عطر الجوافة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

يميز ديوان أحمد البنداري الخير الصادر عن دار "شرقيات" باسم"عطر الجوافة" حالة شعورية واحدة متماسكة من أول سطر للنهاية، حالة إنسانية  مختلفة، وعالم خاص بالشاعر، يبدو البنداري في ديوانه يكتب حول ذات الشاعر دون التورط كثيرا مع الموجودات، دون الاشتباك كثيرا مع العالم حالة من الانسحاب من الحياة تغلف سطور الديوان، عزلة عن الاخرين، يظهر البشر كذوات غريبة مبهمة وغير مُعرّفة، في النص "فلاحة شابة تعرق حتي نهديها،  فلاح مُسِن، امرأة يبْعُد عنها، امرأة  فتاة تحسّس صدرها الذي ينمو لأول مرة".

بشر غرباء بعيدون، لا شيء حميمي يجمعهم  أو يربطهم بالشاعر، لا عشيقات ولا ابناء ولا اصدقاء، يقوم  النص الشعري على الغربة الساحقة، الوحدة مع مفردات عالمه يقول: ” مرة أخرى/ مفردات لا يمكنني الهروب/ من تكرار كتابتها/كمفردات الصيف /والشتاء والليل والنهار/ وكمفردة الحب” وكالعجز أيضا.”

  صيرورة الزمان هي ما تشكل عمود الخيمة  للنص الشعري، تعاقب الليل والنهار،  انقضاء الفصل تلو الآخر: فالزمن هو السيد والحاكم والاله الذي يسيطر علي مقادير البشر يقول البنداري” أنا في الصيف مُهَيَّأ تماما للحب، لكن كل قصص الحب، تبدأ في الشتاء” الزمان أيضا هو المقياس الذي يشعل خيال الكاتب، يقول “هي الآن الثانية بعد منتصف الليل، إذا تحريتُ الدقةَ /هي الثانية واثنتان وعشرون دقيقة/تفيدُ الدقة/ كما تفيد رائحة الفاكهة/ في تخيل طعم العَرَق المتسلل/من رقبة فلاحة شابة /إلى ما بين نهديها“.

ما يميز ايضا ديوان “عطر الجوافة” هو القدرة الهائلة علي الربط والاستدراك فالبنداري يمسك بيد قارئه  كي لا ينسى كُل” النص، وكانها حكاية  لا ترغب ان تنتهي وكأنها نقطة في اول السطر  ينطلق النص من بدايته لنهايته لكنه في نفس الوقت لا يبرحها و يبقي علي استقامتها يقول مثلا “أشجار الجوافة/ ربمايعتني بها فلاح مُسن/ له زوجة مريضة/وابن يعمل خارج البلاد/وابنة تكره زوجها /وأحفاد – غالبا لن يقرأ واحد منهم هذا النص”.

 وينطلق  عدة صفحات في النص ليعود يذكرنا بنفس الفلاح المُسن ثانية قائلاً:و “في نص سابق/لم يقرأه الفلاح الُمسّن ولا زوجته المريضة – كانت الرغبة قنينة وكان العجز قاربا”. يدرك هو ذاته استدراكه  للافكار وتكراره للشخوص  ويفسر ذلك قائلا: “بعد قليل سأتأكد من تكرار ما كتبت، وسأقول أني مكرر لأن كل الأشياء مكررة، سأتأكد أيضا من تناقض ما كتبت، وسأقول أني متناقض لأن كل الأشياء متناقضة.

وفي ذات مغلقة ومنكفئة علي نفسها يكون للحواس البطولة الأكبر في النص، الشم والسماع والابصار، والرؤية، النص الذي حمل اسم عطر الجوافة يبدأ البنداري الديوان قائلا: ” من كل أحداث اليوم لا أتذكرإلا رائحة الجوافة” و “في المكان الذي ربما /بين الفص الأيمن/والفص الأيسر/أو بين البُطَين الأيمن /والبطين الأيسر,/أو في أي فراغ آخر,/وبتأثير موسيقى “شوبان” التي ترتفع بدرجات محسوبة”و” أشعر بالجوع, /والرغبة في احتضان المرأة/التي كنتُ بعيدا جدا عنها,/فَطوَّقَتني حتى النهاية

الوحدة هي اختيار واع  للذات انها الطريق الوحيد للاستمرار ضد العبث والموت والجنون يقول” ماشيالا زلتُ …في مدينة خالية,أبحث عن امرأ/يمكنني احتضانهادون أن تضع سلاسلها/في رقبتي,/وطبيب /لا يؤكد لي بشكل دوري/أن الحياة عموما” تدمر الصحة وتسبب الوفاة “,/وشيخ/يبتسم في وجهي/قبل أن يخبرني أن مكاني محجوز/في قاع الجحيم” في الجزء الاخير يرصد ما يمكن ان نسميه الرؤى وما أطلق عليه  هو الاحالات” رؤي الشاعر للموجودات من حوله  المعنوية والمادة واعادة لتعريفه الذاتي لها عالعجز” والألوان” العطور” البلورات، الحزن، والفرح“.

يحمل نهاية الديوان رؤي وافكار  البنداري ذات النزعة الفلسفية والصوفية حيث   النص الشعري الحقيقي هو ما يحمل رؤية   للعالم والحياة  بجمل قصيرة مكثفة يقول”حيث يكون السير /يكون الاتجاه صحيحا,/حيث يكون الاقتراب /يكون الاكتمال حقيقيا,/حيث يكون الاستغناء /تكون المعرفة,/وحيث لا بداية /لا مبرر لانتظار النهاية.

………………………

احمد البنداري : شاعرمواليد المنصورة 1977 له خمسة إصدارات شعرية أولها “الموت بمنتهى البساطة” 2008 وآخرها ” عطر الجوافة ” 2014.

مقالات من نفس القسم