عن عبلة الرويني

عن عبلة الرويني
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حسن عبد الموجود

كانت هديتنا من السماء، كانت شيئاً جميلاً، والأشياء الجميلة لا تدوم. كانت حلماً بتعبيرها علي غلاف أخبار الأدب الذي حمل صورة الكاتب العظيم إبراهيم أصلان بعد أن أغلق عينيه للمرة الأخيرة. هل أبالغ وأنا أتحدث عن صديقتنا الكاتبة التي احتفظت لنفسها بمساحة استقلالية لم تلوثها المناصب، ولم تغيّرها علاقاتها بالكبار سواء في الوسط الثقافي أو في المؤسسات الصحفية؟، هل أبالغ وأنا أتحدث عن الكاتبة التي لم تطلب ولم تنتظر ولم تعش في انتظار مكافأة أو حظوة، الكاتبة التي كانت سعادتها في مكالمة تناقشها فيما كتبت، عبلة الرويني؟

ما زلت أذكر حينما كنا نجتمع ونخطط لمستقبل الجريدة في فترة صعبة كادت تعصف بها، لم أكن واحداً من المتحمسين بشدة لمجيئها حينما طرح زملائي اسمها، ولكني أيضاً لم أعترض علي الاسم، ورأيت أنها اختيار مناسب إذا استقر الرأي عليها، وقد كان.. كنت متحمساً لمجيء رئيس تحرير من داخل “أخبار الأدب”، ولكن الأمور سارت كما سارت وجاءت عبلة. جاءت إلينا حاملة أحلامها في إعادة أخبار الأدب إلي مسارها الطبيعي والإضافة إليها، وأظن أن أفضل شيء فعلته هي أنها تركت كل شخص يكتب ما شاء، بدون تدخل أو رقابة أو وصاية، فلم تسمح للتوازنات بأن تحكم عملها، وحينما قدمتُ لها مقالاً كتبته عن الدكتور جابر عصفور قرأته وقالت “يا نهار أسود”، وبمنتهي البساطة نشرته، وجاء رد الدكتور جابر عصفور في الأسبوع التالي، وكتبتْ هي في افتتاحيتها حول ما أثرته بخصوص الناقد الكبير، وكان أكثر صعوبة وعنفاً مما كتبته بكثير(!) هذه هي عبلة التي لم تهتم بصداقتها لوزير أو ناقد أو مسئول أياً كان حجمه وموقعه، وبالتالي لم تهتم بلعبة التوازنات والمصالح التي تحكم عدداً كبيراً من الصحفيين، وقد منحتني الفرصة للبدء في مشروع كنت أفكر فيه، كتابة عدد كبير من “البورتريهات” عن الأشخاص الذين ارتبطت بهم وأحببتهم، وكانت تتدخل فقط لإعادة الحماس إليّ كلما فتر بداخلي. لم تكن تبخل بإشادة، فهي تبدو أشبه بطفلة تُخرج ما بداخلها بمجرد التفكير فيه، وهي كما كانت تشيد كانت تعبّر عن غضبها وانفعالها ببساطة في حال التقصير وعدم الالتزام بموعد التسليم، ولكن غضبها السريع كان يتلاشي بشكل أكثر سرعة، وهذه سمة الأشخاص البسيطين، الذين احتفظوا في داخلهم ببراءة لا تناسب، علي المستوي الشكلي، أعمارهم المتقدمة، غير أنها، في الحقيقة، تمنحهم شباباً بلا حدود!

كانت تؤمن بفكرة الورشة، أن يشارك الجميع في القراءة للجميع، كانت تؤمن بفكرة العين الثانية التي يمكنها أن تلتقط الأخطاء، وتعيد اكتشاف المناطق المدهشة، هي القادرة علي الدهشة حتي تلك اللحظة. كانت تعرف أن هناك مسافة بين مجال اهتمامها الأساسي، المسرح، وبين جريدة تهتم بالثقافة بمعناها الشامل، كما كانت تعرف قدر المحررين العاملين وكلهم أدباء، واستطاعت أن توظف ذلك في خدمة المادة الصحفية التي تحرّرت من القوالب الصحفية العادية.

كانت لديها مشاكلها أيضاً، فهي مترددة كثيراً، تأخذ القرار وتعود فيه أكثر من مرة خلال جلسة واحدة، وهذا مُربك في الحقيقة إذا تعلّق بالعمل الصحفي، وقد عانيت من ذلك، وكنت أغضب بشدة أحياناً إذا تعلق الأمر بشيء يخص المادة المسئول عنها، ولكن كان كل شيء ينتهي بمناقشة صغيرة. جاءت عبلة وأسبغت علي المكان بساطتها، وغادرت ببساطة تناسب روحها، فتحيةً لها علي روحها، وعلي ما أضافته إليّ علي المستوي الشخصي.

 

مقالات من نفس القسم