في حجرتها رمت الأزهار على فراشها في عشوائية وشجن، واقتربت من مرآتها التي تراصت أمامها أمواس حلاقة وزجاجات صبغة يود ونفتالين، وعندما نظرت إلى الأمواس شعرت بقشعريرة تملأُ جسدها من فكرة قطع شرايين اليد اليسرى؛ لذا فقد رفضت الفكرة على الفور وانتقلت إلى فكرة تجرع صبغة اليود أو ابتلاع النفتالين، وهذه الفكرة أيضا نالت الرفض القاطع منها فهي لم تكن تستسيغ أى شيء مر في حياتها، فكيف تشرب صبغة اليود أو تأكل نفتالين؟، لذا قررت أن تصعد حتى سطح المبنى لترمي بنفسها من فوقه.. وما أن فتحت باب حجرتها حتى هالها ما رأت، لقد اشتعلت الشقة بالنيران.. نار صفراء كبيرة تأكل كل ما أمامها، تملكها الهلع بضع دقائق، إلا أنها سرعان ما فاقت وفي رأسها هدف واحد هو أن تخرج من الشقة حية..
كانت منذ قليل حزينة تريد أن تفارق الدنيا، ولكن الآن انتصر أقوى ما لديها، غريزة الحياة، فأمسكت ببطانية فراشها أخذت تطفىء وتزيح بها النار عن طريقها حتى وصلت إلى باب شقتها، وما كادت أن تفتحه حتى اعترضت طريقها علاقة ملابس محترقة، وأصبحت “رقية” محاصرة بالنيران من خلفها ومن أمامها.. كان الحر شديد وأحست بروحها تخفق بين ضلوعها تطالبها بالاستسلام، وبأنها في النهاية كانت تريد الانتحار إذن النتيجة واحدة.. ولكنها لم تستمع لما يدور في نفسها، بل قررت أن تنجو بنفسها تحت أي ظرف أو على الأقل تموت وهي تحاول النجاة، اندفعت نحو باب الشقة وبالبطانية التي في يدها أزاحت علاقة الملابس فتحت الباب هاربة.
في الخارج تنفست الصعداء.. كان الهواء ساخنا ويحمل رائحة الحريق إلا أنها كانت أسعد ما يكون بهذا الهواء، فهي لا تزال على قيد الحياة وهذا أول دليل على ذلك.. في الصباح كانت في عملها نشيطة سعيدة، مما جعل زملائها يتساءلون: كيف تكون سعيدة والبارحة فقط احترقت شقتها؟.
عند منتصف النهار جاءها معتذرًا، يحمل أزهارًا وشيكولاته، يطلب الغفران وإمكانية الرجوع إليها، نظرت له باسمة ثم قالت: لقد هجرتني البارحة لذا نويت الانتحار، واليوم أنا أسعد ما أكون لكوني لازلت على قيد الحياة.. لقد أعطاني الله فرصة أخرى وهي فرصة غالية حقا، لذا فإنك لا تستحق أن أهدرها معك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم سمير أحمد
قاصة – مصر
ـــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة للفنان: محسن رفعت
ــــــــــــــــــــــــــــــ
خاص الكتابة