أشرف عبد الشافي
ليلة القبض على المعنى فى الوادى الجديد
حفل الافتتاح كان يشير إلى المعنى الذى جئنا من أجله، هنا الوادى الجديد، وهؤلاء الذين تمتلئ بهم القاعة أدباء مصر فى كل محافظاتها جاءوا ليضعوا القدم ربما للمرة الأولى على أرض النخيل.
الكلمات التى بدأها مسعود شومان بصفته رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية ليست بعيدة عن المعنى، فالرجل بدأ مرحبا بالجميع ثم عرض فيلما وثائقيا عن تاريخ محافظة الوادى الجديد، ثم عرض أغنية بديعة عن النخل كرمز السلام والمحبة وعن النخل كعنوان للوادى، فالتمور هى كنوز الوادى التى سيتحدث عنها المحافظ بعد قليل.
الكاتب الكبير محمد سلماوى بشموخ جيل الستينات البارز فى القصة والرواية والمسرح وبثقافة واسعة وخبرات سابقة قال إن المعنى الحقيقى للثقافة المصرية بتاريخها وتراثها العريق وتنوع مشاربها يتلخص فى تلك اللحظة التى نعيشها كأدباء ومثقفين وتنويرين على أرض الوادى الجديد لنبدأ تفعيل الثقافة على أرضها البكر الخضراء، ونجدد موقف الثقافة المصرية من التطبيع مع الكيان الصهيونى.
حمدى سليمان أمين عام المؤتمر طالب وزارة الثقافة المصرية بتحرير فرق الفنون الشعبية من الحبس فى الاحتفالات الرسمية التى تقام تحت رعاية الدولة وتفعيل دور نوادى الأدب وقصور الثقافة وتطهيرها من العناصر الخاملة الراكدة، ولم يغفل موقف المثقفين من المطالبة بمزيد من الحريات السياسية وتحقيق معنى للثقافة كفاعل جماهيرى وليس نخبوىا.
وجاء الدور على المحافظ، فكان مفاجأة حفل الافتتاح، صعد بحيوية مقاتل إلى المنصة ولم يقرأ من كلمة مكتوبة، لكنه بلباقة فائقة استأذن القائمين على المؤتمر وعلى رأسهم الكاتب محمد سلماوى ليفتح حواراً مع القاعة ويجيب على أسئلة الأدباء، كان يعرف أن داخل كل هؤلاء سؤالا عن المحافظة الواسعة جدا والتى لا يسكنها إلا عدد قليل من البشر، عن كل هذه الخدمات المتوفرة للثقافة من قصر شاهق للثقافة ومكتبة عامة شاسعة ومركز استكشافى يضم مقتنيات وتراث المحافظة، ومعبد هيبس العظيم الذى يحتاج إلى تنشيط ثقافى كبير، وعن التمور ومشروع زراعة المليون ونصف المليون نخلة الذى أطلقة الرئيس عبد الفتاح السيسى، كان المحافظ يعرف أيضاً أن كثير من هؤلاء يفكر فى الانتقال للعيش هنا فى هدوء الوادى، فطرح مشروعا عظيما عن إمكانية دخول المؤسسات الثقافية كشريك فى شراء الأراضى للراغبين للاستثمار والإقامة على أرض الوادى، مؤكداً أن المحافظة تضمن كل التيسيرات لذلك.
….
غياب الوزيرة ومفاجأة المحافظ
أنا شخصيا قلت لنفسى: لقد خسرت الوزيرة كثيراً بغيابها عن لقاء المحافظ، فالرجل يبحث عن الثقافة لترويج (معنى) زراعة النخيل واعتماد الوادى عليه كأهم منتج اقتصادى لها، بل ويطرح فى حديثه للأدباء رغبته فى تأسيس جائزة ثقافية لهذا الغرض تحتفى بالنخيل بعد اعتمادة من اليونسكو كمنتج عربى،ويدعوهم إلى العيش إن أرادوا، فهل هناك فرصة أعظم للثقافة وللوزيرة من تلك ؟!.
لم أعثر على سبب واضح لغياب الوزيرة نيفين الكيلانى،وهل تعرضت لأزمة صحية مفاجئة !أم أن البعض نصحها بعدم الذهاب تجنباً لكثير من وجع الرأس مع أدباء الأقاليم ؟!، فتلك ـ ن وجهة نظرى ـ فرصة مناسبة لها للتعرف إلى هذا الحشد من أدباء مصر،فالمؤتمر يُعقد للمرة الأولى فى عهدها، وربما كان هذا سر تخوفها من دخول أرض لم تتعرف إليها بعد. وسألتُ حمدى سليمان أمين عام المؤتمر لأحصل على معلومة فقال إنها اعتذرت له عن الحضور بسبب وعكة صحية ووعدته بزيارة خاصة إلى الوادى الجديد،وكنت أظن أن معلومة نوبة المرض المفاجئة مبرر للاعتذار إلى أمين عام المؤتمر، لكن الناقد والمؤرخ شعبان يوسف أكد أن الوزيرة مريضة بالفعل!، فعندما اعترضت إحدى عضوات نادى أدب الإسكندرية على عدم حضور الوزيرة وعدم وسماعها كلمتها عن أزمة الكيانات الثقافية فى مصر،قال شعبان يوسف إن الوزيرة مريضة بالفعل،وقد حدث ذلك فى مائدة مستديرة كنت أديرها وبجوارى الأستاذ شعبان الذى أعفانى من الرد على سؤال لا أعرف إجابة محددة له.
عموماً،وبعد أن فتح المحافظ ذراعيه للثقافة والأدب،ومهما كان سبب الغياب فإن الوزيرة لابد وأن تفى بوعدها الذى قطعته لأمين عام المؤتمر وأن تستثمر ما تم فى المؤتمر لتبدأ فى مد الجسور مع المحافظ،فالرجل يريد اليوم ـ وليس غداً ـ جائزة عن النخيل والتمور، وحول سيادتك ـ يا سيادة الوزيرة ـ جيش من أدباء ومثقفين وباحثين فى الفلكور المصرى والعربى يعرفون كيف يتم تحويل تلك الأفكار إلى فعل ثقافى وحيوى وقادر على جلب موارد لوزارة الثقافة تكفيها شر السؤال فى كل مؤتمر عن محافظة تتكفل بمصروفات الاستضافة، لقد فاتك وجود محمد سلماوى بجانبك أيضاً، ومازالت الفرصة قائمة، وأظن كل ذلك يحتاج من الوزيرة جهدا فى بداية عهدها، ولن تحتاج أن تفعل شيئا إلا ما فعل هشام عطوة بكل احترام.
………..
فى الريسبشن
فعلنا كل شىء وروح شاكر عبد الحميد ترفرف حولنا،ظل حاضرا فى الهواء والشوارع وعلى اللافتات التى تحتفى بأدباء مصر على أرض الوادى، وخصص المؤتمر جلسات عن أعماله وتأثيره الثقافى كمعنى من معانى الحياة الثقافية كما جاء فى حديث أحمد سراج وحسين القباحى وأسامة الرحيمى ومحمود خير الله وشعبان يوسف.
فعلنا كل شىء،كانت الحافلات تتحرك فى التاسعة والنصف صباحا تدور بنا على ثلاث محطات وثلاث فنادق، فالندوات والموائد المستديرة تقام بالتوازى وفى وقت واحد بمكتبة مصرالعامة أو قصر ثقافة الخارجة أو فى المركز الاستكشافى، وفى الواحدة والنصف ستكون الحافلات بانتظارنا لتبديل المحطات، وفى الثالثة والنصف، والسادسة والنصف سيتكرر الأمر على مدار أيام المؤتمر..
وهذا ليس عيب المنظمين، لكنها الضرورة التى أكدها لى الأستاذ (وليد فؤاد) مدير إدارة المؤتمرات وأندية الأدب،فأيام المؤتمر معدودة والمناقشات كثيرة، والأماكن المخصصة للحضور لا تستوعب تجميع كل هذا العدد من الأدباء فى مكان واحد.
وعلى باب الفندق فى مواعيد الغداء تلتقى الوجوه وتدور حوارات قصيرة لنستعد لنشاطات المساء،وفى مقاعد الحافلات تلتقى الوجوه ونبتسم ونتعرف ونتبادل الكتب ويسعى الأدباء الشباب إلى تعريف أنفسهم للوافدين من القاهرة وما حولها،ونلقى الضحكات أحياناً، ونعود فى حالة إرهاق لا يتجدد إلا بخطف جلسات قصيرة فى الريسبشن يتهامس الأدباء خلالها بسخرية أحياناً،وغضب ومرارة عن الذين ركبوا الطائرة والذين جاءوا بالأتوبيس!،وعن أسماء بعض الأدباء الذين أصبحوا مقرراً على الإقليم الذى ينتمون إليه، وكيف يكتسبون الشهرة ويستحوذون على مكاسب المؤتمرات لانفسهم من دون تقديم جيل جديد أو وجوه شابة من هذا الإقليم أو ذاك، الجميع يجأر بالشكوى من لوائح نوادى الأدب الداخلية وطريقة توظيف القائمين عليها، الجميع يسأل متى يتم تحقيق العدالة الثقافية، عشرات من هؤلاء لا تعرفهم المجلات الثقافية لأن الممثلين عنهم فى محافظاتهم لا يسمحون لهم بالظهور والمشاركة ولا بترشيح أعمالهم للنشر، والبحث عن (المعنى ) يتطلب غربلة شاملة وضخ دماء جديدة فى عروق وشرايين وأوردة وخلايا نواي الأدب وقصور الثقافة والجمعيات الثقافية.
أما نوادى المسرح فليسمح لى الفنان هشام عطوة وهو الرجل المسرحى والأكثر خبرة منى بأن يراجع التجارب المسرحية التى قدمتها تلك النوادى فى التسعينات وكيف نافس أبناء المحافظات على أكبر جوائز المسرح التجريبى آنذاك،ويمكن الاستفادة بخبرات الناقد أحمد عبد الراق أبو العلا الذى قام بتوثيق كل هذه التجارب.
………..
البحث عن معنى من جديد
إذا كان البعض ـ وأنا منهم ـ قد سخر من عنوان المؤتمر، إلا أنه مُلهم إذا ارتضينا تشريح الجثة قبل أن تتعفن، فالمعنى الحقيقى لابد وأن يبدأ من حيث انتهت الدورة الخامسة والثلاثين بتحرير المثقفين والأدباء الكبار من أدوارهم الوظيفية واستغلال طاقاتهم فى تطهير وتجديد الروح داخل كل أندية الأدب والمسرح وتجريف التربة القديمة فى كل محافظات مصر، كيف يكون لدّى قامات تحمل خبرات كل أقاليم ومحافظات مصر وأكبلهم بأعباء وظيفية ترهق كاهلهم وتجعلهم عرضة للانتقاد، لماذا يتحمل مسعود شومان وحمدى سليمان وعبده الزراع وغيرهم من مبدعين وأصحاب خبرات بالثقافة الجماهيرية مسؤليات تسكين الأدباء وترضية الغاضبين والبحث عن حلول لمشاكل إدارية لم تتوقف طيلة أيام المؤتمر !.
لقد رأيت الكثير من المبدعين الكبار وقد سقطوا فى فخ الوظيفة والمسؤليات الإدارية التى لم تمنعهم من المشاركة فى الفعاليات، وقد صنع مسعود شومان حالة من البهجة بسهرة فنية مع السيرة الهلالية وقدم منشدين جدد للسيرة سنعود للحديث عن شابين قدمهما مسعود يمتلكان موهبة كبيرة،ومع ذلك كان يحرص مع الأمين العام ومدير عام الإدارة المركزية للشئون الثقافية على حضور كل الفعاليات ولو لدقائق معدودة تسمح بتوزيع الابتسامات والاطمئنان على أن كل شىء يسير بشكل جيد!.
هؤلاء وعشرات معهم من أبناء الثقافة الجماهيرية التقيت ببعضهم فى الوادى يحملون خرائط كل المحافظات الجغرافية والثقافية ويمكن استغلال وجودهم فى المؤتمرات بصورة أفضل تسمح لهم بتحقيق فعل ثقافى ليتحقق (المعنى)، وهو ما ينطبق على هشام عطوه نفسه كرجل مسرح بالأساس أُسندت إليه مهمة كبيرة يستطيع الإبداع من خلالها فى النهوض بمسرح الثقافة الجماهيرية وتجديد الروح فى نوادى المسرح وأن يقدم نفسه كفنان قبل أن يكون مسؤلاً يحرص كل يوم على القيام بجولات للفنادق الثلاثة التى يقيم بها الأدباء، فهو يعرف أن غيابه أو عدم ترحيبه بهم سيجر عليه القيل والقال وقد يتعرض لحملة هو فى غنى عنها، لذا قام الرجل بدوره البرتوكولى من لقاءات رسمية وحضور افتتاحيات وترك للأدباء مؤتمرهم من دون تدخل فيما لا يعرف، وأظن السيدة نيفين الكيلانى كانت تحتاج الجرأة نفسها لتقوم بهذا الدور بجانبه لتحصل وزارة الثقافة على نجاح كبير يضمن لها موارد هى فى غاية الحاجة إليها.
…..
أدباء الوادى
البحث عن معنى لمؤتمر أدباء مصر يتطلب منى كتابة أسماء عشرات الأدباء الذين التقيت بهم من مواهب الفيوم والمنيا والإسكندرية ( إبراهيم المطولى وإسماعيل حلمى وعيد كمال.. وعشرات لا تسعفنى الذاكرة باسمائهم الآن فمازلت أذاكر مطبوعات المؤتمر وأيامه،وتعجبتُ من تهميش الكثيرين منهم، والمعنى يتطلب منى تلخيص أبحاث مهمة قدمها المؤتمر للدكتور سامى سليمان أحمد عن سيولة المشهد الثقافى، والبحث المهم للدكتور محمود الضبع عن عالم الميتافيرس والسرد الأدبى الذى يصل فيه إلى كيفية صناعة الإبداع لعالم جديد ومختلف رأيناه فى ابتكار سينما ( أفاتار) الذى وصل إلى قمة الخيال اليوم بفضل شطحات المبدع التى ظهرت عند توفيق الحكيم فى قصة (فى سنة مليون ) التى تصوّر فيها عالماً افتراضيا لا يعرف أهله الموت، ورواية السيد من حقل السبانخ لصبرى موسى التى يتخيل فيها البشر يعيشون فى كرة بلورية فى الفضاء، ويتطلب المعنى أيضا قراءة فى أبحاث محمد محمد مستجاب عن قيام وأنهيار آل مستجاب، وبحث عبد الرحيم الكردى المهم عن ميراث المعنى، لكن المعنى الحقيقى بالنسبة لى والذى سأتوقف عنده كثيراً كان فى أدباء الوادى الجديد من الشعراء : ” أحمد دياب وقصيدته ( جدتى )، أحمد المقدم وقصيدته (ما بين بينى وميت )، الشاعر حسين بشندى وقصيدته الرائعة (نحن نحب الشعر)، والشاعرة سلوى مصطفى محمد وقصيدتها (سافر) والشعراء (رشاد على كرار، عاطف حسن، كمال كوكب، محمد مصطفى زاكى،حسين عبد المنعم، عماد القضاوى، مصطفى ضبع، إلى جانب الشاعر الكبير ناصر محسب وقصيدته سأخبر الله، وقصيدة الشاعر والباحث فى الثقافة الشعبية مصطفى معاذ البديعة (مزرعة بيوخرة) وهى مزرعة بالفعل فى واحة الخارجة،وقصيدة 0الزمن ) للشاعر أحمد هارون، وقصيدة أمى للشاعر أشرف نوير، واحذر عدوك للشاعرة أمل البنا، وفتحوا المزاد للشاعر أيمن أنور، والنخلة للشاعر سعيد ساسى، وملكة على الورق للشاعر سمير موسى، والمهرجان للشاعر على سلامة الرشيدى، والأسئلة لمحد الصياد وبودع لك لمحمد حسن الشافعى وقصيدة رمشها فدادين والمدد مددين للشاعر محمد كمال الشريف، ومنى عبد الرحمن وقصيدتها (الطفلة اللى جوايا )،وقصائد ( مؤمن الرفاعى،ونادية عبد المحسن،وهدى علام ) وقصص ( أحمد البدرى، أسماء عبد الله متولى، وأحمد حسن جمعة وصفوت مصطفى وطارق فراج وعبد الله عبد الفتاح وعبير فوزى وعماد آدم ونسمة أشرف.. هؤلاء هم المعنى الذى ذهبنا من أجله ولم نلتق بهم بكل أسف وسط الزحام والارهاق..