فيكيدون لك …

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

زهير كريم

بنت ملعونة في العشرين، التقت في الحلم شابًا في مثل عمرها فأحبته، وصفته بدقة فقالت لها أمها: هذا ما ينطبق تماما على وجه الشيطان أو وجه الغراب. ثم سردت البنت وفصلت الوقائع، قالت: أنهما تزوجا في الحلم أيضا، ناما معًا في سرير واحد وغطاء واحد، وكان الغطاء ناعمًا بلون زهري، وعلى وسادة واحدة بيضاء مطرزة بوردة حمراء وقلب صغير، تعرق جسدها وجسده فاختلطت السوائل وتمازجت الروائح، اشتعلت الشفاه بالقبل وتجولت الأصابع في كل موضع، وكان أجمل حلم في حياتي. قالت البنت، اوزدهرت أثناء ذلك على جسدي نباتات كثيرة، وتفجرت ينابيع عذبة، ثم استيقظت.

ظهرعلى وجه أمها الخوف، رأت علامات شؤم في عيني ابنتها، وسمعت نعيقًا يرتطم بجدران البيت فينتج عنه الصدى الذي يشبه العويل على ميت قالت: لا تقصصي رؤياك يابنت على أحد، فيكيدون لك، اجعلي هذا الحلم في صرّة وارميها في نهر النسيان.

ولم تكن البنت قد خزنت في رأسها ما يكفي من حكايات الخوف، ولم تشاهد سوى أفلام الحب التي تنتهي بوقائع سعيدة، لهذا ..حدثت البنت أختها التي تكبرها بعامين، وهذه همست في أذن زوجها ذات ليلة، كانت عاطفتها متوهجة وهو يحتويها بذراعيه على السرير، قالت له : احكي لك، ولكن لا تذكر شيئا من هذا، حتى يجيء الشاب الذي حلمت به من الباب ويخطبها من أهلها، فينامان معا في الحقيقة وليس في الأحلام، ويتبادلان السوائل بشرط القانون كما يفعلها الناس، وليس في عالم المنامات كما يفعلها الملعونون. لكن زوج الأخت أخبر أبيها، حسنًا لم يكن يقصد طرح هذا السر في الطرقات بالطبع، حدث ذلك في جلسة شراب، بالضبط بعد الكأس السادسة، وكان يمضغ الباقلاء ويمص الليمون وينفث دخان سيجارته، وعندما انقطعت الموسيقى، سمع الشيطان يهمس في أذنه: قل له، قل له . فقال للأب الذي لم يكمل كأسه، قام من ساعتها، وفي رأسه ينعق ألف غراب وغراب ، وصل البيت ودعا إخوتها، فكانوا أمامه صفًا ساكنًا على رأس كل منهم غراب، قال: أن أختكم حلمت بشاب وتزوجت منه في الحلم وأنتم لا تعلمون !!. شحذ الأخ الأكبرسكينه، وعبّأ الاخ الوسط مسدسه، قال الأصغر: اتركوها لي، فأنا لم أتزوج بعد، ولن أترك خلفي حين أذهب إلى السجن أطفالا .

انتظروا البنت على باب الدار ليكون غسل العار أمام الملأ، انتظر معهم حشد من الجمهور، كانوا يصفقون وكل واحد منهم يرى في السكين صورته السرية، بعضهم رأى فيها خلاصًا لسرّ يأكل روحه، لكن صبيًا من الجيران، دفعته النوايا البريئة التي لم تلطخها الأعراف بعد، وصل للبنت قبل الجميع، قال لها قبل أن تعود من زيارة عمتها: اهربي يا بنت، إنهم يكيدون لك كيدًا عظيمًا.

فهربت إلى الشمال وهربت إلى الجنوب، ثم اختفت مدة في الشرق و شهرين ثلاثة في الغرب، وكانت سكاكين الأخوة تلمع في النهار وفي الليل، نبشوا كل سنتمتيرًا في الخريطة بحثًا عن الأخت التي تزوجت في الحلم من شاب قالت عنه أمها أن له وجه غراب. صار العالم في عين البنت فمًا هائلا لذئبً جائع، فلفت نفسها بالعتمة، وكتمت صوتها، قالت عندما سألوها، أنها بنت مقطوعة من شجرة، ثم جاء رجل من أقصى العالم، قال: أنه غريب ويبحث عن غصن من شجرة البلاد، فتزدهر له حديقة طبق الأصل من حديقته التي تركها هنا، فقصت عليه البنت ماكان من أمر الشاب الذي نامت معه في الحلم، وما كان بعدها من لقطة السكاكين التي تتجول في كل مكان، وكيف أن العالم كله صارعينًا واسعة تلتقط كل حركة تقوم بها، وأذنا كبيرة تنصت لأنفاسها، قال: هل تجيئين معي إلى آخر الدنيا فتعيشين معي عيشًا كريمًا؟ وافقت البنت التي كبرت عامًا آخر، قال: بشرط أن لا تحلمين بشاب وتتزوجينه دوني. فردت عليه أن لا حاجة لها بالحلم مادامت معه.

  وبعد ثلاثين عامًا قضتها في أقصى العالم، قالت يومًا ما لزوجها وأولادها الثلاثة وأحفادها الخمسة : أريد أن أذهب إلى الحي القديم، لن يعرفني أحد، فأرى بعض ما تركته هناك من ذكرى ولو من خلف حجاب، أوعبرعتمة النسيان. قال زوجها الذي عاش طوال حياته غريبًا: أخاف عليك . قالت لا تخف، أزهرت أجيال بعدي، وتكاثرت مصائب، وتغيرت أحوال، والذي غاب فقد غاب، لم يعد يذكره الناس. ثم انها وصلت في ليلة، ولم يمر سوى نهارعلى ذلك، جاءت امرأة يسمونها البومة، وقفت على باب الأخت التي حدثت زوجها قبل واحد و ثلاثين عاما، قالت : لقد رجعت أختك التي حلمت وتزوجت في الحلم . الأخت شكرتها، لكنها كررت همسها، قالت لابنها أن له خالة هنا، وهي ذاهبة لرؤيتها: لا تذكر يا ابني شيئا من هذا فيكيدون لها. وكان صدرالابن ضيّقا، لم يحتمل حجم الحكابة، قال لخاله أنه رأى امرأة تشبه أمه تسكن في الجوار، والأخ قال للشيخ أبيه، يا أبي عادت البنت ،عرفت الأم التي قالت من قبل ـ لا تقصصي يابنت رؤياك ــ  جاءت تتوكأ على عكازها، لكنهم سبقوها، ابنها وسبطها وحفيدها، وابن عمها يقودهم زوجها الشيخ على عكازه، ورأت السكاكين تقطر بالدم، فقالت: ألم أقل لك يا بنت لا تقصص رؤياك، وألقى صرّة الحلم في نهر النسيان 

 

مقالات من نفس القسم