ملحوظة:
إن كنت تبحث عن مأساة تقليدية , تبكيك و تنوح وأنت تقرأها وتذرف الدموع و تظهر مواهبك المدفونة فى البكاء, فأنا آسف, لا أعدك بهذا. أما إذا كنت تبحث عن مأساة حقيقية تحياها يوميا وتتجاهلها, فقد أعدك بهذا.
المشهد الأول
الديكور يخلو من أى شئ , خشبة المسرح لم يمسسها مهندس ديكور بعد , صحراء خالية من أى شئ سوى الرمل و الطوب و الحصى. يوجد بأطراف المكان الممتد بعض الخيام و بعض الأناس الذين يحيون بها, يوجد أيضا شجر و مزروعات طفيلية متناثرة , توجد حيوانات تجرى هنا و هناك , و يوجد بئر عميقة , بئر وحيدة بين مسافات متباعدة من الصحارى.
يدخل المكان رجل يجر حصانا, يرتدى عباءة أنيقة زاهية الألون و غطاء للرأس مزركشا و به قطعة من الأحجار الكريمة. يقترب من رجل جالس بالقرب من البئر, يرتدى جلبابا أبيض فضفاضا , و رجله تمتد أمامه بشكل مستقيم , أسمر اللون و شعره منكوش. يتقدم التاجر نحو البئر ساحبا حصانه ببضائعه المتراصة على ظهره مادا مقدمة الحصان نحو البئر.
البدوى : يا سيد … ما الأمر ؟؟
التاجر : الحصان عطشان , سنأخذ له شربة من هذه البئر . فكما ترى بضائعى ثقيلة على ظهره ومشوارى طويل . سأسقيه القليل من الماء كى يستطيع أن يكمل حمل بضائعى لمستقرها.
البدوى : نعم , يبدو مرهقا حقا , و لكن ماذا ستدفع لى بالمقابل ؟؟
التاجر : أدفع لك !! , لماذا ؟؟
البدوى : نعم يا سيد , فأنا مالك هذه البئر و كى تشرب منه لابد أن تدفع لى.
التاجر : ملكك؟؟ كيف هذا ؟؟ أليس هو نتاج الأرض و خيرها ؟
البدوى : قد يكون.. و لكنى أقول لك أنه ملكى و أنا صاحبه و أريد ثمنا مقابل لشرب حصانك منه , فليس أمامك الكثير من الحلول , هو حل من ثلاثة , إما أن تدفع لى ثمنا مناسبا لما سيشربه حصانك , و إما أن ترحل و تبحث لك فى تلك الصحراء الممتدة عن بئر أخرى تحفظ لك حياة حصانك , و إما أن تقتلنى و تستولى على البئر من بعدى.
التاجر: ممم… إذن , ماذا تريد ؟؟
البدوى : ثمنا عادلا لما سيشربه حصانك من البئر .
التاجر : ممم… سأعطيك قدر ما يشرب الحصان من البضائع التى يحملها . فإذا شرب الحصان كوبا , سأعطيك كوبا مما أحمل من بضائع.
البدوى : يا رجل , لا تظننى ساذجا , فقد يشرب حصانك مقدار كوب من الماء يحمله لأخر العالم , و تعطينى أنت مقدار كوب من بضائعك تلك لا يساوى شيئا لى … أنا لا أريد هذا النوع من الأثمان… أفضل أن يكون الثمن ثابتا محددا مهما كان مقدار ما شربه حصانك , حتى ولو جفف البئر.
التاجر : إذن سأعطيك نصف شوال مما أحمل.
البدوى : و ماذا تحمل داخل أشولتك تلك ؟؟
التاجر : قمحا و دقيقا و ما شابه مما لذ و طاب.
البدوى : أظن أن نصف شوال هو ثمنا مجزيا فعلا.
التاجر : أكثر من مجز … لولا حاجتى و لولا أنك رجل طيب لما فعلت هذا أبدا ( صمت) إذن اتفقنا؟؟
البدوى : ليس بعد… فأنا هنا لا أستعمل القمح و الدقيق و تلك الأشياء . حتى زوجتى لا تعرف ماذا تصنع منها … فطعامنا هو ما نصطاده من الحيوانات و ما نقطفه من ثمار الأشجار , فقط لا غير .
التاجر : أرهقتنى يا رجل . يبدو أنك تريد مالا , ما رأيك بتلك الدنانير ؟؟ (حاملا بعضها بيده)
البدوى : لم تفهمنى بعد … ماذا تظننى سأفعل بتلك الدنانير فى هذه الصحراء الجرداء , نحن لا نتعامل بها , نأكل كما وصفت لك و نشرب من هذه البئر و نعيش بأكواخ من خوص الشجر.
التاجر : لا مال , لا بضائع , ماذا تريد منى إذن ؟؟ أنا لا أملك شيئا سوى مالى و بضائعى و ما على من ثياب, أتود أن تأخذ معطفى هذا , إنه أنيق , أليس كذلك؟؟ سيجذب إليك النساء , أعتقد أن هذا شئ موجود لديكم , ما أجملهن .
البدوى : النساء لدينا لن تفهم أن هذا المعطف غال و أنيق , جميعنا هنا نرتدى نفس تلك الملابس التى أرتديها , يصنعها لنا حسن, صانع الملابس.
التاجر : إذن لابد و أنكم تحتاجون بضائع أو أموالا لتعطوها لهذا الحسن؟
البدوى : كلا.. هو يصنع الملابس , غيره يصنع البيوت , غيرهما يصطاد الحيوانات , و غيرهم يلتقط الفاكهة , و أنا أعطيهم الماء… لا مال , لا مقايضة , تخلصنا من تلك العادات القبيحة منذ أزمان مضت.
التاجر : إذن , ألا تريد معطفى , أظنه مختلفا عما يصنعه حسن , سيجذب إليك النساء , أعدك بهذا … و أرى أنك تهوى النساء.
البدوى : من منا لا يفعل ؟ و لكنهن لن يفهمن أن هذا المعطف جميل , سيسخرن منى , أى شئ مختلف عن المعتاد , حتى ولو كان للأفضل , فهو مادة مغرية و جذابة للسخرية و أنا أعيش هنا منعزلا عمن حولى , لا أود أن يسخر منى أحد أو أن أسخر من أحد.
التاجر : رجل قنوع أنت إذن , وهو ما لا يبدو فى نقاشك الممتد معى حول ثمن شربة ماء ؟؟!!
البدوى : أتستهون بها ؟؟ إن قطرة الماء تلك تحمل حيوات بين رقرقتها.. إنها تساوى الحياة كاملة.
التاجر : و لكن كيف لى أن أعطيك ثمنا موازيا للحياة كلها … لا أعلم إلى ماذا ترمى ؟؟ أنا لا أملك سوى ما قلته لك سابقا ,بضائع , ملابس , مال…
البدوى : بل تملك
التاجر : و ما هو ؟
البدوى : الحصان
التاجر : (ضاحكا) هل هى مزحه ؟؟
البدوى : كلا… ألن يموت حصانك لو لم يشرب ؟ إذن فتلك القطرات تساوى حياته… أنا أريد ان أشترى منك حياته مقابل تلك القطرات و هو أعدل ثمن لها.
التاجر : يا رجل , هل جننت ؟؟ كيف هذا ؟؟ و من سيحمل عنى بضائعى , و لماذا سأسقيه أصلا إن كنت سأعطيك أياه.
البدوى : كن هادئا , الحل سهل و بسيط و لكنك لا تعمل عقلك… سيشرب الحصان من البئر كما يشاء , حتى يكتفى, فهو حصانى بعد حين . و ستأخذه حاملا عنك بضائعك إلى حيث أنت ذاهب , تبيع بضائعك و تتكسب المال و فى طريق عودتك , ستمر على و تعطينى إياه .
التاجر : و من أدراك أننى سأمر من هنا ؟؟
البدوى : لو لم تسأل هذا السؤال لعلمت أنك لن تمر , فهل من هارب ينبه حارسه قبلما يهرب ؟ هذا إضافة إلى أنك لو تعرف طريقا آخر لما سلكت هذا الطريق الوعر أصلا و لما أذللت نفسك كل هذا الذل مقابل قطرة ماء.
التاجر : إذن أنا مضطر أن أوافق على ذلك ؟؟
البدوى : أعتقد هذا.
التاجر : و إن عبرت و لم أعطك إياه .. أوسعتك ضربا مثلا و هربت ؟؟
البدوى : لو كنت تنوى ذلك لفعلته من الآن.
إذن , متى ستعود لأكون بانتظارك ؟؟
التاجر: هل اعتبرتنى موافقا ؟؟ أنا لم أوافق بعد.
البدوى : أنت لست بموقف اختيار… لو كانت إجابتك غير الموافقة , لكنت فعلت شيئا مختلفا عن الكلام.
( يسحب الحصان من بين يدى التاجر)
لا داع لأن تخبرنى بموعد عودتك فسأكون موجودا هنا أيا كان , بانتظار عودتك إلى و فى حسن استقبالك أنت و حصانى .
المشهد الثانى
بعد عدة أيام…
التاجر بثياب متسخة و التراب يغمره , لا يصطحب معه الحصان و لا البضائع . يقترب من البدوى الجالس بجوار البئر تماما كما رآه بالمرة السابقة و كأنه لم يتحرك من مكانه منذ حينها.
البدوى : ( بدون أى تأثر يذكر) أين الحصان ؟؟
التاجر : يالك من بدوى فظ حقا , ألا تلقى على السلام أولا , تسأل عما أصابنى ؟؟ ألا ترانى فى حال سيئة ؟؟
البدوى : أين الحصان ؟؟
التاجر : يبدو أنك لا تهتم بتلك الأشياء مطلقا … إذن فلا يوجد حصان
( يسكت منتظرا رده و لكنه لا يتكلم و لا تتحرك أى من عضلات جسده المسترخى )
سرق الحصان … بعدما جبت المدينة بحثا بين التجار عن أفضل الأسعار لبضائعى و بعتها و تحصلت على النقود , و فى أثناء رحلتى عائدا إليك و إلى قريتى , سيطر على النعاس و غلبنى النوم فربطت الحصان إلى شجرة عتيقة تبدو و كأنها هناك منذ آلاف السنين , و أسندت ظهرى على جذعها و استغرقت بنوم عميق. استيقظت بعد ساعات طويلة و وجدتنى وحيدا و قد سرق حصانى و تركت العقلة مربوطة إلى الشجرة دونما الحصان.
البدوى : يالك من متمدين ساذج حقا … هل أبلغوك بتلك المدينة أن البدويين سذج و تستطيع خداعهم ببعض الأكاذيب الملفقة , هل أبلغوك أن حيلتك المكشوفة تلك ستنطلى على ؟؟
التاجر : ماذا تقول ؟؟ أنا لست مخادعا أو كذابا و لا أقبل أن تتهمنى بمثل تلك الأشياء. إن كنت تريد بدلا عن حصانك هذا , أى كم من الأموال , فسأدفع لك كل ما تريد.
البدوى : و لماذا لم يسرق اللص أموالك أيضا كما سرق الحصان ؟؟
التاجر : لا أعلم , عليك أن تسأله هو عن هذا الأمر … يبدو أنه لم يعلم أنى أحمل معى نقودا .
البدوى : لص ساذج إذن … يرى رجلا فى طريق تجارة يرتدى أغلى الثياب و يصطحب حصانا فتيا و لا يفكر مجرد تفكير أنه يحمل فى جعبته الكثبر من الدنانير… يالها من مجموعة من المصادفات المتتابعة , يبدو أننى لابد و أن أكون قمة بالسذاجة كى أصدقك. أشعر أنك توجه إلى عقلى الكثير من الإهانات بكلامك السفيه هذا .
التاجر : و ماذا تظننى فعلت به ؟؟ أخفيته أم قتلته مثلا ؟؟؟
البدوى : لم أتوقع أن يكون ردك بتلك السذاجة , بعته بالطبع.
التاجر : يا رجل , ما الداعى لى أن أكذب , أنا أعرض عليك أموالى مقابلا للحصان , ألا تظن أن ذلك قد يكلفنى المزيد ؟؟
البدوى : هذا لأنك تعلم أنى لا أريد تلك الأموال و أنها لا تساوى شيئا بالنسبة لى فى تلك الصحراء … و لكن أتعلم ماذا ؟؟ فأنا أكثر ذكاء منك … يبدو أنكم فى عيشتكم المدنية تلك تتعاملون مع مجموعة من الأغبياء و لذا لا تتوقعون أن تقابلوا من يفهم أكاذيبكم المفضوحة … أنا سآخذ كل ما فى جيبك من نقود ماعدا ثمن الحصان , و تعود إلى حيث كنت , تشترى لى حصانا و أنا أنتظرك هنا , تأتينى بالحصان , أعطيك نقودك.
التاجر : هل من المفترض أن أوافق على اقتراحك هذا ؟؟ أعطيك كل أموالى كى آتى مجددا فلا أجدك , هل هذا منطق ؟؟ أنت تعلم أنى لا أعرف طريقا آخر سوى هذا و أن فرضا على أن أمر من هنا و أن آتيك بحصانك اللعين , لماذا إذن تأخذ نقودى رهنا ؟؟
البدوى : فلنعتبره نوعا من العقاب لمحاولتك الساذجة لخداعى.
التاجر : تعاقبنى ؟؟ هل أنت أبى ؟؟ أما أنك الله ؟؟
البدوى : الا تتعلم من تجاربك السابقة أيها الثرثار , أنا لا أهوى النقاش كثيرا , و كلمتى الأولى هى كلمتى الأخيرة , قد يكون هذا بسبب اختلاف طبيعتنا , أنا أعيش بالصحراء لا أكلم إلا المارة الذين يأتون مسرعين و يهجروننى مسرعين … و أنت تاجر , تبيع و تشترى و تزيد السعر حينا و تقلله حينا و ترسم الحيل و الألاعيب لتخدع زبائنك … و لكن أتعلم , أنا لست من هؤلاء… أنا لست زبونا تماطله فى الأسعار … أنا هنا أضع الشروط و عليك إما أن تقبلها أو ترفضها. و إن رفضتها فلا يكون بتلك الكلمات الجوفاء التى لن تغير من الموقف شيئا … أخرج سلاحا , أوسعنى ضربا , أقتلنى , ألقنى فى البئر … إما هذا أو ترحل الآن بعدما تعطينى كل دنانيرك و تذهب من حيث أتيت لتأتينى بحصانى .
التاجر : و إن ذهبت الآن إلى بيتنا و لم أعرك بالا ؟؟
البدوى : سيكون على أنا إذن أن أخرج سلاحا , أوسعك ضربا , أقتلك أو ألقيك فى البئر.
التاجر : أتهددنى ؟؟
البدوى : مممم… لا أعلم و لكنى لا أعتقد أن هذا هو التعبير الصحيح … أنا أملى شروطى و أفرض عقوبتى عليك لأنك أخلفت عقدنا الذى عقدناه.
التاجر : (مخرجا مجموعة من الدنانير من جيبه)
خذ هذه الأكياس من الدنانير حتى أذهب و أعود إليك بالحصان.
البدوى : بل كل ما فى جيبك عدا ثمن الحصان , نحن لسنا بمكان مناسب للتفاوض و تلك المهاترات , أنا لست ساذجا , فأنا أعلم ثمن الحصان جيدا … أنسيت أننى أتعامل دوما مع أمثالك كلما مروا من هنا بحثا عن قطرة ماء ؟
لحظة صمت و نظرة مطولة من الطرفين تنتهى بإخراج التاجر لمزيد من الدنانير و يغلق الستار بشكل مؤقت.
المشهد الثالث
تكرار لنفس المشاهد السابقة غير أن الحصان الذى يصطحبه التاجر ليس كسابقه
البدوى : يا أهلا … طال انتظارى لك..
التاجر : ها هو حصانك
البدوى : لا تكن فظا يا رجل , ألا تلقى على السلام , تسألنى عن الأحوال .
التاجر : لا داعى للسؤال , تبدو على أفضل حال .
البدوى : و لكن الحصان لا يبدو كذلك … لم تخيب ظنى بك , كنت أتوقع محاولة أخرى للخداع , فأنت تتميز بالكذب و الغباء ككل بنى جنسك .
التاجر : ( بعصبية مفتعلة) خداع.. خداع .. خداع… ما نهاية هذا الحوار السخيف ؟؟ لقد فاتنى الكثير من الزمان فى التجوال من أجل حصانك … ألا تظن أنك عطلتنى عن تجارتى بما فيه الكفاية … لقد مللت , سئمت, اغتظت من أسلوبك المستفز … أنت رجل بلا حياة , يومك كأمسك كغدك , لا شئ مميز لحياتك العقيمة . قد تستمتع باستعبادى , هات لى الحصان , خذ لى الحصان , غير لى الحصان , ملعون هذا الحصان … هذا هراء , ألهذا الحد أنت تعانى من الفراغ ؟؟
البدوى : أخفتنى يا رجل بصوتك العالى .. أنت تعلم جيدا أنك أنت من فعلت بنفسك هذا كله , كم بجيبك من النقود ؟؟
التاجر : نقود ماذا ؟؟ ألم تأخذ كل ما كان معى عدا ثمن الحصان و هاهو الحصان أى أن جيبى يخلو من أى دينار.
البدوى : مازلت مصمما على التمادى فى الخداع و الكذب , هذا الحصان لا يساوى نصف ثمن الآخر , إنه بالكاد حمار … أتستغفلنى يا رجل ؟؟ ألا تعلم أن أموالك معى و أنى قد ألقيها بالبئر و أفقدك المزيد و المزيد عما وفرته من دنانير بشرائك هذا الحصان الرخيص.
التاجر : ماذا تريد منى يا رجل ؟؟ ماذا تريد ؟؟ هل استعبدتنى ؟؟
البدوى : أنت رجل مخادع و أنا أريد الثمن الذى أتفقنا عليه منذ زمن … هل هناك عيب بهذا ؟؟ و لأوفر على كلينا الكثير من الكلام فهنالك حل واحد , لا ثانى له , أن تذهب بحصانك العجيب هذا إلى حيث اشتريته لتأتينى بالبديل المناسب.
التاجر : لن أفعل
البدوى : تتحدانى إذن ؟؟
التاجر : أنت من تفقدنى صبرى
البدوى : ستذهب أم لا ؟؟
التاجر : لا
البدوى : مازالت نقودك فى حوزتى
التاجر : أذكر هذا جيدا
البدوى : إذن فاعتبر أنه ليس معى شيء و اترك هذا الشئ الغريب الذى تدعى أنه حصان و أرحل.
التاجر : دون أن آخذ نقودى ؟؟
البدوى : هذا بكل تأكيد … دون تردد .
التاجر : يا سيدى , كن متفهما , ألا تعلم أن …
البدوى : (مقاطعا ) : هل تعلم أنت ؟؟ لقد جاءتنى فكرة نيرة , أعتقدها أفضل من كل ما فكرنا فيه من قبل .
التاجر : ألا وهى ؟؟
البدوى : أنا لا أحب المال , أو بمعنى أصح لا أريده , لا أحتاجه فى صحرائى هذه , سألقيه أمامك فى هذا البئر كيسا تلو الآخر و أتمتع بالنظر إلى وجهك المتحسر , ستكون ملامحك حينها كافية لتطفئ نار صدرى و أعتبرها بديلا عن حقى المسلوب.
التاجر : يا رجل اعقل يا رجل … أجننت ؟؟ أتلقى بالمال فى البئر؟؟
يسحب أول الأكياس و يلقيه فى البئر و ينكشف فمه عن ابتسامة أكثر من عريضة.
التاجر : أنت مجنون , حقا مجنون … كل هذا بسبب قطرة ماء , فكيف الحال لو كنت خالقها ؟؟ لست مجرد مستفيد أحمق منها … بدوى غبى , لا تعى ما تفعله.
ينفرج فم البدوى عن ضحكة متألقة
البدوى : ألا ترى أنك الغبى الحقيقى , تضيع ثروتك و وقتك و جهدك لأنك تتلذذ بخداعى و تظن نفسك ذكيا و أنت أقل شأنا من ذلك بكثير . أود أن أراك و أنت تتابع كيسك القادم و هو يغرق داخل بئرى.
التاجر : توقف… أرجوك توقف… أنا غبى و مخادع و كاذب و ابن عاهرة إن أردت و لكن أترك لى مالى , أنت لا تحتاجه , و لكن أنا فى حاجة إليه, أرجوك.
البدوى : إذن فعليك بما اقترحته , تأخذ هذا العجوز إلى أهله و تأتينى بحصان آخر لا يقل عن الأول و لا يزيد .
التاجر : أظننى و مثل كل مرة مضطر أن أوافق.
البدوى : أظنك كذلك.
المشهد الرابع
التاجر : هاهو الحصان , أكثر شبابا من حصانى الأول و أشد بأسا و أكثر صحة و أقوى و أسرع و أجمل … أقسم لك أنه الأغلى بالسوق.
البدوى : كيف حالك ؟؟
التاجر : بخير , إن كنت لن تعاود الكرة نفسها مرة أخرى.
البدوى : لا أظننى سأفعل , فهو يبدو جيدا حقا .
التاجر (متنفسا بصوت عال) : الحمد لله .
البدوى : هاهى دنانيرك ( يعطيه الأكياس) , كاملة , حتى الكيس الذى ألقيته بالبئر . كان طافيا على سطح الماء , و لكنك كعادتك كنت غبيا بما فيه الكفاية ألا تلقى نظرة على كيسك الملقى , تأكد أنهم كاملين إن أردت.
التاجر : أشكرك … أتعلم ؟ عندما ذهبت للسوق بآخر مرة تلك وجدت حصانى الأصلى معروضا للبيع , و لكننى خفت أشتريه فلا يعجبك و تدعى أنه ليس نفسه, فجئت لك بالأفضل و الأغلى من بين كل الخيول … سأقول لك شيئا آخر , لقد كنت محقا دائما , أنا حاولت خداعك كثيرا و لقد كلفنى هذا الكثير من وقتى و عمرى و دنانيرى , أنا خدعتك و بعت الحصان أول الأمر و ادعيت أنه سرق كما تصورت فعلا , و وجدته معروضا فى السوق منذ أيام أغلى مما بعته , فعلمت أننى كنت غبيا فعلا.
البدوى : طالما قلت لك هذا ( يضحك ) , متى ستأتى ثانية ؟؟
التاجر : أنا لن أمر من هنا ثانية أبدا , لن ألدغ من هذا الجحر مرة أخرى , كفانى , و من الآن فصاعدا سأزيد من إرب الماء التى أحملها معى أثناء السفر حتى لا أحتاج إلى آباركم.
البدوى : و لكنك ستزورنى .
التاجر : و بكم ستعطينى شربة الماء ؟
البدوى : بعمرك ( يضحك)
التاجر : إذن فلن استطيع أن أزورك أكثر من مرة واحدة …. و لكن , و رغم كل شئ , لقد استمتعت بتلك الفترة المرهقة , لقد كانت مختلفة و غير تقليدية … لقد سعدت بلقاءاتك المتكررة , أو بمعنى أصح و كى لا أكون كاذبا , أنا لم أسعد بها بساعتها على الإطلاق أما الآن فأنا سعيد بها . سأستأذنك الآن أن أعود من حيث أتيت منذ شهر ضاع فى شربة ماء … فأنا مرهق جدا , لم أمتط سريرى منذ زمن بعيد , أفتقد نومتى و زوجتى و بيتى , سأتركك الآن و لكنى سأعود يوما ما …
( يتصفحان و يتقدم التاجر بعيدا بينما يقف البدوى و الحصان بجوار البئر )
البدوى : (صارخا ) ألم تنس شيئا ؟؟
التاجر : ( مستديرا) ماذا ؟؟
البدوى : حصانك يا رجل
التاجر: (مستغربا ) ماذا ؟؟ ( متقدما نحو البدوى )
البدوى : حصانك … أتظن أننى سآخذه مقابل شربة ماء عن جد ؟؟
التاجر : بالتأكيد لم تكن تمزح !!
البدوى : ستعيش و تموت غبيا … ألم تفكر للحظة واحدة ماذا سأفعل بهذا الحصان و أنا لا أتحرك من جلستى تلك… مثلما النقود لا تعنينى كثيرا و لن تفيدنى , فكذلك الحصان .
التاجر : (مستفزا) و لماذا فعلت بى كل هذا ؟؟
البدوى : ألا تشعر بمدى سخافة الحياة و ركود أحداثها و مللها و تشابه أيامها المستمرة دون توقف , ألا تسأم من استيقاظك و أنت تعلم أن يومك لا يحمل إليك الجديد… و لكنى كنت استيقظ كل يوم و أنا أنتظرك و أتساءل ماذا ستفعل هذه المرة , هل ستأتينى بنفس الحصان , أم ستتهجم على , أم ستأتينى بحمار كما الحصان و ماذا ستكون حججك … و إذا مر اليوم دون أن تأتى , أنتظرك باليوم التالى , حتى تأتى و نتجاذب الحديث المثير بيننا الذى كنت استمتع بتكراره بين أركان رأسى و أحاول بكل مرة أن أعيدك من جديد كى أستمتع بانتظارك … فكلما أمسكت بما أريد , بحثت عن جديد أنتظره , مهما كان تافها أو صغيرا , و لكن هكذا هى الحياة سلسلة من الانتظارات المستمرة دون أى معنى و دون أى هدف يذكر… لكننا نتنظر تلك الأهداف فإذا لمسناها , نكتشف أننا نريد المزيد , نريد شيئا آخر , أبعد من أن تلمسه أيدينا , فنسعى و نبحث و ننتظر حتى نصل إليه لنجد شيئا آخر أبعد ننتظره … و كل دون معنى, مثلما كنت أنتظرك بكل مرة .
التاجر : أنت فيلسوف
البدوى : أنا أعلم الحياة…. و أملها… أرجع من حيث أتيت و أنا سأنتظر شخصا آخر , تاجر مثلك , ألاعبه نفس لعبتك … و لكنى لا أتوقع أن أقابل لاعبا ماهرا مثلك من جديد.
التاجر : لاعب غبي تقصد … سأعود كى ألقاك من جديد , و لكنى لن أحدد ميعادا لهذا كى أتركك تنتظرنى .
البدوى : سأنتظرك … فذلك هو قدرى , ليس اختيارى .
( تغلق الستار لتعاد المشاهد من جديد و بشكل متتال دون توقف ) .
خاص الكتابة