علاء الديب: هزيمة 1967 مستمرة مادمنا نعيش هذا السلام الملوث

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حوار : دينا حشمت

استقبلنا فى فيللته القديمة فى المعادى، حيث نكهة الماضى وطعم الليمون والنعناع المقطوف من الحديقة. بعد أزمة عملياته الجراحية المتتالية، عاد رويدا إلى الحياة وشرع مؤخرا فى إعادة صياغة ترجمته لكتاب «الطاو» الصينى، الذى لطالما استمد منه السكينة اللازمة «للهروب من الانتحار». يفكّر كيف ينهى روايته الأخيرة، «صيد الملائكة» التى يراها صرخة ضد «ماكينة العولمة». الأديب المصرى الذى احتفل مؤخرا بعيد ميلاده السبعين، ما زال يبحث فى هزيمة 1967 عن مفاتيح بؤس الواقع. أحب رواياته إلى قلبه رائعته «زهر الليمون» (1978) التى استلهمت من النكسة جوها القاتم. يعترف بأن جميع شخصيات أعماله تحمل شيئا منه، من «قمر على المستنقع» و«عيون البنفسج» و«أطفال بلا دموع» إلى «أيام وردية» (2002). أوقف نشاطه السياسى الذى كلفه عدة «اعتزالات»، لكنه احتفظ بصراحته. لا يعرف المجاملة، وهو الذى ظل قرابة 40 عاما يكتب «عصير الكتب» دون أن يقدم كتابا لم يقتنع به.

ومازال يحتفظ بحب العمل الدقيق الذى ميزه، فى ترجمة مسرحية بيكيت «لعبة النهاية» أو حوار «المومياء» مع صديقه شادى عبد السلام.

< عَمّ تدور روايتك الجديدة «صيد الملائكة».. وهل ستصدر قريبا؟

> تدور أحداثها حول ثلاثة أصدقاء يفقد اثنان منهم المثاليات فيعملان بالبيزنس، ويحاول الثالث الحفاظ على قيمه ولكنه يصل إلى حائط مسدود، فيجلس على الأرض فى محطة مصر. أعمل على هذه الرواية منذ 2003 وانقطعت عنها بسبب العمليات الجراحية المتتالية التى أجريتها. لم أنته منها حتى الآن ولا أعرف متى ستكون جاهزة للنشر.

< ما فكرة العنوان؟

> أن هناك مبدأ يحوّل الناس جميعا إلى أجزاء من «مكنة» العولمة، من «البراجماتية». أقذع شتيمة فى أمريكا هى «أنت فاشل». إذا كان عندك أى فكر وأى مبادئ تحول دون النجاح فلست بشرا. يا إما تكون حيوانا، يا إما تكون ملاكا. أقصد أننى ضد النظام الذى يصطاد الملائكة. أريد أن أخرج من الدائرة التى تفرضها العولمة والبراجماتية على الإنسان، وأقول إن الإنسان من الضرورى أن يكون قادرا على هذا، قادرا على أخذ مساحة من الحلم لنفسه، سواء عن طريق فهم صحيح للدين أو عن طريق العودة إلى الأيديولوجيات التى انكسرت أمامنا مثلما انكسر كل شىء. يحتاج الإنسان إلى شىء كهذا ليعيش. لن يكون قادرا على الحياة وحده فى هذه الغابة. لكن العنوان مازال مؤقتا. أشعر حاليا بما يسمى حالة «البلوكاج» عند الكاتب. أنكش فى الجدار، أدق كى أفتح خرم إبرة أنظر منه. لكنى لا أعلم إن كنت سأنجح أم لا. هناك أجزاء مكتوبة فى أماكن متفرقة، على ورق «مدهول»، فى صناديق، ورق وعلب كبريت، وهناك الخطة الأساسية التى أحاول أن أتنفس من خلالها.

< ترجم العديد من الأعمال الأدبية إلى اللغة العربية، من أعمال هنرى ميللر إلى مسرحيات بيكيت«لعبة النهاية». واليوم تعيد صياغة ترجمتك لكتاب «الطاو» الصينى. لماذا ترجمت هذا الكتاب ولماذا تعيد صياغته الآن؟

> هذا أهم شىء أفعله الآن، الشىء الوحيد الذى «يخلينى صاحى» هذه الأيام. ومن المفترض أن ينشر قريبا فى «دار الشروق» التى شجعتنى على العمل. كتاب «الطاو» كتاب دينى مقدس. هو إحدى جواهر فلسفة الشرق الأقصى كله.

لم أتعامل معه فى المرة الأولى على أنه هكذا، ولا فى المرة الثانية. أتعامل معه على أنه نص أدبى وتعبير فنى «مشفّط» لعلاقة الإنسان بالطبيعة. فى مقدمة الطبعة الأولى قلت إنه مرتبط بأزمة 1967. كنت «مخنوق خالص» وأبحث عن أى شىء يخرجنى من هذه الأزمة وكنت أعانى مشكلات شخصية تدفعنى دفعا إلى الانتحار، أعطى لى كتاب «الطاو» نوعا من السكينة النفسية وقدرة على التعامل مع عناصر الكون البسيطة بابتسامة طيبة هادئة، فكان الخلاص بالنسبة إلى. بعد ما دخلت فى التكنولوجيا ودخلت على الانترنت، اكتشفت أن هناك 70 ترجمة إنجليزية للكتاب، كما أنه تحول إلى طريقة رقص ومدارس أكل ورياضة وانفتاح على أغان، وتحوّل إلى موسيقى. اكتشفت أن فهمى له كان محدودا فأعدت القراءة. إحدى الأفكار التى طرحتها إحدى ترجماته أن اسم «الطاو» نفسه له معان عديدة، من ضمنها أنه «طريق»، و«طريق الماء» فى الأرض؟ المعنى هذا دفعنى إلى البحث عن قدر من بساطة اللغة من أجل الاقتراب من المتلقى أكثر ما يمكن.

< كنت تنشر فى مجلة «صباح الخير» مقالات عن كتب من اختيارك تحت عنوان «عصير الكتب»، ستصدر قريبا فى كتاب. على أى أساس كنت تختار هذه الأعمال؟

> جاءت فكرة «عصير الكتب» بعد أزماتى مع النظام والسياسة. أصبحت اتهم فى كل شىء بأنى ضد النظام. تم عزلى مرتين، وأوقفت من مؤسسة «روزاليوسف»، وبحثت عن عمل أقوم به دون أن يمكن لأحد أن يعترض على شىء فيه. أختار الكتب بنفسى على أساس ما أحبه وما أقتنع به، لا أحد يكلفنى بأن أعمل على شىء معين. كان رؤساء التحرير الذين عملت معهم جميعا يرسلون إلى كتبا لكنى كنت أركنها ولا أكتب عنها، حتى فهموا إنى لا أكتب عن غير ما أريد أن أكتب عنه. «قعدت نحو 40 سنة أعمل الحكاية دى»، وتابعت ثلاثة أجيال من الكتّاب، مع أنى لست مع تقسيم الأدباء إلى «أجيال» وأفضل تقسيمهم إلى مدارس واتجاهات ومواقف فكرية. كما أن الأدب يحتاج إلى شيئين لم يلتفت إليهما أحد فى تاريخنا القريب: دراسات فلسفة الجمال وفلسفة الفن. لست ناقدا، أنا أعمل «بوك ريفيو»، تقديم لكتب. نحتاج اليوم إلى نظرية فنية تنطلق من حركة الفن الموجودة، تقول ما اتجاهها وما القضايا المطلوبة، التى تلائم هذه البيئة، هؤلاء الناس، وهذا الزمن، وهذه الأزمة الاجتماعية. هذه ضرورة فنية، ستسهم فى إنتاج فن معين لكنها تحتاج إلى فن معيّن لكى توجد.

< وهل هذا متوافر فى كتابات الشباب اليوم؟

> الشباب فى السنوات العشر الأخيرة «انجن»، مثل خلايا «اتجننت». لأول مرة هناك شىء حر يتحرك بتلقائية فى كل اتجاه. هناك أشياء كثيرة جميلة وعظيمة لكن تقع صدفة. ليس هناك تراكم، وينقص هذا الشىء المحورى الذى تدور حوله الأشياء. شغلنى فى الأيام الماضية الكاتب الفرنسى الذى ارتبط اسمه بثورة الطلبة فى 1968، «بيير بورديو»، وقرأت كتبه عن الميديا. هذا ما أقصده: ضرورة أن يكون هناك من «يعمل فلسفة» للحركة والفكر، من يقدّم رؤية فكرية وفلسفية للواقع تنوّر من يشتغل فى الفن وتساعده على فهم ما وراء تفاصيل الواقع البسيطة. قد يغرق الفنان فى هذه التفاصيل دون أن يفهم تأثيرها.

< كتبت مع شادى عبدالسلام حوار «المومياء» الذى عرض فى مهرجان «كان» مؤخرا، ضمن برنامج «كلاسيكيات كان». هل يمكنك أن تحكى لنا عن تجربتك مع شادى؟

> لم أكتب الحوار، شادى هو الذى كتبه بالإنجليزية. أخذ نصوصا من المتون الفرعونية وأدخلها فى السيناريو. ما فعلناه أنا وشادى إنى ترجمت هذه النصوص معه. كان يقول لى: هذا الحوار نريد له أن يستغرق نصف دقيقة، أو دقيقة ونصف الدقيقة. لم تكن ترجمة عادية، كانت صعبة جدا، لكن الشغل مع «واحد» أسطى مثل شادى، فنان حقيقى يعرف ما يريده بالضبط ويعرف ما يطلبه منك، كان «شغل حلو». لم أكن قد عشت بعدُ فى ذلك الزمن قصة العزل المتكرر، كنت أكتب تحقيقات صحفية بأسلوب أشبه بالشعر، عن الجريمة وعن موضوعات أخرى. أتذكر قصة جريمة فى الصعيد: امرأة قتلت ابنها، قطعته ورمته فى بئر ثم جلست عشرة أيام جنب البئر دون أن تتحرك. أخذوها إلى القسم، لم تتحدث على الإطلاق لمدة أسبوعين. ذهبت إلى هذه القرية فى أسيوط، جلست معها، نطقت كلمتين، وكتبت القصة كتحقيق يشبه الشعر. أظن أن هذه بعض الأشياء التى جعلت شادى يرى أن هناك إمكانية لأن تكون اللغة «عربى فصيح» وفى الوقت نفسه «تشيل حاجات». ثم أننا كنا أصدقاءه، أنا وبهجت عثمان وآدم حنين وجمال كامل.

كان يحب هؤلاء الناس جميعا. رغم أن سيناريو المومياء لا يتجاوز 10 أو 12 صفحة عملنا فيه لمدة سنتين. اعترض البعض على أن يكون الحوار باللغة العربية الفصحى: كيف يكون بالفصحى وشخصيات الفيلم صعايدة؟ رأيت أن لا هى فصحى ولا هى عامية، بل لغة ملائمة لهذه الصورة. بدأت هذه الحكاية منذ أن ترجمت مسرحية «لعبة النهاية».

لم أكن أحب مسرح العبث، كنت شيوعيا ويساريا وكنت ضد هذه الأشياء. لكن تحدى الترجمة الأساسى كان اللعب باللغة، القدرة على تطويعها، على أن تقول بلغة جادة جدا «كلام فارغ خالص»، كلام «كبير» جدا ولكنه لا يعنى شيئا.

< «عبدالخالق المسيرى» فى «زهر الليمون» شخصية تعانى عزلة شديدة وإحساسا بألا تواصل ممكن بينها وبين العالم الخارجى. هل تعبّر عن إحساسك أنت بالعالم حولك؟

> أحب هذه الرواية لأنها الأولى التى نضجت فيها فكرة شعور ناس من الطبقة المتوسطة، خصوصا اليساريين منهم، «اتبعتروا» مثل زهر شجرة الليمون، وهم حلوين قوى، لكن لما «اتبعتروا» سقطوا على الأرض، لم يعد لهم قيمة وحتى شكلهم لم يعد جميلا. هناك مقابل لهم فى نفس الرواية، رجل يصنع «قلل» يعمل بيديه، يلف بالعجلة وعلى قدمه، وباستمرار تخرج من إيديه أشكال جميلة. هذان التناقضان هما اللذان يتسببان فى أزمة عبد الخالق المسيرى.

لكنى أعترض على ما تقولين عن العزلة. المسيرى شخصية إنسانية، تعبّر عن ازدواجية الطبقة المتوسطة، هو ملىء بمثاليات وأحلام ولكن فى نفس الوقت ملىء بالضعف والعجز والنقص، هو مزدوج مثلى أنا ومثل كل الطبقة المتوسطة. الازدواجية علامة فارقة فى الطبقة المتوسطة. هذه الطبقة هى التى عملت كل الأشياء الإيجابية وأيضا الأشياء السلبية فى مصر.

< أقصد أن شخصية عبدالخالق المسيرى تعبر عن عزلة شخص يشعر بالوحدة فى مجتمع يتعمق فى «براجماتيه». بعد 1967، انهارت كل الأحلام وهو يشعر بالوحدة لأن هذه الأحلام مازالت تمثل شيئا مهما بالنسبة إليه.

> الوحدة لها أشكال مختلفة.. كل الشخصيات التى كتبتها جزء منى شخصيا. الشىء الوحيد الذى أثق فى معرفتى له معرفة حقيقية هو نفسى. هناك أيضا ثلاثية الهجرة«قمر على المستنقع» و«عيون البنفسج» و«أطفال بلا دموع»؛ أتصور أنها عمل مهم قلت فيه أشياء ذات معنى عن أب وأم وولد أكلهم النفط، وعن أن 1967 لم تنته. 1967 لم تكن مجرد خمسة أيام، هى ممتدة حتى الآن.

 

< حتى 2009؟

> نعم، حتى 2009، وحتى 2013 كمان. مادام نعيش هذا السلام الملوّث. ما 1967؟ هى أنك كان لك حلم لتعديل ميزان المنطقة فحرمت منه. آسف على هذه الصورة… فقأوا العيون التى ترى وتحلم، ومازالوا «حاطين صوابعهم فى عنينا». فى 1973 العساكر الذين طلعوا التراب وماتوا، انتزع منهم النصر بعد 10 أيام. من 6 أكتوبر حتى 14 أكتوبر، هذه هى الفترة التى كانت الناس فيها تحارب. هذا هو فهم الرجل العادى مثلى الذى لا يعمل فى السياسة.

أتعامل مع هذه الأشياء كرجل عادى يريد حقه، له حلم يريد أن يحققه، وأطفال يريد أن يربيهم وطموح يريد أن يحققه. هذه هى السياسة بالنسبة إلى: ليست جلوسا إلى طاولة المفاوضات.

< أنت كتبت عن حى المعادى، «معادى السرايات» و«معادى البلد».

> أنا مولود فى هذا البيت، سنة 1939، أمى ولدتنى فى مصر القديمة عند أبيها ثم جاءت هنا. لم أخرج منذ ذلك الزمن (يضحك). المعادى بنتها شركة إنجليزية، فى بداية القرن العشرين، بنت نحو 40 بيتا للموظفين. كانت مقسومة قسمين، قسم للخواجات حول النادى، فيللات إنجليزية من الخشب، جميلة جدا، تؤجر مقابل أربعة جنيهات. النصف الآخر بعد سكة الحديد، للناس الذين يعملون لدى الباشاوات والخواجات، الخدم. كان ممنوعا أن تبنى دكانا أو تفتح محلا فى هذا الجزء من المعادى. عندما جاءت الطبقة المتوسطة، التى منها أبى، أنشأت امتدادا للمعادى شرق الخواجات والباشاوات وغرب «العامة». فى الشمال والجنوب، خصصوا أراضى للطبقة المتوسطة ومنحوها تسهيلات دفع وقروضا.

< ما علاقتك بالحى اليوم؟

> حى المعادى فقد كل خصوصية له، لأنه أصبح معبرا إلى 10 أو 12 حيا عشوائيا. الحكاية بدأت من الخطأ الجوهرى لثورة 23 يوليو التى أسست مصانع حلوان، فقضت على امتداد عمرانى طبيعى. حى مشتى جميل جدا ونظيف، كانت إلى جانبه عيون كبريتية، يعالج فيها ناس من جميع أنحاء العالم، حولته إلى امتداد صناعى، امتداد خاطئ للطبقة العاملة. من مشكلات الطبقة المتوسطة أنها شكلت حلما سخيفا للعمال والفلاحين ـ الكلمة التى كانت تتصدق بها ثورة 23 يوليو. لم يعد حلمهم أن يكونوا «عمالا وفلاحين كويسين»، لكن أن يتحولوا إلى طبقة متوسطة، هى ـ ومن دون تأويل أيديولوجى ـ لا صلة لها بالعمل، تجلس فى المكاتب أو تعمل فى السمسرة. الاتصال بالعمل والطبيعة الذى يصنع العامل والفلاح ويشعره بحقيقة الحياة لم يعد موجودا. لم يعد الريف ريفا، وهذا تطرقت إليه فى إحدى رواياتى من خلال كلمة قالها لى أحد الناس عن «البلد»: «ما بقيناش قرية ولا حاجة، النسوان بطلت تخبز والرجال تقف فى طابور العيش. فى الماضى كان عيب جدا إنك تجييبى أى حاجة من عند البقال».

< رغم أنك حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، إلا أن وزارة الثقافة تراجعت عن وعدها بتحمّل جميع تكاليف عملياتك الجراحية، فعشت قصة كابوسية عبثية وهددت بالحبس لمدة 3 سنوات إذا لم تسدّد التكاليف الباهظة للعمليات.

> أمضيت 100 يوما لا أعرف إن كنت حيا أو ميتا. أجريت عملية قلب مفتوح فى مستشفى تابع لجهة سيادية، يعنى المخابرات، وجاء طبيب فرنسى كان يجرى العملية دون أن يضع المريض على قلب صناعى. قام بعمله وترك لطقم الممرضين مهمة إغلاق الجرح. لم يغلقوه جيدا فأصبت ببكتيريا ـ تلوث بسبب القذارة ـ ما تطلب أربع عمليات جراحية إضافية. النظام كله مهين، تفكر باستمرار: ما الحل إذا لم تتوافر لديك المبالغ المطلوبة؟ فى نهاية المطاف قامت الدولة بدفع التكاليف لكن بعد صدور حكم ضدى. عند خروجى من المستشفى جعلونى أوقع على ورقة كنت أعتقد أنها ورقة خروج لكنها كانت فى الحقيقة «وصل أمانة». كأنى «حرامى»! ورفع المستشفى على بهذا «الوصل» قضية وحكم على فى نفس اليوم بالسجن ثلاث سنوات. اتصلوا بى وقالوا إنهم سيخفضون المبلغ، رديت «أنا مش دافع ولا مليم. ما عنديش فلوس وعايز أخش السجن، فرصة أستريح شوية».

< هل ستستغل مشهد العبث المعاصر هذا فى أحد أعمالك الروائية؟

> أحاول أن أنساه. لا أريد أن يكون «مود» اليأس القاتل هو محركى. الفكرة الأساسية التى خرجت بها من تجربة المرض هى أننا فى بلد ليس فيه شىء اسمه مواطن. هناك نظام ومؤسسات من المفترض أنها تعمل لخدمته. لكن فى الحقيقة، المواطن هو فى خدمة كل شىء، المواطن «شغال خدام» لدى الحكومة والشرطة والمستشفى. أن تكون فقيرا ومريضا أسى لا مثيل له. كنت فى تلك المؤسسة الضخمة، فى ذلك الصرح من الرخام الذى يشبه الضريح، صرح نظيف لكنه «خرابة» من الداخل، «خرابة» تأكل البشر، لا تعالجهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصورة لرندا شعث

نقلا عن جريدة الشروق الجديد المصرية

مقالات من نفس القسم