في مديح الخبل

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نهى محمود

لم أعتد التفكير كل هذه الأيام في نص، وحدها الرواية تلفني داخلها مثل موجة، وحدها أعرف وحدتها وشبقها وشرودها .

النصوص أكثر حياء وأدبا، تأتي مثل دفقة واحدة .

هذا النص شغلني لثلاث ليال، أرق فراشي، وسحبني لكهفه الغامض .

كانت كلماته تدور في ذهني ولا أكتبها لأن كراستي البيضاء – بدون سطور- انتهت منذ فترة، ولم أمر على مكتبة  فنون ” بشارع شريف لشراء غيرها  

الإنشغالات اليومية والكثير من الكسل فوت عليّ أكثر من فرصة للمرور على المكتبة وشراء كراسة كتابة .

مرتين او ثلاث أفكر في فتح الحاسوب لأكتب ما افكر فيه، وما أن أفعل حتى أبدأ بسماع الموسيقى، والفرجة على الصور واللعب دون ان اخذل كسلي مرة واحدة وافتح صفحة بيضاء للكتابة .

لاشيء يشجعني على الكتابة، لا صوت دق الحروف على خلايا عقلي كأنها خربشات آلة كاتبة احلم بإقتنائها، لم يحرضني شيء  لا الزهو القديم بما أكتب،  ولا طاقتي الفائضة التي تؤلمني مثل رغبة رجل لا يملك نقود في إغواء عاهرة، لا شئ يحركني ولا حتى رغبتي في الكتابة.

في الصباح شعرت أن اليوم يبدو صالحا بما يكفي لأكتب النص، كعادتي القديمة ملأت المغطس بالماء الساخن، ووضعت الشمع على حافته .

وتذكرت وأنا ألعب مع الماء أني كتبت مشهد استمتاع بطلاتي بالمغطس كثيرا .. أكثر مما ينبغي لكاتبة مهووسة بالمغطس الممتلئ بالماء الساخن والشاور جيل “خوخ

في نوبة نرجسية رحت أعدد في ذهني مرات كتابتي تلك، في روايتي هلاوس مشهد بعينه يشبه الذي أكتبه في ذهني الآن، وفي كتابي الذي عملت فيه عامين دون جدوى كتبت مشهدا آخر، وفي الحياة تعرف صديقاتي أني قد استقبل اليوم بحمام قد يمتد لساعتين دون أي اعتبار لمواعيد العمل أو أي شيء.

في مرات كثيرة ألمح لون الماء يتغير بألوان تشبه حالتي المزاجية كثيرا ما يتحول لأزرق لون البحر، أو بنفسج لون الحزن ، وكثيرا يختلط فيه سواد الحروف .

أحيانا ترتطم رأسي بكلمات كاملة سقطت مني واستقرت هناك في الماء .

في الحمام تذكرت رواية يوسا “في مديح الخاله” استرجعت في ذاكرتي فصلا كاملا كتبه يوسا عن طقوس دون ريغوبيرتو في الحمام .. فصل بدأه بجملة أحبها وأحفظها ” دخل دون ريغوبيرتو إلى الحمام، أحكم القفل وتنهد ، وعلى الفور هيمن عليه إحساس من الرضا والإمتنان

واختتمه بجملة “وأخيرا جفف إبطيه وعطرهما بكولونيا خفيفه جدا، توحي برائحة البشرة المبللة بالبحر أو بنسمة بحرية تضخمت في مرورها بدفيئة زهور . “إنني كامل” قال ذلك وهو ينظر إلى نفسه في المرأه ، ويشم رائحته .” 

كنت افكر أن الليلة عند عودتي سأكتب النص الذي ينتظر منذ أيام معطلا في عقلي ، حبيسا في روحي .. سأكتب حتما، لكني عوضا عن العودة من الجريدة للبيت ، حضرت في مركز الإبداع عرض فيلم “سلطة بلدي، والحقيقه ان الفيلم أمتعني وأربكني ، وأظن ان الغرض منه لم يكن أكثر من رغبة في الإرباك والتفكير .

يمكنني الآن أن أؤجل تفكيري في – سلطة بلدي- وأن اؤجل تأثري بالعناوين التي قرأتها حول براءة المتورطين في موقعة الجمل .

كثيرا ما تفاجئني هذه الأيام منغصات ، وخيبات تخص السياسية والبشر والأحلام تجعلني أخجل من البوح والكتابة .. تشعرني بالهم ، تورطني وتغرقني فيما احب دائما أن أكون  بعيدة عنه خطوتين او ثلاثة أو عشرة لأتحرك في البراح الذي يخصني وأحتاجه لأكتب واتنفس وأحب وأظل قادرة على الحلم .

يمكنني أن اؤجل المزيد من الهزائم والفقد والحزن وان أكتب .. يمكنني حتى أن اطرد فكرة اني ارغب في تجميع أفلام وودي الآن ، وأمير كوستاريكا .. لأشاهدها كلها في أجازة

  شهر العسل “..

يمكنني أن اتوقف عن القلق بشان الزفاف ، وتجهيز البيت الجديد ، وإنتقال خاتم الحب من يدي اليمنى ليدي الآخرى .. أؤجل هوسي بالطفلة القادمة ، وشبح إمرأة عجوز مفعمة بالحياة والضحك والسعادة تجلس جوار رجل اختارته في بداية الرحلة لتلعب معه لعبة العمر .

يمكن أن أؤجل كل ذلك الآن وأكتب نصا يطاردني ، أو أنتظر مرة اخرى حتى اشتري كراسة الكتابة من مكتبة فنون . أو افتح صفحة بيضاء رائقه على الحاسوب وأكتب أول جملة لأكسر كل ذلك الكسل وذلك الصمت  .

مقالات من نفس القسم