في المقهى القديم
ماكناتُ الخياطة تملأُ المكان
والبردُ يتسللُ من زرافيل الأبواب وثنايا النوافذ المغلقة
وجدتي.. ما عادت مستيقظة لِتُخيط لي جرزة دافئة من صوفِ عينيها !
في المقهى القديم, أجلسُ بقرطٍ واحدٍ في أذني اليُمنى
ويسألني عابرٌ يضحك عن قرطي الاخر
فأجيبهُ دون أن أنظر: ضاع ..
في المقهى القديم
الضوءُ خافتٌ
يعكسُ تواطؤ روحي معه
ودخان السجائر يملأُ سماء المقهى
وسمائي صافيةٌ
لا تعكسُ شيئاً سوى إنحباسِ هذا الدخان بداخلي !
كل الصور في المقهى, صوري
وكل الكتب كتبي
والموسيقى موسيقايَ
وأنا..
وأنا ما عدتُ نفسي لأحب ممتلكاتي القديمة !
وربما
ربما .. أهذي الآن !
في الشارع المقابل للمقهى
لا يسير أحدٌ
سوى الجميع ..
وبداخل المقهى
جميعهم إلا أنا
وشخصٌ آخرٌ يسألني: هل رأيتِ ابني ؟
*خرج منذ قليل.
فيقول: ساعديني في البحث عنه ..
* فأقول :سأخرجُ للبحثِ عن قرطي الآخر !
في المقهي القديم,
يتكررُ إحساسي ولا يتكررُ النصَ !
تتكررُ الأوجهُ والأيامُ نفسها وأنا وحدي ..
أنا ككوبِ القهوةِ الباردِ المنسيِّ بداخلِ أصيصِ الأزهارِ منذ سنين.
أنا أكثرُ كِتابٍ مُغبرٍ في المقهى وأتعسُ قصيدةٍ لم تقرأ بعد .
تتزاحمُ العناوينُ
في المقهى القديم
الأم تُدعوا ابنتها لقراءة الجريدة
يستيقظ عامل الرصيف السكران
الطفلُ يبكي ..
وأنا، عالقةٌ في المقهى ..
عالقةٌ كهذا القرطِ في أذني
كهذا الفقدِ
كهذا البكاءِ
كهذا السُكرِ
كهذه العبوديةِ ..
أنا أقدمُ من هذا المقهى ..
أنا أقدمُ من هذا المقهى ..
ها أنا أمضي
وثالثٌ يتمتمُ أثناء خروجي: قرطك الاخر ضاع.
أنزع القرطَ من أذني وألقي بعبوديتي إلى خارج المقهى وأردُ بالتمتمة:
“ أقراطي ليست ضائعة
في هذا المقهى أنا من أضيع
في هذا المقهى أنا من أضيع ! “
بينما أغلقُ البابَ يرتفعُ صوتهُ : إلى أين؟
فأتمتمُ: للبحثِ عني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة فلسطينية