“على قد الشوق”

موقع الكتابة الثقافي art 24
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد فرحات

ضحكات مختلسة مباغتة تغزو وجهه المتصنع الجد بلا مناسبة، وقتئذ كانت الكثير من ألحان أغاني حليم لاتغادر خيال أذنيه، وحسرات بلا طائل، على مفقود  بلا رجعة، من عامين إلا قليلا، أو عامين وقليلا.

“على قد الشوق إللي في عيوني يا جميل سلم…”.

الأبيض على الحواف البعيدة، والوردي دوائر متكررة، والبنفسج دائرة وأخرى، ووردة حمراء واحدة في القلب من الباقة التي أخذ يعدها طويلا بيد متأنقة ترتعش إثارة.

“أنا ياما عيوني عليك سألوني وياما بتألم…”

ببذلته المتأنقة، وحذائه الامع، ومكعب من شيكولاتتها المفضلة، يصل للملتقى…

– ألو…أنا وصلت …

-أهلا…كلها نصف ساعة…

ينتظر، يتحرك القلق، يشعل سيجارة، يتذكر أنها ربما لا تحب رائحة الدخان، يخرج حبة نعناع يمتصها بعد فراغه من آخر نفس. 

طال الانتظار وبمرور كل نصف ساعة يشعل سيجارة، فحبة نعناع…

سيجلسان على مقهى فاخر، يتحدثان عما تكتبه، سيثني كثيرا، ستعجب مؤكدا بثنائه. 

ست سجائر وست حبات نعناع، ولما تأت، انتظر الورد كثيرا، تتفتح الحمراء أملا في مصافحة يدها.

ثم…ثم تأتي، يقف مرحبا…وفي تلك المسافة من بقعة ظهورها ومقدمها عليه، تتزاحم الأفكار، وتتصارع الكلمات؛ بأيها يبدأ، كيف يناديها؟!، كيف ستبدو ابتسامته؟!، وهل ستظهر تلك التجاعيد الناشئة حديثا على جنبات عينيه؟!، وهل…وهل…

يفصلهما متر بجسد طوله مئة سنتيمتر، تنحرف عن مكانه، كأنه لم تره، تنحرف بعيدا، تتباعد بسرعة سنة ضوئية…يذهل عن باقة الورود المنتظرة بجانبه، يعدو خلفها، وقدماه ترتعشان خيبة، تكلان تحت جسده المنهزم…بأي الأسماء يناديها…

“وبخاف لتصدق يوم للناس واحتار

باوصف للناس الجنة وأنا في النار”

تأخذ في الأفول متخفية وسط الحشود، بشعرها الكستنائي القصير، وجاكيتها الأسود، وتنورتها القصيرة، وبوطها الطويل…بأي الأسماء يناديها؟!

واليوم بعد مرور عامين وشهور، بملابسه الرثة، وحذائه الكالح، وبقايا شعر بني يحارب وسط غابة متآمرة من الشعر الأبيض، بقطار مزدحم للغاية يقف منتظرا محطة وصوله…

“شبابي الغالي ضيعته… أناجي فى الهوا اسمك

وأملي لما صورته… فى أجمل صورة كان رسمك”

يقول جار القطار لرفيقه عن آخر…

“بعد ما شاب…عاوز يحب ويتحب…حبه برص…الراجل من دول بينهبل في آخر أيامه…قال عاوز يحب قال…!!”

تنفجر الضحكات المختلسة ضحكا هيستيريا، يلفت أنظار الركاب إليه…يكرر “قال عاوز يحب قال…”

يصل متأخرا جدا عن مقر عمله الرديء…

“على قد الشوق إللي في عيوني يا جميل سلم”

مقالات من نفس القسم

تراب الحكايات
موقع الكتابة

خلخال