غُــربة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

نها أحمد

مرحبا..
أكتب اليك من صندوق حجرى، تغلب عليه الفوضى، الساتر الذى يفصل بينى وبين الفضاء الخرب تهدّم، متعلقاتى تكذب بشأن الانتقال الى الضفة الأخرى، وحين لا أجد ما ارتديه أشحذ جلدى فأوسّعه قدر الإمكان وأحيكه قميص حيادي اللون، بينما أنقّب عن بعض الحمرة كى أعيرها وجهى، أتيقظ فجأة على صرخة الجدار –نحن هنا عالقون!- أرد استغاثته بأسوأ منها وأرحل..

مُربكة تلك العملية، أستسلم وأسلّمها لك، جميلة هكذا كما يرانى، ولا أرى إلاك، تنقض على الأحلام أول أمس، تغرق وجهك فى كل الملفات والأرقام والعملاء، ألّوح بكل جهدى لمصدر الإلهام "أنت تسير فى الاتجاه الخاطىء" ولكنه يمضي رغم تحذيرى ولا أسمع شيئا عن مصيره بعد الآن!  

أمي تقطع خيالى بسؤال لم أكن أعرف إجابته من قبل، أنتبه.. لكنى أملكها الآن، أصبح لي لقب يستخدمه الناس، وعندى هاتف خاص ولى كوب برتقالي، الآن أيضا صرت أخمن عدد الوريقات قبل فرزها، آخذ حقي كاملا من سائق التاكسى وأعود الى بيتى فى الحادية عشر ولا أفقد أعصابي فى الطريق.. أخبز"كيكة الشيوكولاتة" دون التسبب فى حماقة قاضية، أبتاع أشياء قيمة كثيرة، وأذهب إلى عملى كامرأة تحب أن تراها كل يوم، أرأيت كيف أستطيع أن أفعل كل هذا بمفردى؟!

.. ولكنى آسفة مازلت فى حاجة إلى وجودك.

أطفو فوق الأيام، أفكّر كم سيجعلنى الغياب مشتهاة لديك؟ المرآة التى تعرف الحكاية جيدا تجيب بالسلب.
أريد أن أراك وأنتظر بصبر أن يعود الوقت الذى نتشارك فيه كل شىء، كل الأخطاء والأخبار والحواديت.
اليوم مثلا؛ ارتكبت خطأ صغيرًا، عنّفني رئيسي بسببه، ظننت أن التصرف الطبيعي هو أن أمسك هاتفي وأقص عليك ما حدث، أعنى.. من البديهي أن يتناول صدرك الواسع تهدئتى لكن عوضًا عن ذلك عدت إلى بيتى وقضيت الليلة فى صمت شديد.

تحديث..
غضبي لا يقل وإعراضى عنك لا يفيد، أدفع بك خارج عالمي وأدفع عالمى الى حيث أضل طريقه، أنت أول رجل أحارب كي أنزع عنه صفة الأحياء، كي أحوّله من رجل أستطيع لمسه الى كتابة ينتهى منها صاحبها ويمضى. انتظرت تهنئتك ليلة العيد أو تعليقك على هوايتى الجديدة أو رسالة بالخطأ لصديق كنت تظنه أنا، أو اعتذار تلقيته بالفعل، ولكنى مازلت أطمع فى نسخ أخرى!

ألا يمكن أن نعود كما كنا؟ ان نتحادث طويلا أو نضحك أو نتعارك، هل يمكن أن نهيم بسيارتك ونستمع إلى أغان وحدك تحبها؟ أو أن تمسك يدي -أعنى هذه المرة بحق- هل يمكن أن تأتى دون أن أنتظرك كما كنت تفعل دوما؟ ماذا لو عوضا عن ذلك قررنا ان نصبح اثنين – مجرد اثنين - يتبادلا التحية والحكايات والمصافحة والشيكولاتة الساخنة؟ 

أستطيع ان أمضي قدمًا أنا الأخرى، أن أسكّر كل النوافذ المطلة عليك، كل الجدران التى أقف فى رحابها متعللة ببقايا ظلك، متعلقة به، كمظلة تحميني من فضول الآخرين، أعترف.. أشعر بغصة العشم الذى تكسّر فوق رؤسي وهدم بيتي، كنت كسلة فاكهة عطبت ثمراتها فى آن واحد، كطاعون ينتشر بلا راد، فلا حول لها ولا قوة.. أشعر بمرارة وضيق زائر لم يجد شيئًا مما وعده به أصحاب الملك ولكنه أصبح وقتها جائعا جدا ويائسا جدا ولا يملك طريقا غيرهم..

كان للحياة وجه ٌعذب كوجه طفلة، والآن ليست إلا غول لا نأمن خطوته القادمه، لهذا ربما أحلم دائما أن أعود إلى وجهك الذى لم يصبح إلا حطامًا، أجمعه وأدغدغه كل ليلة قدر المستطاع

نداء..
أيتها النقطة الخضراء فى أعلى الشاشة.. أتوسل اليكي، أضيئى!
متى استبدل البشر حنيّتهم المعهودة بكتلة من الجمود؟ كيف تحولت حاجتهم وأخبارهم وصباحهم ومأواهم الى وهم كنا نحن فقط من يصدقه؟ لا شىء.. لا شىء على الإطلاق سوى الخذلان الذى نجد أنفسنا أمامه كإجابة اخيرة ووحيدة. 

إلى الكتابة الأم التى أسقط بين ذراعيها حين أفلس من سبل الحياة، آسفة.. كنت ظننتنى -ولأول مرة- سعيدة!

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

 كاتبة مصرية
 

مقالات من نفس القسم