يُمكن أن أقضّي يومين بلا أكل لأني لا أملك المال، بل كنت أملكه وفي يوم أو في بضع ساعات أصرفه في أشياء قد تبدو في المطلق غير مهمّة لكنّها مهمّة بالنسبة إليّ. أجوع وأنا في هذا العمر المتقدّم جدّا يا أمّي، أجوع وأنت بعيدة عنّي. أجوع وحولي أصدقاء وصديقات، بكلمة منّي فقط، يُمكن أن يتشاجروا مع اللّه الذي لم يُحسن رعايتي و يزرعوا لي المشمش الذي أحبّه في أرض غضّة، يسقونه بعرقهم ويقطفوا لي ثماره كي آكله وأشبع، ومع ذلك لا أخبرهم. أذكر كل المرّات التي جُعت فيها، أستحضر جميع تفاصيلها وأعيشها كما لو أني لم أكبر ويكبر كلّ شيء بداخلي. عندما أجوع أحسّ باليُتم، ليس اليُتم الذي نعرفه، هو يُتم الوحيدين والغريبين، يُتم امرأة بداخلها بركان غضب ينتظر هزّة أرضيّة كي ينفجر وتنبعث منه الغازات السامّة. عندما أجوع أكتب وعندما أكتب أحزن وعندما أحزن أحزن. أحزن لأنّي لا أتكلّم وأحزن لأني أفكّر كثيرا. أنا شخص يتماهى مع الناسّ، أتجوّل داخل خلاياهم العصبيّة وأحسّ بالألفة مع أمعائهم. أقمع نفسي عندما يتكلّم معي أي شخص أحبّه، أقمع نفسي بقسوة ولا أعبّر عن أفكاري كما هي. تبدو لي دائما فكرة الانتحار أسهل عندما أجوع، تبدو واضحة تافهة خالية من أي تعقيد وجوديّ ومتحرّرة من ثقل الذكريات. أذكر تلك المرّة التي جُعت فيها وأنا في سنتي الأولى بالجامعة. جلست فوق الرصيف، كتبت نصّا صبيانيّا قُلت فيه إن “عصافير بطني تُزقزق”. في بطني عصفور يُحتضر ولا يعرف كيف يُزقزق، في بطني سرب من الغربان تنعق، في بطني ديدان شريطيّة لا تكبر، في بطني طفل يعوي قتلته بحبّات بطاطا مقليّة وجدتها مرميّة في الزبالة. قتلته ثمّ تقيّأت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة تونسيّة