في مديح الفاروق بن حسني

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد محجوب *

هبط على كرسي الوزارة قادما من أزقة روما .. قالوا عنه " الوزير الفنان " فحول الوزارة التي قادت التنوير في العالم العربي إلى " حظيرة " دجن فيها مثقفين بدرجة مدير إدارة ، و عين لنفسه " شماشيرجية " انتهى بهم الحال إلى سجن مزرعة طرة بعد أن فاحت روائح فسادهم .

دخل فاروق حسني الوزارة مسنودا ، الولد الذهبي ، العفريت ، أذكى أخوته و اكثرهم تفانيا في خدمة السلطان . قرر منذ اللحظة الأولى أن يكون" فنانا " في التخريب . دمرالمسرح ، وأتلف المثقفين بجوائز وهمية و رواتب مقطوعة و رشاوى تحت مسميات مختلفة . تاجر بالجميع ، وحين انفلت اللجام واستشهدت نخبة من أجمل زهور الثقافة المصرية بنار الإهمال في بني سويف و طارت فضائح " الوزير الفنان " في الآفاق همس أحدهم في أذنه " اليونيسكو يا روقة .. اليونيسكو يا حبيبي ".

صدق ” الولد العفريت ” الحكاية . صدقها كما صدق أنه ” وزير من أبو جد ” وقررت ” الترويكا ” الحاكمة أن تروج لطفلها المدلل على طريقة ” العمشة ست جيرانها “. هذه المرة لم يكن الترويج سهلا ، فالبضاعة فاسدة ، والثمن أكبر مما في الجيب . رغم ذلك اجتهد دبلوماسيون ، وموظفون ، و مثقفون بدرجة شماشرجية لترويج حملة ترشيح فاروق حسني لإدارة اليونيسكو .

الحملة على ضخامتها كانت أشبه بـ ” زفة العبيطة ” . فلا العروس تدري ما يراد منها بعد انتهاء ” الزفة ” و لا فرقة المباخر والطبول تدرى لمن تدق الأجراس . أما ” المعازيم ” فعلى كل شكل وصنف ولون ، تماما كما كانت وزارة ” الفنان المستوزر ” . فمنهم المنتفع ومنهم المتفرج ، و فيهم المندهش ، وبعضهم من صنف ” الصلاة خلف علي و الطعام على مائدة الوزير “.

انتهت الزفة إلى بر الأمان في الجولة الأولى . حقق العرس إقبالا جماهيريا حاشدا ، ورغم فساد البضاعة إلا أن ” الفتة ” تجد عشاقها في كل حين . البعض زمر ، واخرين طبلوا لبشائر ” الإنجاز الدولي ” و استعدت صحف الحكومة لوصلة مديح جديدة ، و فرك المتعجلون و أكلة السحت أيديهم استعجالا للسبابيب الدولية في مرحلة ما بعد الفوز . كل ذلك بعد استنزاف طاقة مصر وثقلها الدولي للترويج لبضاعة أتلفها الهوى و الأوامر .

و أخيرا إنفض المولد . ولم يحصل أحد على ” الحمص ” . قبح العروس انكشف أمام اهل العريس , و المطبلون أختفوا بعد إخفاق ” الزناتي خليفة ” . و حاملوا المباخر والأسهم فروا فجأة إلى مقاهي النميمية وسط القاهرة يندبون حظهم العاثر .

بعد الخسارة لم يبق للفنان سوى العودة بنفس الباراشوت إلى كرسي ” الوزارة المزمن “. ولم يعد للمسبحين بحمد ” وزير الحظائر ” سوى تصوير ماحدث باعتباره ” مؤامرة صهيو أمريكية ” جبانة كالعادة وبالضرورة . أصبح أبوزيد الهلالي المستوزر فجأة ” أدهم الشرقاوي ” مظلوما من ” الخواجات “.و اصبحت المؤسسة الدولية التي كانت قبل أيام ” إنجاز تاريخي ” مجرد ” كيان مشبوه تديره تل أبيب “.

المشكلة لم تكن اللوبي الصهيوني في أوربا ، ولم تكن التكتل الأوربي خلف مرشحة كفء بالفعل . فثمة خلل أصيل في بضاعتنا يا سادة . قدمنا للعالم رجل أفسد أهم منبر للتنوير في منطقته ، و أحترق في عهده الفنانيين و دخل المثقفون الحظيرة ، رجل حكم القضاء على نصف رجاله بالسجن بتهم فساد ثابته ، قدمنا بضاعة مضروبة و اكتفينا بطلاءها بالورنيش . قلنا لهم : دعوا شعوب الأرض تتذوق طعم الفساد الأصلي ، امنحوا البشرية فرصة لدخول الحظيرة ، صوتوا لوزير ثقافة بلا هوية ثقافية. باختصار قدمنا لهم كتلة من فشلنا الخاص وخيبتنا الخاصة و ديكتاتوريتنا العجوز .

انفض المولد . وعادت البضاعة إلى المخازن ، وانتبه الدراويش على سقوط القناع . وعاد الوزير إلى كرسيه الهزاز في مبنى الوزارة .و لم يكلف أحد خاطره ليسأل : هل كان مجديا كل هذا ” الصراخ ” ليذهب رجل الحظيرة الأول ” إلى منصب دولي رفيع ؟ هل عقمت مصر من مرشحين ” محترمين ” لمنصب دولي مرموق؟ . هل أصبح الثقل الدولي لمصر رخيصا لدرجة لصقه عمدا على ” طرد فاسد ” فاحت رائحته في الداخل ؟ . هل كنا مغفلين لهذه الدرجة كي لا نرى فساد بضاعتنا ؟. هل وصلت خيبتنا للدرجة التي نضطر فيها لتأييد المسئول الأول عن قتل الثقافة المصرية خلال عقدين ؟

الآن وقد إنتهى الدرس الدولي ، الآن ودون الإجابة على ” اسئلة خارج الحظيرة ” يعود الوزير الفنان إلى أرض الثقافة المحروقه . ليستقبله الشامت المتخفي ، و الدرويش المتقلب ، والغندور ذو السبعة أوجه . و عمار يامصر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* شاعر مصري

مقالات من نفس القسم