غواص فى بحرالكتب

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

فيما يلى مجموعة من الكتب التى تستحق القراءة، وتستأهل أن تأخذ جزءا من وقتك، إنها كتب يمتلىء بالإجابات، ولكنها أيضا تمتلئ بعلامات الإستفهام، وتترك لك مساحة  واسعة لكى تفكر وتتأمل وتناقش.

شارع الهرم(1)

أرشح لكم بقوة للقراءة الممتعة كتاب الذكريات والمعلومات الشيقة “شارع الهرم وفرق موسيقى الشباب فى السبعينات” لمؤلفه الروائى (الذى أحب كتاباته كثيرا )عادل أسعد الميرى . يمكن أن نعتبر الكتاب الصادر عن آفاق للنشر والتوزيع جزءا من سيرة المؤلف إذ يحكى فى سرد متدفق عن العصر الذهبى لشارع الهرم فى السبعينيات والذى استمر حتى أحداث الأمن المركزى فى العام 1986 .. إنه ايضا العصر الذهبى للفرق الموسيقية العربية والغربية، كان عادل اسعد الميرى عضوا فى فرقة لعرف الأغنيات والموسيقى الغربية، وبالتالى فإن شهادته على المكان والبشر من قلب الصورة، ومن أفضل زاوية . ستعرفون من الكتاب الكثير عن فرق مثل البيتى شاه والبلاك كوتس، وسترون أيام اسماعيل الحكيم اين توفيق الحكيم، وقد توفى هذ العازف الموهوب فى سن صغيرة. سترون عمر خورشيد فى ذروة تألقه، وفرقة الفور إم فى بدايتها ، والمطرب القدير عبد العزيز محمود وقت أن انحسرت عنه الأضواء، وسيسجل الكتاب بدايات محمد منير ومحمد فؤاد وعمرو دياب . دراما إنسانية هائلة تؤشر الى تغيرات اجتماعية واقتصادية هامة وخطيرة .. عادل الميرى يحكى ايضا قصة حبه للموسيقى، ومصادر ثقافته فيها، وكيف كون فرقة مع زملائه فى مدينة طنطا تقدم الموشيقى الغربية ، كما يشرح ويبسط كثيرا من المصطلحات الموسيقية .. صورة الغلاف لسيارته الفولكس الصفراء الصغيرة التى رافقته فى مشاويره للعزف فى ملاهى شارع الهرم . هذا الكتاب من امتع ما قرأت فى 2015، قرأته فى جلسة واحدة مستمتعا ومستفيدا ومتأملا ، لم أكن اريده أن ينتهى، أتمنى أن يواصل عادل الميرى فتح خزائن ذكرياته الثرية . هذه شهادة ضرورية على زمن التحولات الكبرى فى حياة مصر والمصريين .

نجاة الصغيرة1

(2)

أعتبر هذا الكتاب الوثائقى الفخم وعنوانه “نجاة الصغيرة” لمؤلفته رحاب خالد، والصادر عن دار الكرمة، أحد أفضل كتب 2015.  يتضمن الكتاب سردا سلسا وشيقا لحياة الفنانة العظيمة نجاة الصغيرة منذ طفولتها حتى آخر أغنياتها، ويتوقف بالتحليل والتفصيل عن علاقة نجاة مع والدها فنان الخط العربى الكبير حسنى البابا، ومع أختها الممثلة سعاد حسنى، ومع زوج نجاة ووالد ابنها  الوحيد وليد، وكانت قد انفصلت عن زوجها بعد فترة قصيرة من الإرتباط به، كما يتوقف الكتاب عند محطات نجاة الغنائية الهامة،  عن فرقة كونتها نجاة مع إخوتها وهى صغيرة، عن تقليدها فى البداية لأم كلثوم، و عن تجاربها مع أستاذها عبد الوهاب فى أعمال لا تنسى مثل :”أيظن”و “لا تكذبى” و” ساكن قصادى وباحبه” . فى الكتاب ملامح عصر كامل بكتابه وصحفييه ومطربيه: كامل الشناوى، وعبد الحليم، وبليغ حمدى، وجليل البندارى، وصلاح جاهين، ومصطفى أمين. حفلات أضواء المدينة، وأعياد الثورة، و أصداء الحركة الفنية فى الصحف والمجلات . هناك طوفان من الصور النادرة الأصلية، بعضها أشك أن يكون موجودا عند نجاة شخصيا، كما أن هناك ملحقا تفصيليا بكل أغانى نجاة  منذ طفولتها استنادا الى دفاتر الإذاعة و بيانات الأسطوانات النادرة. كتاب تحتفظ به كوثيقة نادرة، عن صاحبة الصوت التى وصفه كامل الشناوى بأنه مثل “الضوء المسموع” ..  سعادتى بالكتاب لا توصف لأننى من عشاق صوت نجاة من زمااان .. ولأن رحاب خالد تستكمل مسيرة كبار مؤرخى فنانى الغناء .. وأتمنى أن تواصل هذه السلسلة التى تكتبها بحب يعلن عن نفسه فى سطورها ..  هذا المجلد الضخم تحفة .

خير الله الجبل

(3)

بداية جميلة لقراءات 2016 فى الرواية المصرية.. أتحدث عن رواية “خير الله الجبل” لعلاء فرغلى الصادرة عن دار العين للنشر . مفاجأة سارة من سارد يعرف عالمه، ويمتلك أدواته، وينظر الى شخصياته بروح متعاطفة ومحبة. الرواية تتحدث عن مصر الأخرى المهمشة، وتذكرنا بعالم الراحل خيرى شلبى، وبسرده المتدفق. اختار علاء أن يقدم عالم عزبة خير الله منذ بداية زحف المهمشين للإقامة فيها، مرورا بسنوات التهديد بالطرد والإزالة، وصولا الى شق الطريق الدائرى للعزبة الذى يمر فوقها مثل طائرة عابرة. أجمل ما فى هذه السردية ذلك الإحتفاء بالإنسان، وعدم الإنزلاق الى المباشرة أو البكائية، والبراعة فى رسم ملامح الشخصيات، والإحتفاء بالتفاصيل، وروح السخرية التى تتسلل ما بين السطور، ورصد لحظات التحول من مجتمع هامشى الى مجتمع مستقل تقريبا، له قادته الذين ورثوا دور الدولة، بل إن الرواية منجم حقيقى يجب أن يثير اهتمام أساتذة العمران وعلماء الإجتماع والفلكلور المصرى. أما عصب الرواية ومحورها فهو حكاية الفتاة صالحين وإخوتها الأربعة، إنها تحاول أن تصنع من ماضيها البائس وحاضرها الضبابى مستقبلا لأسرتها. وأعتقد أن الحكاية والرواية كلها تصلح بقوة لكى تتحول الى فيلم سينمائى هام ( يابتوع السيما).

أعجبتنى سلاسة السرد، بساطته، وكأن كاتبا من المكان يكتب عنه، لا تشغله المحسنات، ولا الحذلقة اللغوية، رغم قدرة الكاتب على ذلك، ولكن يعنيه أن ينقل إليك الصورة بكل تفاصيلها، يعنيه أن يؤثر فيك، وأن يأخذك لكى تكتشف مصر التى لا تعرفها، يعنيه أن يصل بالخبرة الإنسانية الشاقة الى مرتبة الفن الذى يؤثر ويتأمل معا، وأحسب أن علاء زيدان قد نجح فى ذلك الى حد كبير .

ستكون رواية “خير الله الجبل” بالتأكيد ضمن قائمتى لأفضل ما قرأت فى 2016 .

(4)

كلي لك

 “كُلّى لك” للكاتبة الأرجنيتينية كلاوديا بينّيرو، والصادرة عن دار العربى للنشر والتوزيع بترجمة خالد مكاوى، راوية مشوقة وجيدة الصنع، تجذب قارئها من الصفحة الأولى حتى الصفحة الأخيرة، بدون توقف، هكذاحدث معى، قرأتها فى جلسة واحدة. ظاهرها حكاية رجل يتورط فى خيانة زوجته، ثم تقوده الخيانة الى ما هو أسوأ، ويقود تورطه الزوجة الى ما هو أخطر، ينقلب مثلث العشق الى مربع.  ولكنى أرى فيها بالأساس رواية عن سوء التفاهم، وانعدام التواصل، بين ثلاثة أجيال من أسرة واحدة، وبين الزوجين معا. ما نراه هو ثمرة ونتيجة هذه العلاقة الصامتة والرتيبة. جمال الرواية فى حبكتها المدهشة، التى تقدم انقلابات متتالية فى المواقف والعواطف، وأفضل ما فيها الرسم  الجيد للشخصيات الثلاث المحورية : الزوج، والزوجة، والابنة التى تبدو فى عالم آخر لا يعلم عنه الأبوان شيئا. أراها حكاية عن افتقاد “الحب الحقيقى” بين الأبطال الثلاثة، عن علاقات الأزواج عندما يدركها ملل الإعتياد، عن غدر الأزواج، ومكرالزوجات، وحاجة الأبناء الى طريق ورفيق. هناك أيضا نبرة سخرية واضحة تبدأ من العنوان، إذ سرعان ما تفتح عبارة رومانسية الباب أمام كوارث متتالية.  وهناك كذلك براعة حقيقية فى السرد من خلال زوايا مختلفة، مع فواصل حوارية تخص الابنة، التى افتقدت دوما الحوار مع والديها، فعوضتها الروائية المتمكنة لتكون صوتا منفردا فى البناء. لا تنخدعوا، إنها رواية بوليسية من حيث الشكل فقط، ولكن مضمونها اجتماعى عميق وخطير، وهو يمس فكرة العائلة فى الصميم، العائلة فى كل مكان، وليس فى الأرجنتين فحسب .

(5)

السيرة الأبوية

استمتعت كثيرا بهذا الكتاب الذى يفيض عاطفة وصدقا . ” السيرة الأبوية ” لمؤلفه القاص والروائى الموهوب وليد خيرى، والصادر  عن دار العين، حكاية أب مع ابنه الصغير الذكى، الذى جعل والده يولد/ يُبعث من جديد. مهند ابن وليد جعل والده يكتشف معنى الأبوة، ومعنى المسؤولية، وبهجة الحكى، وحنان الأب البسيط، وعظمة الأم البسيطة، و خطورة النقش على الحجر، ولمعة العين من السرور، و وطعم دموع الفرح، وقسوة الإنتظار، ولوعة الفراق. أجمل ما فعله وليد خيرى أنه نقل أبوته الى الورق بعفوية وبدون صنعة لغوية على الإطلاق، نقل تقريبا كل البوستات التى كتبها عن ابنه الذى لا تملك إلا أن تحبه دون أن تراه،  بشكل  حرفى، نقلها بعاميتها، بأصواتها، بمشاعرها البسيطة المعبرة، بألوانها، وحتى بطفولتها البريئة التى تصل الى القلب. أجمل ما فعله وليد أنه كتب بحرية كاملة، جعل صنعته الروائية فى الخلفية، ومنح الأب الريشة ليرسم ابنه، وكل ما حوله، دون أن يترك الفرصة لكى يقدم خبرته أحيانا للآباء، ودون أن يدين ذلك التعليم الغبى الذى يقتل القدرات والمواهب، ودون أن يسجل دهشته من حضور الطفل، حضور الفطرة السليمة، والذكاء الذى لم تفسده رتابة الحياة،  و بلادة الأحياء.

ستضحك كثيرا على حكاية حب الطفل مهند لزميلته الطفلة، على استغلاله لمهنة والده كسيناريست، على ابتزازه لحنان الأب، على الحكايات التى اخترعها وليد لابنه، وستشعر بلحظات شجن لا تنسى مع فراق  الأب لمهند بعد انتهاء الأجازة، ومع تذكر وليد لوالده المكافح الذى كان يعلمه ويحمله على الدراجة، ولأمه التى  تعامله كطفل حتى اليوم. ترك وليد خيرى الحكاية لتكتبه، أوصل الكى بورد بمشاعره، وبعواطفة، فصنع كتابا ممتعا ينضح براءة وشاعرية، بدون فذلكة أو استعراض. انفصل والدا مهند بالطلاق، ولكن الصبى الجميل كان محظوظا بوعى الجميع  وحرصهم على أن يعيش حياة أفضل. كتاب مفعم بالأمل، ينبض بالحياة وإرادتها، هذا أب أنجب ابنا، فمنحه الابن حياة ثرية إضافية. استمتعوا بسرد جميل كتبه قلب الأب، لا قلم الروائى.

(6)

الطيور على أشكالها1

أرشح لكم بقوة قراءة كتاب “الطيور على أشكالها تطير” الصادر عن دار العين للصحفى المصرى المتميز المقيم بأمريكا توماس جورجسيان. رحلة ممتعة كتبها توماس بحساسية وبساطة عن فن الاستمتاع بالحياة، عن الثقافة والمثقفين، عن الحنين للمكان وللبشر. تأخذنا كتابات توماس المدهشة من وسط البلد فى القاهرة، الى عيد الأب فى أمريكا، ومن مشاهدة فيلم تحريك مرشح للأوسكار ، الى الحديث مع إحسان عبد القدوس فى مكتبه بجريدة الأهرام، ومن حديث نجيب محفوظ عن “نشارة الخشب”، الى صحبة سميح القاسم فى شوارع مصر. تمتزج الفصحى والعامية فى سبيكة براقة مفعمة بطاقة حب هائلة للإنسان،ينتقى توماس ببراعة اقتباسات ذكية ودالة، ينظمها عقدا ملونا وجميلا، تتجاور فيها حبات اللؤلؤ: أشعار محى الدين بن عربى، “أحلام” كوروساوا، عبارات جبران الحكيمة، شهادات توفيق الحكيم، رباعيات صلاح جاهين،  حكايات فان جوخ. يلتقط توماس اللمسة، و اللمحة، والنظرة، والموقف، والفكرة، والإشارة،و الخاطرة، يعيد بناءها من جديد فى ضوء خبرته وثقافته، يكتب عن والده، عن أمه، عن الأستاذ عبد اللطيف مدرس اللغة العربية. سياحة إنسانية عن البشر فى بحثهم الذى لا يتوقف عن الحلم والسعادة.

الطيور على أشكالها تطير” رحلة مرشدها السياحى حكواتى بالفطرة، مصطبجى محترم يشرب الشاى وسط الحبايب على  مقهى بالحسين،  يهمس ولا يصرخ، توماس نفسه نموذج لعبقرية مصر الحلوة التى  كانت تنصهر فيها كل الثقافات ، مصر المنفتحة والمتسامحة، طيوره وبحاره وأفلامه وشخوصه يطوفون بنا العالم، الإقتباسات التى رصع بها توماس كتابه تصنع وحدها كتابا مستقلا، وتقدم إليك خلاصة التجربة الإنسانية، شوب عصير ثقافة وفن وتأمل وفلسفة فى صيف الجهل والتعصب وغياب الوعى.

هذا كتاب استمتع كاتبه بكتابته، فحق على قارئه أن يستمتع به.

egypttoday-مخيون

(7)

هذا كتاب فريد وممتع .. “يوميات مخرج مسرحى فى قرية مصرية” الصادر عن هيئة قصور الثقفاة للفنان عبد العزيز مخيون ، يتناول بالتفصيل تجربته الرائدة فى متنتصف السبعينيات لتقديم مسرحية “الصفقة” لتوفيق الحكيم فى عزبة ركى أفندى بأبو حمص بالبحيرة، حيث أسند بطولتها الى الفلاحين أنفسهم، بل إنه سمح لهم أن يقدموا رؤيتهم للمسرحية وتغيير عنوانها الى “صفقة توفيق الحكيم كما يراها فلاحو قرية زكى افندى ” . سمعت كثيرا عن هذه التجربة، وعن تجارب أخرى فى بدابة السبعينيات مثل مسرح القهوة، وهذا الكتاب يوثق التجربة بكل صعوباتها وطرائفها ووثائقها، يرصد مخيون تأثير تجربة التمثيل والمسرح على فلاحين بسطاء يمتلكون فطرة سليمة وأجهزة استقبال يقظة لم يكتشفها أحد .. مخيون فنان كبير لا يفعل إلا ما يؤمن به، كتبت عنه فى كتابى “وجوه لا تنسى” .. أحب له أدوار كثيرة جدا منها دوره فى تمثيلية “أغنية الموت” للحكيم أمام فاتن حمامة، ودوره فى مسلسل “سفر الأحلام” ، ودوريه الأشهر فى ” الشهد والدموع” و”ليالى الحلمية”، ولكن دوره فى هذه التجربة المسرحية الفريدة جعلنى أحبه أكثر، تخيلوا أن ينجح مخرج شاب وقتها فى اختيار 50 فلاحا ما بين العاشرة والستين عاما ليؤدوا مسرحية للحكيم تدور احداثها فى الريف ؟ شىء جميل ورائع، وشىء أروع أن يوثق التجربة فى هذا الكتاب الهام الجدير بالقراءة والإقتناء .

الوثائق الخاصة ليلى مراد

(8)

يمثل هذا الكتاب نموذجا لما يجب أن تكون عليه كتب التأريخ لنجوم الفن والغناء. “الوثائق الخاصة ل ليلى مراد” الصادر عن دار الشروق لمؤلفه الصحفى الفنى والباحث المدقق أشرف غريب يقدم لنا لأول مرة مسيرة حياة ليلى مراد العظيمة من خلال وثائق محددة. لا يقتصر الأمر على الوثائق الرسمية المعروفة فحسب، مثل وثيقة زواج ليلى مراد من أنور وجدى، أو وثيقة إشهار إسلامها، أو شهادة وفاتها فى العام 1995، ولكن مفهوم الوثيقة يمتد الى مقالات نشرتها ليلى مراد بتوقيعها فى الصحف والمجلات، ,و الى أخبار هامة نشرت عنها ( منها الخبر الخطير الذى نشر فى الأهرام وحوّل حياتها الى جحيم نقلا عن السلطات السورية التى زعمت أن ليلى زارت إسرائيل وتبرعت لها ب50 ألف جنيه)، وصور نادرة للقيثارة التقطها المصور الشهير حسين بكر، وكذلك كتيبات أفلامها الدعائية، وخطاب مكتوب بيدها لمحمد نجيب. تقريبا كل ما يمكن أن يوثق حياة هذه المطربة الكبيرة موجود فى هذا الكتاب، والأهم من الوثائق فى رأيى تحليل أشرف غريب لكل وثيقة، ووعيه فى هذا التحليل بالظروف السياسية والإجتماعية والفنية التى أحاطت بكل حدث.

يعيد الكتاب النظر فى كثير من المسلمات التى تواترت عن ليلى مراد، ينفى عنها أنها كانت لا تستطيع الغناء أمام الجمهور فى الحفلات، يثبت بالوثائق مدى وطنيتها لدرجة مشاركتها فى أوبريت عن فلسطين فى فيلم “شادية الوادى” وهى يهودية الديانة، يتوقف بالتفصيل أمام علاقة ليلى بأنور وجدى، وعند تأييدها للرئيس المصرى السابق محمد نجيب الذى غنت له ليلى نشيد “بالإتحاد والنظام والعمل”، ويقدم أشرف غريب نظرية جديدة بأن ليلى مرادلم تعتزل بإرادتها، ولكنها أرغمت على الإعتزال، بسبب تأييدها لنجيب، وهى نظرية تثير النقاش والجدل، ولكنه يؤيدها بكثير من الحجج والبراهين، كما بذل غريب جهدا عظيما فى توثيق أغنيات ليلى مراد، التى لا توجد قوائم يقينة بها حتى اليوم، سواء فى الإذاعة المصرية، أو فى أى جهة أخرى.

ربما يكون هذا الكتاب هو أدق ما نشر عن ليلى مراد حتى اليوم، وهو ثمرة بحث طويل، ومحاولة لجمع وثائق كان يجب أن تكون متاحة أصلا، لو كان لدينا  متحف للسينما (سينماتيك)،  أو حتى  مركز للتوثيق الفنى، لكن غريب أراد أن يسد هذا الفراغ، وأحسب أنه فعل ذلك بامتياز.. استمتعوا بحكاية زمن وحياة صاحبة الصور الفريد، وإحدى أيقونات السينما المصرية حتى اليوم .

28047408

(9)

ربما يكون هذا الكتاب أحد أذكى المعالجات والكتابات عن علاقة البشر مع الأغانى. “إذاعة الأغانى .. سيرة شخصية للغناء” الصادر عن دار الكرمة لعمر طاهر كتب بمذاق القصة القصيرة، وبذوق السميعة المغرمين، وبلون الحنين الى الماضى. اختار عمر مجموعة من الأغنيات التى جعلها جزءا من نسيج حكاياته فى فترات زمنية مختلفة، من الصعيد الى الأسكندرية، ومن القاهرة الى ريو دى جانيرو، ومن بنزرت الى مراكش. اتسع شريط الأغنيات لعبد الحليم وأم كلثوم، ولعلى عبد الخالق وأحمد فكرون، ولمحمد محى ومحمد منير، ولعمرو دياب والشاب خالد، ولفايزة و نور الهدى، وامتد حبل الدردشة والذكريات ليستوعب الجدة والأب والعم والخال والصديق والحبيبة، وانفتحت اللوحة على عالم واسع وعميق من التفاصيل، التى أعتقد أن عمر نفسه قد اكتشفها فى داخله، مثلما سيكتشفها القارىء .

بعض نماذج الحكايات أقرب ما تكون الى قصص قصيرة ناضجة ومؤثرة، وفى كثير منها سرد حر ينتقل بسلاسة وبراعة بين ثلاثة خطوط معا، تصبح الغناوى لونا أساسيا فى اللوحة، لايمكن أبدا الإستغناء عنه، وكأن الأغنيات جزء من حياة نابضة و حيّة، وليست مجرد كلمات وألحان وأصوات جميلة والسلام. يعبر عمر طاهر أيضا عن جيله الذى تفتحت ذائقته على منير والحجار وعمرو دياب، ولكنه يصبغ الحكايات بلون الأغانى، ويعطى الأغنيات أبعادا أعمق عندما تصبح جزءا من حكاية، ذلك أنه ” بينما تجرى الحياة، ثمة أغنية ما تدور فى الخلفية، وبينما تدور أغنية ما .. ثمة حياة تجرى فى الخلفية” . هكذا يجب أن تكتب الذكريات، وهكذا يجب أن نكتب عن الأغنيات. استمتعت بالإذاعة وبحكايات صاحبها، وأتمنى لكم أيضا أن تستمتعوا.

ادجار آلان بو

(10)

لا يفوتكم اقتناء هذا المجلد الهام الصادر عن المركز القومى للترجمة بعنوان “إدجار آلان بو .. الأعمال النثرية” من ترجمة غادة الحلوانى .. يتضمن هذا المجلد 26 قصة قصيرة من روائع الكاتب والصحفى والشاعر الأمريكى الكبير، وكان مركز الترجمة قد أصدر فى 2011 مجلدا لأشعار إدجار آلان بو تحت عنوان “وادى القلق” ، وهو الذى أثر عميقا فى عدد لا بأس به من الأدباء، كما وضع بصمة لا تنمحى فى تاريخ الأدب العالمى شعرا ونثرا، وهو أحد ثلاثة أسسوا لفن القصة القصيرة بجانب الفرنسى جى دى موباسان، والروسى العظيم أنطون تشيخوف . كان إدجار آلان بو من أوائل من قرأت لهم من الأدباء العالميين:  بالصدفة البحتة، عثرت بجوار جرامفون قديم فى بيت زوج عمتى، على كتاب قديم به ترجمات لبعض قصصه المرعبة، وما زلت مفتونا بهذه القصص حتى اليوم، اما حياة بو العاصفة ومعاناته النفسية والإنسانية فهى تصلح لكتابة رواية عظيمة أو مسرحية استثنائية، هو نفسه كان حكاية لا تخلو من الألم .. مجلد هام جدا جدير بالإقتناء .

مقالات من نفس القسم