأ اسمها بحرفِ الرَّاء وينتهي بحرفِ عانِقْني بسرعةٍ قبل أن تسقط النُقْطَتانِ فَنُصَاب بارتجاجٍ مُثِيرٍ في دِماغِ الرَّغْـبَة…
على الرغم من أنّي أحبّها، فإنني لا أَفْعَل ذلك…
لعلَّها بيضاءُ فَبعيدةٌ كالجميعِ نوعًا ما.
ثانيًا: هذهِ الذاكرة، لِمَن؟
واللّه قويّة..
وإنّ جهنَّم لكذا وكذا
فَذاكرةٌ فولاذية
كُلَّما نَحْنُ لا نُغْتَفَر..
لَحِيمَة،
وَرِعَةٌ بعض الشيء
فأهلا وسهلا بالجميع دون فرز:
أذرعةٌ مفتوحةٌ تُرفرف عاليًا
تُرفرف كثيرًا
مع أنَّ كَمْ هي السَّماء قليلة.
تَشفطُ رائحةَ البَونِ
ثمّ تؤلِّفُ
بين قُلوبِ الفُرُوقاتِ:
“ألّا تَعَفْنَ لزوجةَ تلك الحدُودِ الطَّريّةِ..
يا آنِساتي!”
تَنْشعُ، سَيِّدَةً،
من مَسَامَاتِ نفسِ الغَرَق..
فخَّ اشتباهٍ ويَهفو إليهِ التشابهُ،
كُنْ كي تكون،
أفْقًا رضيعًا
يَحبُو يُتَأْتِئُ
يَحبُو يَكُبُّ ريَالَتَه المستمرَّةَ
في حِجْرِ عَمُّو مَدَى،
ثُمّ كُن كيف كان،
اتّساقًا مع الـ ـلّيْتَنِي ،
احتفالا بِعِيدِ اكتشافِ الجَدِيدِ
ومَذْبَحَةً مِنْ لعَابٍ
قُبَيلَ اغتيالِ بُصَاقِ التَملّصِ..
تَنْشعْ..
تُقَنِّعُ كلَّ العناصر
تُقْنِعُ كلَّ الفصائل
تُمَغْنِط كلَّ الخلائقْ…
تمامًا..
تمامًا كما يَفْعَل النِّيلُ كُلَّ جَفاف..
هُوَ النِّيلُ ذاكرةٌ جيّدة، هو اللَّبَن الغنيّ الذكيّ ذو النكهة الوسيمة الصّائبة، الوحِيدُ الأوتيزميّ الواحدُ الصحيحُ الموحِّدُ متخذًا شَكلَ البلاد في نهاية المطاف، مُضْرِمُ الحَسْمِ في المِسَاحاتِ ربيبُ الفراغاتِ فَمَصّاصُ دمائها في نهاية المطاف.. فَمٌ ممهورٌ بثديِه الخاص، خطُّ نهايةٍ يتمَلمَلُ في نومته من فرط الواصلين ورُسْغٌ سپَايدرمانيٌّ مُفْعَمٌ بمستقبَلِ سُجناءِ الرأي وأحبابِ رسولِ الضَّرُورة عليهِ السَّلامُ ثُمَّ أنْ قولوا: لإيلافِ الشِّباكِ لإيلافِ الشَرَكِ ما أطولَ السيقان ما أعْدَمَ الهَرَب في نهاية المطاف..
اسمعيني يا الذاكرةُ بَيتِي من زجاجٍ، مزاجي عَالٍ وساقاي جولتَانِ مَيِّتَتَانِ في قاعِك؛ اسمعيني أنا هُنا.. كُلِّي هُنا وبحوزتي شيءٌ يُشبِهني بالضبطِ ولكن وحياتكِ لا أدري ما هو، أما الخوف فيهريني هَرْيًا منذ طلوع الفجرِ وقد يصلُ جِدّو حُزْن مع مدفعِ الإفطار.. اهْرَبْ! ثُم لا يجد ولو كسرةَ عَصَبٍ بائتةً على مائدة مصاريني.. يا الله مُدّي يدكِ، إصبعكِ، حياتكِ البيضاء وأظافركِ السوداءَ هَا حَكَكْتِ ظَهْرَ الظاهرة غير المألوفة للنَّاسِ ها تَعلّم الناسُ ما يعنيه أن تَكونَ زَمَنًا في زمنٍ عَزَّ فيهِ الزَّمَنُ في نهاية المطاف.
اسمعيني حاشا الفصائل أن تكونَ غيرَ صَبِيٍّ، أُسْطَى أو معَلّم حاشا العناصر أن تكون غير رِيقِ نَاسكٍ يتسلسل من سلسبيل شهيد.. أمّا الصبيُّ فشَقِيٌ مثيرٌ للأتربة، العواصف، الطرَب والجدَل لكن ما يهمّني أنه ظريفٌ لبيبٌ لن يلبث أن يَسْمَع كلام الأسطى فلا يُپَسْتِر أيّ قَدَرٍ مهما بلغَ الجبروتُ بكائناتِه الحتميّةِ الدقيقةِ في نهاية المطاف، أما الأسطى فحريفٌ بائنُ الحرفنةِ كفَيْنةٍ وأخرى تتسلَّقان عائدًا لتوّهِ من نهاية المطاف وأمّا المعلّم فقد خربَش الدنيا جيِّدًا إحِمْ إحِمْ وخربشته الدنيا جيِّدًا ولذا فهو يعرفُ الجميعَ جيِّدًا إحِمْ إحِمْ وكلَّ المُتَاحِ في نهاية المطاف..
هو رِيق النَّاسك يتسلسل مِنْ سلسبيل الشَّهيد.. السقْفَ! السقْفَ! ومن ثَمَّ عُكُوفُ جيلاتينِ الأضاحي على تَصْنِيعِ رُكَبٍ مَرِنةٍ تُحشَرُ بكلِّ عنايةٍ في اِسْتِ الأمام وعيونٍ هلاميّةٍ تُرْمَى بكلّ إتقانٍ فوقَ ترابيزة الوراء.. إنّ الّذي يرميه الله لا يرفعه إنسان، والّذي يرميه الله لا يرفعه إنسان ثُمَّ الّذي يرميه الله لا يرفعه إنسان..
ولَو كان مرميًّا بكلِّ إتقانٍ عندَ نهاية المطاف.
قُلتُ اسمعوني –لا اتْقنُوني- يا سقَّافِي البَلد.. وحِّدوا تجشؤاتكم الزَّلِقة! إنسانٌ هو الرجل الذي يتسرَّب زَلِقًا إلى الأعلى تُشوِّكَ بطنَه، عانتَه وركبتيهِ إبرُ القشِّ، جعجعةُ النخيل أو شُكْلَةُ البُوهْيَةِ قبل أن يخِرّ بطمأنينةٍ قطرةً قطرةً على بلاطِ البلدِ الذي دعَكَته والداتنا الفاضلاتُ صباحَ اليوم بحرصٍ واهتمامٍ بالغين في نهايةِ المطاف..
قُلتُ اسمعوني –لا اتْقنُوني- يا سقَّافِي البَلد ثمّ سَرّبُوني إلى الأعلى مع الرجلِ الإنسانِ خانقٌ هو المَسِيرُ أمشي فأمشي برَقبَةٍ دُوِّنَتْ على أنحائها انطباعاتُ مشنقةٍ جَوَّابةٍ يُضَفِّر حبَلَها بأصابعَ صارخةِ التَشَقّقات شلّةٌ من الصباحات والأصائلِ المُسِنَّةِ هَا تَدَلّت والداتُنا الفاضلاتُ بَنَاديلَ مَوَدَّةٍ ورحمةٍ ها تَمَغْنطتِ الخلائقُ في كلّ خَمْدَةٍ أبديّة..
اسمعيني يا شلّةً جاذبةً يا شلّةً طاردَةً موجودٌ مَن عَاشَكِ غمغمةٌ كريمةٌ مَنْ أفرَزَتهُ غُددُ الصَّماءِ عَتَبَاتكِ اسمعيني..
ها أتكلم أكثر ممَّا أسمع، أكتبُ أكثر ممَّا أقرأ، أرقصُ أكثر ممَّا أغنّي، أعطي أكثر ممَّا آخذ، أنْقَعُ أكثرَ ممَّا أُنْقَع، أقف أكثر ممَّا أجلس، أموت أكثر ممَّا أحيا، أركض أكثر ممَّا أمشي، أمشي أكثر ممَّا أتوقف، أضحك أكثر ممَّا أبكي، أمشي أكثر ممَّا أتمشَّى، أنفتح أكثر ممَّا أنغلق، أنغلق أكثر ممَّا أستوي، أغوص أكثر ممَّا أطفو، آكل أكثر ممَّا أجوع، أظمأ أكثر ممَّا أمْتَقِع، أشتعل أكثر ممَّا أنطفئ، أتَفَيْضَنُ أكثر ممَّا أَتَمَتْحَف، أتعكّر أكثر ممَّا أصفو، ها أحبّها أكثر ممَّا تحبّني كي أكرهها أكثر ممَّا تكرهني فَأتسامى أكثر ممَّا أتصاعد ثم أتسامى أكثر ممَّا أتسامى..
فَاجِرَ الأحمر، مفتولَ الاصفرار
فيما الزرقة طبعًا محلولُ بياضِ القلب
لهبًا أفقيًا سامًّا
أتسامى
أتغلغل
يساومني الأعلى
أنْ أحلُم..
يؤلمني الأبعدُ
ها أَبتَعِد..
اسمعني يا موت!
يا حلم الملايين الخالد..
اسمعني يا محراب!
يا بُعَيدَ البَعِيد المجيد..
اسمعاني وأنتما مِنِّي بمنزلةِ الوسيلةِ منَ الغايةِ، أنا نَصيبُ من توخَّاني، توخيَّاني أغمُرْكُما –إذ أتَفَيْضَنُ- بالخَلَلِ العارِم: أعرِف.. أعرِفُ ولكن سأنكر تأسيًّا بالهَرَم الأكبرِ حين يُغَطِّس المتاريسَ في يخنة المُتَمَاهي ويهتك عِرْضَ المسَافةِ النَّائمةِ بهدوءٍ بينكُما وأنا أعرِف.. أعرِف ولكن سأنكر حتَّى لا تقولَ العربُ إن الوجودَ يتنازَلُ عن شَرَفِهِ دون مقابل.. لكما أن تتخيَّلا أن الحياة قد تستعيرُني هكذا: ببساطة.. باسم الصداقةِ، حقوقِ المواطنةِ أو قلّةِ الحياء ثم لا تُعيدني إلى نفسِ الرَّف، ماذا سيكون موقفكما؟ أعرِف.. أعرِفُ ولكن سأنكر بما أنِّي نصٌّ محتجَزٌ داخل قبوِ سَانِحةٍ أخيرةٍ ثمَّ أغيب غيابًا جديدًا، غيابًا ناعِمًا رقيقًا كبَشرَتِكَ يا موت أبديًّا وادعًا كاسْتِغْرَاقِكَ يا محراب، غيابًا غريبًا حيث أعرِف.. أعرِفُ ولكن ساعةَ الوداعِ لا تعرِفُ كما أعرِف لا تَتَفيضَنُ إذْ أتَفيَضنُ ها ساعةُ الوداع تعود ساعة الهزيمة المريضة في الشقة الصامِتة: الضفّة تحت الإبط، الفَرقُ يُدَلِّك فَرْقَه؛ ها ساعةُ المخاض تباغت ساعة الوداعِ في الشقّة الصامتة نفسها؛ أَتْأَمَتْ ساعةُ الوداع: “اِحْمِل السويعتينِ واتبعني!” أعرِف.. أعرفُ ولكن سأنكر عسَى نحكي كلّ الحكايات في كل الساعات، عسى نسرد كلَّ السردياتِ في كل الساعات، عسى نلغو كلَّ اللغوِ في كل الساعات، عسى نتحدّث كل الحديثِ في كل الساعات، عسى نهذر كل الهذر في كل الساعاتِ عسى ننطق كلَّ الكلمات في كل الساعات وعسى نتكلم في كل شيءٍ في كل الساعات فلا نقول أي شيءٍ في أيّ ساعةٍ فأنا أعرِف.. أعرفُ ولكن اسمعاني يا موت ويا محراب اسْكُنَانِي أسكنكْما أعَمِّرْكما بالبنين والبناتِ أفجِّركما في قلبِ التَمَتْحُفِ، في قلب التَمَتْرسِ، يتطاير رمشُهَا المغروز في قلبيكما كَنقطَةٍ ومن أوّل النّاطقين؛ أشباه الجُزُرِ ما لهم من والٍ ولا نصيرٍ سواكَ يا جَزْرها.. يا رمشهَا مشرِعًا ذراعيهِ لاستقبالِ ضحايَا رمشِهَا المغروزِ في قلبيكما كَنقطَةٍ ومن أوّلِ النازحين؛ أشباه الجُزُرِ ما لهم من والٍ ولا نصيرٍ سواكَ يا مَدَّها.. يا رمشهَا لاجِئ الدُّهور أعرِف.. أعرف ولكنكما يا موت ويا محراب لا تحلمان بما يكفي للتمثيل بجيفة اُمَّةٍ نافِقَةٍ لا تبتعدانِ على نحوٍ يرضي غرورَ أيّ كائنٍ سوى الراكضِ، الراكدِ، الجامعِ، المانعِ، الكافي، المستكفي بالذاتِ، المضادّ للهذيانِ وخصيمِ السَعْيِّ الحافِّ هو النِّيلُ وحده المخالف أعرِف.. أعرِف ولكن الوادي أخصب من اللازم.. أحَنّ من اللازم.. أنعم من اللازم.. أجمل من اللازم.. أَحَبّ من اللازم.. ألزمُ من اللازم.. الوادي يلزمني وأنا ألزم الوادي إليكما عنَّا يا عاذِليَّ.. أنا راضٍ والوادي راضٍ مالك ومالنا يا عَمّ اِستغناء؟
بَلِ اسمعيني يا أستاذة علوم النِّخاسة بجامعة عَقَرُوهَا..
اسمعيني يا نوستالجيا..
أنْ أحلم بأنِّي مُلاقيني، ها أبتعدُ ولا أبلغ أبدًا مَجْمَعَ ساقَيْهَا.. أين ساقاها؟ بل ذائبتان في ريق ناسكٍ يتسلسل من سلسبيل شَهيد، بل تَتْلوان آياتٍ من التكريس الحميمِ على مسامع الكُسَاح:
لم أَمْحُ شيئا
لم أطوِ شيئا..
لمْ أُصَبْ بمصَابِ أحدْ
لم أنَم في منامِ أحدْ
لم أنلْ من نصاب أحدْ
لم أفكر (ولنْ) في إماطةِ آثار عدوان شَفَتَيها عن خُدُودِ البَلَد
لم أُضَحِّ بأيِّ أحدْ
لم أعِشْ مثل أيِّ أحد
لم أطِرْ مع أحَدْ
لم أقِفْ مع أحدْ
لم أمُتْ كأحَدْ
لم أَدُم لأَحَدْ
لم أُلوثْ بِمَائِي دمِاءَ أحدْ
لم أعِش مع أحدْ
لم أعِشْ في أَحدْ
لم أنَم مع مَدَامِ أحدْ..
لم أُعاشِرْ ضفائرَ غانِيَتِي هكذا
لم أُضفِّرْ مصائرَ أغنيتي هكذا
لم أَدُرْ حول أمي كطيفٍ أصيب بطيف العمى فجأةً..
هكذا
لم أَدَعْ للجحيم مجالا لتُفلِتَ مِن حَرِّها هكذا
لم أُحاسب صديقًا على موتِه هكذا
لم أًحاسب قريبًا على قُربِه هكذا
لمْ أفسر سُعَالَ الكَذا هكذا..
ثُمِّ إنّي أنا خُلاصةُ الإخلاص،
الإخلاص الخالص من أيِّ خَلاص،
عليَّ يتنزّل التشبّث ناكئًا كلَّ أمْر،
عليَّ، وعلى الدرب أمضي،
إني أنا اكتشفت الجَديدَ اكتشافًا،
وفضضت غشاءَهُ فضَّا،
بل القرار قراري..
بل الفَناء فَنائي..
أنْ ليس في الكَونِ سوى لي الخيار،
ثمَّ ليس في الكَونِ سوى لي الخيار..
خَلاص؟
اسمعيني يا الخيانةُ بِكِ أتطَهَّرُ من شَحْمِ السِّكَكِ الحنَينِيَّة قولًا واحدًا، أريد وَهْلَتِي النافرةَ جرداءَ، خالصةً من رسومِ الاختيارِ، أُوْلَى، سودانيَّةً وفضفاضةً سَتَؤُمُّها أمَّةٌ منَ المنقوعين فِيَّ وَنكتارِ وهلتي النافرةِ احترازًا مِمَّا أنَا، فإذا أنا افْتَعَلْتُني مرةً وَثَبَتْ وهلتي النافرةُ من أوَّلِيَّتها وقد انْتَعَظَ الفزعُ من كلِّ طرطشةٍ في لبنِها النَّافر، ذلك لأنّ لا أحد سيُرضِع هنا ولا أحد سيَرضَع هنا بما أن النيلَ العَرْصَ -بوصفه وحيدًا، ذكيًّا، عَرْصًا وموحِّدًا في آنٍ واحد- يتولى المهمتين بنجاحٍ ساحقٍ للموسمِ السادس والعشرين على التوالي..
وبخصوص اللغةِ يا الخيانة بك أتطَهَّر من بَلْغَمِ المُتاحِ قولا واحدًا فَمْنْ مِنَّا يَحْمِلُني كما أحملُ فمي العذبَ الباردَ المقاومَ للحرائق والزَّلازل من سماعةٍ إلى سمّاعةٍ ومن فمٍ إلى آخر؟
فَمَنْ مِنَّا مِنَّا أصلا؟
وذلك الذي هو العالقُ في معبر التَعلّق، ببَصْبُورِه الغائرِ في سبيلِ الخُضْرَة، لو كان أوَّلَ العالقين لا بأس ولكنّ أوَّلَ العالقينَ الفضاء.. ثُمَّ هات بَصْبُورَكَ! كُوَيِّس.. اسْمك فتهتّكٌ حادٌ في غشاءِ المغفرة، صورتك أنْ أَقِمْ على هذه الحال إلى حين، محلُّ الميلاد ابكِ الفراغَ كلّه، تاريخ الميلاد ها موتٌ ما، الجنسَ! الجنسَ! والرقم القومي يا قومي لا تملكون شاعرًا قوميًّا..
وذلك العالقُ في معبر التَعلّق لوحةً ذاتَ مروءةٍ لم تضعْ لونًا في فمها منذ بضعةِ تَشكيليِّين، منذ الأبد، لوحةً لا ترسم نفسها بفرشاةٍ سَلِسَةٍ مَنْكوشةٍ لَهَا بِلْيَةٌ زلَّاجةٌ اِنْثَلَمَتْ كياستُها خلسَةً -كما تفعل جميع مُنافِسَاتِها في بينالي الحياةِ الكبير- وإنَّما بالريشةِ الفظَّةِ المستقيمةِ ذات الأظلاف الدبقةِ المجزوزة صبْغَتها -عملًا بنصائحِ سقَّافي البلد- يَرسُم ذلك الذي هو العالقُ في معبر التعلّق رقمَه القوميّ يا قومي لا تملكون شاعرًا قوميًّا..
فَتَقَ الديمومةَ..
إيمانٌ
مركوزٌ.. في طبعِ الكونْ
خَرَقَ الپَالتّةَ..
فيضانٌ
وانتشَل الغرَقَ.. منَ اللون.
حَمِلتكَ الألوان السبعةُ
وهنًا -يا صاح -على وهْنْ
ألِهذا.. تُرضعكَ اللوحةُ
أُمَّاتٍ..
بكَ لا يأبَهْنْ؟
يُو-إندي..
الريشةُ تَعوي
يُو-إندي..
رُحماكِ.. الغوثْ!
الرَّحِمَ! الرَّحِمَ!
لكي تُؤويْ
كهلاً
من حيثُ اللاحيث..
كومبلكش..
كومبلكش بلكش
كومبلكش
كومبلكش
كَش..
وذلك الذي هو العالق في معبر التَعلّق؛ على الحدودِ –يا آنساتي- الطَريَّةِ، ما دامَ قادرًا على المرورِ مَا لَه لا يَفْعَل؟ ما دامَ قادرًا على الموت ما لَه لا يَتَفَعَّل؟ ما دام قادرًا على الوجودِ ما لنا لا نكون؟
اسمعيني يا الخيانةُ بكِ أتطَهَّرُ من مَرَاسِمِ لصقةِ جونسون قولا واحدًا، مُحْكَمٌ تنزيلُ النِّيلِ مُغْرٍ غِرَاءُ الليلِ ريثَما يتحقَّق من مونوفيزيَّةِ النِّيل الغنيِّ ذي النكهة الصائبة..
خَلاص؟
هُو الآب، الابن، روح الروح، الأخ، الأخت، العم، الخال، الخالة، العَمَّة، الصديق كُلَّما الدنيا تضيق وزوج الأم الطيب الرائع عند وفاة الوالد (ودائمًا ما يموت الوالد وتبقى والداتنا الفاضلات بناديلَ مودَّةٍ ورحمة).. هو كلّ هؤلاء وواحد؛ هو كل هؤلاء وأكثر فابقوا معنا..
اسمعوني يَا جماعة يجمعنا كُوبْرِي واحد، لم يَتهْ مَنْ تمعَّن، غَرقَ من نَطَّ وما ابتعدَ من واصل طريقه متجاوزًا أَسَدَي أبي السِّباع.. اسمعوني يَا جماعة يجمعنا كُوبْرِي واحد، والشِّراعُ سرديَّةٌ أخرى ضمن السرديَّة نفسِها.. والشِّراعُ والشفقُ حلوى نيليَّةٌ مشهورة يشيع تناولُها ساعةَ تلقي شارةِ الرفض، ساعة احتضار الهجمة المرتدة في ظل تألّق حرّاس المرمى أو ساعة الوداع، قبل وصول ساعةِ الهزيمةِ ببضعة توقّعات.. والشِّراعُ، الشفقُ وصيادو الرِّنجةِ المُتَبَّلونَ بالفلفلِ الأزرق، الكمّونِ وفَترَاتِ التَبَعثُر المُستَحبِّ…
اسمعوني يا جماعة تعالوا نَنُط ونخلص..
خَلَاص؟
اسمعوني يا صيادي الرِّنجةِ المُتَبَّلينَ بالفلفلِ الأزرق، الكمّونِ وأعراضِ التَبَعثُر المُستَحبِّ يعجبني القفزُ من أسوارِ السِّجنِ إلى أحضانِ السَّجّان لولا أنَّ زنزانتي –أُسْوَةً بالكابريوليه- لها سَقفٌ قابلٌ للطيِّ ها أنطلقُ بها من السرعة صفر إلى السرعة 100 في غضونِ أقلّ من هُوووففففْ…
لا ينطفئُ اللَّهب لا يشْرئبُّ إليكُم بل يَلِينُ حتَّى الأَينَ-كُنْتَ-يَا-حَبِيبي-؟ في راحةِ يَدِ الفتاة الرقيقة الجميلة وافرة العيونِ رَحَّالة الخُصَل..
اسمعيني بأنفِكِ،
بشفتيكِ،
بلسانِكِ،
بِخَدَّيكِ
وبشَّعركِ لا غَير..
اسمعيني يا وافرة العيونِ رَحَّالة الخُصَلِ افرُكي اللَّهبَ جيِّدًا ثم ضعيهِ على النَّارِ لا حُلْمَ إلّا بِكِ لا ابتعادَ إلّا عَنْكِ اسمعيني بعد أن تتأكَّدي من إغلاق البابِ، شَاشَةِ التورنيدو، الشَّارعِ، إذاعةِ المَدْرسةِ الثانوية، أُذُنَيْكِ والسَّقْفِ بإحكام..
ها رائحة حُبٍّ حقيقيٍ
تتسلَّل من ياقةِ قميصِ قوّاتنا المسلَّحة
الظاهر أنّنا سنسمع قريبًا
أخبارًا طيبة
(وقفُ إطلاق نار، توقيعُ اتفاق سلام،
توسيعٌ لصلاحياتِ النيلِ الأوتيزمي
أو استئجارُ مقاتلةٍ جويّةٍ حديثة…
المهم أنها أخبارٌ طيبة..)
يا الله بِنَا يا حلوة نوزّع الحلوى على الأطفال الحلوين العاقلين كافة:
شِراعٌ في يَد
وفيضانٌ في اليد الأخرى..
فدائمًا ما تتبعُ الأخبارَ الطيبةَ
أخبارٌ مضحكة..
يا الله بِنَا نتكفَّل بتربيةِ الفيضان:
لَدَيَّ كَنَفٌ واسعٌ يَقولُ “يَا غُرْبَتِي!”
كما أتمتع بخبرةٍ لا بأس بها في حكِّ ظُهورِ الظواهرِ غير المألوفة للنَّاس..
لعلَّكِ بيضاء
لعلَّكِ بعيدةٌ كالجميع نوعًا ما..
لكن لعلَّك أيضًا تذكرينَ شقاوةَ مخاوفي السمراء الصغيرة،
مَلَاحَةَ الأفقِ الرَّضِيع
وعمُّو مَدَى إذ يُقسم بثوبهِ النَّدِيِّ وشرفِ أبيهِ على أن تحظى كلّ ديانةٍ بنصيبها الشَّرْعِيِّ من ميراثِ اللَّعنة..
ذلك لأنَّه لا يعرف خيارًا ولا فقُّوسًا..
اكتمي الضحك
ما زالتَ الرِّيالةُ مستمِرَّة..
والنِّيل الواحد الذَّكي يَرشفها بتأنٍّ قبل أنْ تَكبرَ وتصبحَ بدورها فيضانًا عملاقًا يَشفطُ النِّيلَ الغَنيَّ بنكهتِه الوسيمةِ كلِّها..
قلتُ اكتمي الضحكَ لا تفضحينا
لِسَّه؟
طيِّب اسْمَعاني يا النُقْطتانِ تَسْقُطَان فَنُصـَ …
خلاص؟
ها.. ها.. ها
يا الله بِنَا يا حلوة نُحبّك..
سَنُحبّكِ لأنَّنَا لم نفعلْ ذلك من قبل..
سنُحِبّكِ حتّى مَطْلَعِ حبيبِكِ السَّابِق:
أنا بشبابي
شبابي الذي يصنع الموسيقا كي يُعْجِبَ الآخرين ويلعب كرة القدم كي يُطْرِبَ نفسه..
شبابي الذي يَرَى نصفَ العالَمِ بعينيه في بعض الأحيان ويَرَى كِلْتَا عينيه بواسطة العالَمِ في معظم الأحيان..
شبابي الذي لم يَعُد يَكْوِي جِدًّا
وأنتِ بأنوثتِك..
أنوثتِك التي لا تُفْطِرُ الخَلِيقَة
ولا تُغوي الفيضانات..
دُم، دُمْ، دُمْ! دَمْ، دَمْ، دَمْ! اسمعيني يا الفيضاناتُ نُحَيِّيكِ ثلاثًا مِنْ قلبِكِ؛ من قلبِ العَرائسِ المُوكَلاتِ إلى ديدبانِ التَوَحُّد.. ليتكِ معنا إذْ يَا لَها من حفلاتِ زفافٍ ويا لَه من بُطَينٍ أيسر.. جيلاتينُ لُحومِ الوَليمةِ في الشرايين ومِنْ ثَمّ انسيابيةُ المَصَائرِ بَينَ زَغَارِيدِ المُنتَظَرِ لا نُحَيِّيكِ لا نُحَيِّيكِ لا نُحَيِّيكِ باسم كلّ شَبَابٍ لم يعد يكوَي جِدَّا وكلّ أنوثةٍ لا تُفْطِرُ الخَلِيقةَ..
بل باسمِ الغابرِ، القادمِ والآبِقِ..
هكذا يُبْحِر البَحْرُ رغم الأرحام.. اندَلِعي يا جاذِبيَّة! انْفَلِقِي من العويلِ دَبْدِبِي بقدميكِ على رمالِ الشاطئ اخبطي جمجمتكِ في أقربِ نَوَّةٍ ماما ليسَتْ هُنا ماما خرجت لشراء بعض مُستلزماتِ الهُروبِ على أملِ اللحاقِ بعشيقِها المَالحِ رغم العيش والملح فِيمَا أنا -رغمَ أنا- هُنَا ولكنّي لستُ الآنَ فلا أملؤني إلا بِنَا ولا أُكمِلُنِي حتّى الجميع على هذا الأساسِ ومن هذا المنطلقِ أعاهدكِ على أن أتكفَّل بتربيتِكِ شأنكِ شأنَ الفيضانِ اِلْعَبَا معًا دون جلبةٍ أخاف أن تستيقظ فجأةً رغباتي المتصارعةُ ثُمَّ لا تجدُ ولو شقفةَ هدنةٍ يَابِسَةً على مائدةِ مفاوضاتي..
– جائعانِ؟
– أَجَلْ..
– نوْرَسٌ للفتَى، سُنْبُكٌ للفَتَاهْ
– نُريدُ اللَّبَنْ..
– اِطْفَحَاهْ!
هكذا دواليك، حتى كبُرا وأصبحا آدميين قَدْرَ الدُّنيا، لا هو شَفَطَ النيلَ بنكهته الوسيمةِ كلِّها ولا هي حَذَت حذو مَاما الآبقة.. بل الدُّنيا بأسْرِها تخلع عليهما ألقابًا تروقُهما دون هوادة؛ ألقابًا تُشَغِّلُ نفسَها بقدرٍ عالٍ من المَهارة والدِّقة، فَتَحِيَّةً كادِحةً إلى العَدَمِ زيزفونِ الاحترافيّة..
اسمعني يا التئامَ المهنيين المَسْقُوفينَ واحدًا لا شريك لك، لم تَلِدْ ولكنَّك تُوْلَد، تُولَدُ مرَّةً في العُمر.. قل لي ماذا تعمل الآن أقل لك من أنتَ قل لي من أنتَ الآن أقل لك ماذا تعمل غدًا اسمعني:
الشارع
مَعِي
شاشة التورنيدو
مَعِي
إذاعة المدرسة الثانوية
مَعِي
الباب، السقف وأُذُنَاها
مَعِي
وجميعهم مغلقون بإحكامٍ حتى انسكابٍ آخر..
يا الله بنا، يا هداك الله، نستَعذ بالتّغَابُنِ
مِن رِجْسِ فيضانِك،
سِحْرِ جاذبيتك
وربقةِ كلِّ صراطٍ مستقيم..
يا الله بِنا..
تُخامرني خيانةٌ بكِ أتطهَّر من وَدَكِ المكانِ قولا واحدًا
خيانةٌ يوقظُ شخيرُها عِيَالَ التكهّنات ..
يا الله بِنا..
أريد أن أنام..
أن أنام هكذا:
باسمِ الغابرِ، القادمِ
والآبِق..
نيلٌ واحد
آمين..
آمين على أي حال..
وعلى أيّ حالٍ مرحبًا بالجميع، مرحبًا بهم هُنا حيث لا فرق يُدَلِّك فرقَه، حيث لا فرق بيني وبيني… مُجَمَّدًا في منتصف الوثبة، هادئًا، طيِّعًا ومطيعًا، ها أعودُ على متنِ عَطَشِي إليَّ، على أن أتركني حين يُعلن صوتي انشقاقه عنّي ويُفلت فأرُ الصّدى من يَدي؛ يَدي التي هي المصيدةُ وخوفي الذي كانَ قطعة الجُبْنِ الوحيدةَ في هذا الصَّريرِ القاني إذ لم يكن ذلك حِبْرًا ولا كانت تلك حضارات وإنما خمسة آلاف رطلٍ من اللبن الغني ضلَّت الطريقَ إلى مَجْمَعِ ساقيها.. أين ساقاها؟
بَلْ ذائبتان في صَفائي وَيَا لصَفَائي لأنّ الشَّنيعَ -بقبضته القرميدِيّة السَّاخنة- يَرَاني مليونَ شَظية تُقلق رَاحاتِ الأقدام وتُقرمش بَآبِئَ الأعيُن، ولأنّ الجميلَ -ذا الوردة الكاملة- رأى الأَزَلَ باهظَ الجَمَال ضِمْنَ برْوَازِي البرونزي.. أقول طَالِعْنِي بانتظامٍ تَفُح مِنّي، وإن تَرْجمْني أنْتَ تَنْبَعِث.. أقول ما مَحَقْتني إذ مَحَقْتني ولكن مَحَقْتَ انتشارَكَ في أنحاءِ مِيولي الكاميكازيّة.. أقول ما دَوَّخْتني إذ دوَّخْتني ولكن حفظتَ نَفْسَكَ عنِ الاصطفافِ حولَ أنْفَاسِك..
أقول يا لَوُجودي!
تأتيني وهلتي النَّافرة فلا أُجْلِسها في طرف المجلس: الضيف لا يجلس أبدًا في طرف المجلس، الضيف يُحَاصَر بِاسْمَعْنِي: أصواتي تَسْمعُ صوتي.. فيضاناتي تَسْمعُ صوتي.. اسمَعوني تَسْمعُ صوتي.. جاذبيَتي تَسْمعُ صوتي.. صمتي يَسْمعُ صوتي وأنا لا أعرفه فلا يَتبعني..
أقول يا لَوُجودي!
زَريبةٌ واهيةٌ تتخلّل ببطءٍ ببطءٍ ببطءٍ ببطءٍ ببطءٍ ببطءٍ ببطءٍ ببطءٍ ثُغاءً ديكوتوميًّا منيعًا ثم لا تكون من نصيبِ أحدٍ مِنَّا، وَمَنْ مِنَّا مِنَّا أصلًا؟ فالذي عاصَرَني يعرف أنّي أصلاً طَلَلُ انعكاسٍ يَافِعٍ عاش حياتَه طولًا وعرضًا رغم النَّمَشِ المُتكوِّمِ على سطْحِ ساعةِ اللِّقاء..
هَا الطَّلَلُ –مسندًا ذقنه إلى مقبض مِقَشَّته- يقتعدُ ساعةَ انتظارٍ وثيرةً؛ ساعةَ ترقّبٍ مصقولةً تمامًا وعريقةً للغاية.. إنني ألتقط أنفاسي، ألتَقِطها رايةً رايةً أُشْهرهَا كلّها في وجهِي فينتاب الكونَ صَهدُ اِنسحابٍ تاريخيٍّ ما..
اسمعوني يَا لَفَداحَتِي في خِضَمِّ ما ناهَزَ خَبَبًا صَغيرًا عَسَانِي نُصُوعُ القيامةِ حقًّا في كل السَّاعات..