على قمم الخسارة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

"أقف على قمم الخسارة

وأنتظر من الله أن يتوجني أميرًا على الحرب"

- آدم حاتم.

إلى آدم حاتم.

 

حين تنتهي الحرب

ويصير كل شيء رمادًا

لن نقف على قمم الخسارة

ننتظر من الله أن يتوجنا بتاج البطولة.

يا آدم

يا آدم حاتم

حين تنتهي الحرب

ويسوى كل شيء بالتراب

حينها لن نرفع رؤوسنا أبدا

كي نتأمل السماء

والغيوم التي تحلق كأسراب من النحل

لن نرفع رؤوسنا ونناجي الرب.

هذا لأن الطائرات المعدنية ربما ما تزال تحلق هناك

حتى بعدما انتهت الحرب

ما تزال الطائرات تحلق

ما زلت أسمع صوتها في اذني

صوت القذائف

الانفجارات

والصراخ.

صوت أنين الأطفال في الطابق العلوي

صوت الموت.

ما تزال الطائرات هناك يا آدم

والصواريخ ما تزال تسقط تباعا فوق رؤوسنا

ما زال الناس يموتون

في هذه المدينة التي لم يعد فيها أحد

إلا أن الناس فيها ما زالوا يموتون.

حين تنتهي الحرب

هل قلت تنتهي الحرب؟

إنها لا تنتهي أبدا.

أبدا

إنه الموت يأخذ إجازته.

في هذه الأثناء

في خلال اجازة الموت القصيرة

لن ننتظر من الله أن يتوجنا آمراء حرب

يا آدم

يا آدم نحن لن ننتظر من أحد شيئا

من المفترض أننا ما عدنا ننتظر شيئا

حين تنتهي الحرب

سنتنزه في المقابر

سنمسك بأيدينا المبتورة وكأنها أيد غير مبتورة

سننظر لبعضنا باستغراب حين نرى إنسانا سليما

سنصبح عنصريين تجاهه لأنه إنسان سليم

من منا لم يفقد في الحرب عينا او قلبا او ذراع

من منا لم يصبح مشوهًا

إنه التشوه

علامة أنك مازلت حيّا..

علامة العائدين من موتهم..

المستمرين في موتهم.

سنذهب للمقابر

للتنزه طبعا

لن نبكي.

لن نعود نعرف ما البكاء

سنركل الجماجم كأنها كرة طاولة

سنعلم الصبية كيف يبترون ايديهم وأقدامهم

كيف يفقئون عيونهم وقلوبهم

حتى يعودوا يشبهوننا.

سندخن الغليون

ونحن نحدق في عيني الموت غير مبالين

وكأننا نحدق في شجرة بعيدة

ها هو الموت يتحرك بعيدا بظهر مقوس

يضربه صبية بالحجارة

تشتمه الأمهات شتائم قذرة

ها هو الموت بشعره الأبيض الكثيف

يترنح موليا غير نادم على شيء

إنه ربما صار حزينا لسبب واحد

هذا لأنه فقد هيبة الجنرال

الذي كان حين يحرك جفنه

تركع له المدينة والجنود والعلم

ها هو الموت شارف أخيرا على الموت.

لم يعد أحد يهابه

إن صوته

قذائفه

تشنجات قتلى الكيماوي

وصراخ أهلهم في المدن البعيدة والقريبة

كلها

صارت أمرا اعتياديا ومضجرا

مثل طابور الصباح وتحية العلم

حين تنتهي الحرب يا أدم

نحن لن ننتظر شيئا من الرب

الذي كان يضع ساقا على ساق

وينظر إلينا حين كنا نمد الأيدي

الأكف

والقلوب.

يحصي سجائره ولا يفعل شيئا.

هل يدخن الرب؟

هل كان يحصي سجائره؟

أم أنه كان يحصي سجائر موتى آخرين.

موتى غيرنا بالطبع

لأننا كما ترون ما نزال أحياء بالكامل

لأن الرب ربما لم يرد أن يرانا في كفن أبيض.

لكننا لن نشكره

أبدًا

أبدًا.

لن نشكره لأننا نجونا

لن نشعر بالامتنان لأنه لم يخسف بنا أيضا

ولأن القذيفة سقطت على المنزل المجاور

بدلا من منزلنا

لن نفعل ذلك أبدا

إننا حتى سنكف عن التطلع نحو السماء

لن ننتظر شيئا.

لقد توقفنا عن انتظار أي شيء من أي احد.

في الحقيقة

الرب ليس سبب الخراب في العالم

إنهم البشر

الحقيقة أن الرب لم يتسبب بكل هذا الدمار

لم يفعل شيئا

إن هذه مشكلته

أنه لا يفعل شيئا.

حين تنتهي الحرب يا آدم حاتم

سنذهب لنتنزه في المقابر

نركل الجماجم كأنها كرة طاولة

وبدلا من السماء

سنتطلع للهاويات في اعماقنا

وسنسقط فيها كل مرة

ثم ننجو

وندخن الغليون.

……………

17 يناير 2015

مقالات من نفس القسم