إبراهيم أبو عواد
وُلد الفيلسوف وعَالِم الرياضيات الألماني غوتفريد ليبنتز ( 1646_ 1716) في لايبزيغ بولاية سكسونيا. كان والده أستاذًا للفلسفة الأخلاقية في جامعة لايبزيغ. ورث الصبي فيما بعد مكتبة والده الشخصية. وقد مكَّنته هذه المكتبة من دراسة مجموعة واسعة من الأعمال الفلسفية واللاهوتية المتقدمة، تلك التي لَم يكن ليتمكن من قراءتها حتى سنوات دراسته الجامعية. وقد كانت غالبية كتب والده باللغة اللاتينية، وهذا أدى إلى إتقانه اللاتينية في سن الثانية عشرة.
يشغل ليبنتز موقعًا هامًّا في تاريخ الرياضيات وتاريخ الفلسفة. أسَّس ليبنتز علم التفاضل والتكامل بشكل مستقل عن العَالِم الإنجليزي إسحاق نيوتن، كما أن رموزه الرياضية ما زالت تُستخدَم بشكل شائع منذ أن تم نشرها والتعريف بها.وقوانينه مِثل:” قانون الاستمراية ” و”قانون التجانس الفائق”، كشفت بُعد نظره، ولَم يتم العمل بها في علم الرياضيات حتى القرن العشرين. كما أنه كان أحد أكبر مُنتجي الآلات الحاسبة الميكانيكية، وبينما كان يعمل على إضافة عمليتَي الضرب والقسمة لحسَّابة باسكال، كان الأول في التعريف بآلة الحساب الدولابية الهوائية، كما أنه اخترع “عجلة ليبنتز” والتي استُخدمت في المتر الحسابي، وهي أول آلة حاسبة تم صنعها وإنتاجها بشكل تجاري، كما أنه عدَّل النظام الرقمي الثنائي، وهو النظام التي تقوم عليه الحواسب الرقمية.
أمَّا ما يخص الفلسفة، فقد عُرف عن ليبنتز “تفاؤله” كاستنتاجه بأن هذا الكون هو أكمل خَلْق اللَّه، بحيث لا يمكن أن يوجد أكمل منه. كما أنه كان، بالإضافة إلى رينيه ديكارت وباروخ سبينوزا، أحد أعمدة الفلسفة العقلانية خلال القرن السابع عشر الميلادي. عمله الفلسفي مهَّد الطريق للمنطق الحديث والفلسفة التحليلية، وكان أيضًا مُتَعَلِّقًا بإرث الفلسفة المدرسية القروسطية، والتي يَقوم الاستنتاج _ أو الاستنباط _ فيها، من خلال استعمال العقل والعمل به على المبادئ الأولية والبديهيات، وليس على الدليل التجريبي.
قام ليبنتز بمساهمات كبيرة في علم الفيزياء والتقنية، كما أنه تنبَّأ بأفكار ظهرت لاحقًا في الفلسفة. وله إسهامات هائلة في نظرية الاحتمال، والبيولوجيا، والطب، وعِلْم الأرض، وعِلْم النَّفْس، واللغويات، وعِلْم المعلومات. ألَّفَ في الفلسفة، والسياسة، والقانون، والأخلاق، واللاهوت، والتاريخ،وفلسفة اللغة.وهذه المساهمات العريضة كانت منشورة ومُوزَّعة ما بين دوريات وعشرات الآلاف من الرسائل والمخطوطات. كتب بلغات عِدَّة أهمها : اللاتينية، والفرنسية، والألمانية.
يَظهر تفكير ليبنتز الفلسفي مُجَزَّأ، لأن كتاباته الفلسفية تتكوَّن بشكل رئيسي من العديد من القطع القصيرة: مقالات المجلات، والمخطوطات التي نُشِرت بعد وفاته بفترة طويلة، والعديد من الرسائل إلى العديد من المراسلين. وقد كتب أطروحتين فلسفيتين طويلتين فقط.
قدَّم ليبنتز نفْسه كفيلسوف في خطابه حول الميتافيزيقا، الذي ألَّفه عام 1686. ولَم يُنشَر حتى القرن التاسع عشر.
وفي عام 1695، دخل ليبنتز في الفلسفة الأوروبية بمقال صحفي بعنوان ” النظام الجديد لطبيعة وتوصيل المواد “.
قام بتأليف مقالاته الجديدة عن التفاهم الإنساني، وهو تعليق مُطوَّل على مقالة جون لوك ( 1690 ) حول فهم الإنسان. ولكن عند معرفته بوفاة لوك في عام 1704 فقد الرغبة في نشر هذه المقالة.
التقى ليبنتز مع سبينوزا في عام 1676، وقرأ سبينوزا بعض كتاباته غير المنشورة، ومنذ ذلك الحين يُشتبه في الاستيلاء على بعض أفكار سبينوزا. وفي حين كان ليبنتز مُعْجَبًا بعقل سبينوزا القوي، فقد كان رافضًا لاستنتاجات سبينوزا، خاصةً عندما كانت لا تتفق مع العقيدة المسيحية.
وعلى عكس ديكارت وسبينوزا، كان ليبنتز يملك تعليمًا جامعيًّا شاملًا في الفلسفة. تأثر بأستاذه في لايبزيغ جاكوب توماسوس، الذي أشرف أيضًا على أطروحته الجامعية في الفلسفة. كما قرأ ليبنتز بفارغ الصبر فرانسيسكو سواريز، وهو يهودي إسباني يَحظى بالاحترام والتقدير حتى في الجامعات اللوثرية.
يرتبط اسم ليبنتز بالتعبير ” دالة رياضية ” ( 1694 ) التي كان يصف بها كل كمية مُتَعَلِّقة بمنحنى، مِثل: مَيل المنحنى، أَو نقطة معينة على المنحنى.
ويُعتبَر ليبنتز مع نيوتن المُؤسِّسَيْن لِعِلْم التفاضل والتكامل. وقد طوَّر ليبنتز مفهوم التكامل وقاعدة الجداء ( تُدعى أيضًا قانون ليبنتز )، وهي قاعدة تُستخدَم لحساب التفاضل لجداء توابع قابلة للمُفاضلة، كما طوَّر المفهوم الحديث لمبدأ حفظ الطاقة.
…………..
*كاتب من الأردن