عصفور الكناري

مبارك السعداني
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

مبارك السعداني

    -أصبحت غير قادر على الاستغناء عنك، أنت كل شيء في مكتبي!

   كلام المدير بَلبَل كياني، أدخلني في دوامة بدأت ترتسم معالمها منذ مدة، ماذا يقصد بكلامه؟ هو متزوج وله أبناء… قد لا يكون سعيدا في حياته… وأنا متزوجة ولي ابن واحد، ويكفيني ما أنا فيه. طلبات البيت كثيرة، دخلي يغطي كل حاجياتي وطلبات ابني…

   في المصعد تكبدت خسارة بالصدفة وأنا لا أتحمل الخسارة. أمي تقول عني… منذ طفولتي لا أقنع بما في يدي، ولا أحب أن أهزم في أية حرب؛ إذا وضعت هدفا نصب عيني لا يهنأ لي بال حتى أحققه. في طريقي لزيارة رئيستي المباشرة في العمل آنذاك، صادفته على باب المصعد نازلا، وأنا طالعة إلى الطابق الخامس. ارتبكت، فضغطت على زر التاسع. كان وسيما أنيقا، يفوح منه عطر رجولي آسر، استرقت نظرة عجلى شفعتها ببسمة خاطفة، لم يكلّف نفسه عناء تحية أو نظرة، تجاهلني تماما. كانت الصدمة قوية.

     من يكون هذا المتعجرف؟ سألت زميلتي. بعد لف ودوران، استشعرت من كلامها أن شيئا ما يربطهما… كان في زيارة ليطمئن على صحتها، باقة الورد في يدي تسلل لها إحساسي فذبلت… ربما هي من جعلت حدسه يتلافاني. كان سلوكه طعنة خنجر مسمومة ارتج لها كل كياني… تكررت زياراتي لرئيستي في بيتها، أنقل لها أخبار العمل أولا بأول… الخطة واضحة في ذهني، ولا أحد سيشك في الأمر. عرفت من خلال حديث عابر أوقات زياراته لها. تعددت طلاتي عليها في أوقات غيابه. ولما استأنفتِ العمل كنت كظلها، صرت مكمن سرها، أنقل لها الأخبار حقيقية ومفبركة. ولم تمض أسابيع حتى كنا جالسين في مقهى على الكورنيش. رئيستي ركبها عفريت أزرق، كادت تجن! بعد أسبوعين من التعارف، أعلنتُ في مقر عملنا أنني مقبلة على الزواج، وأن الجميع مدعو بدون استثناء. تزوجنا بسرعة رغم معارضة أسرتي.

قال أبي: – زواج ليلة تدبيره عام…

زكّت أمي قوله:

– لا نعرف عنه شيئا، نسأل عنه أولا وبعدها…

ولأحسم في الموضوع قلت مستسلمة:

  • إنه قسمتي ونصيبي!!

    نشوة الانتصار على من رج كياني وتجاهلني، وإهانة من كانت تستعرض عليّ عضلاتها في العمل، كافيان لإقناعي باختياري، وتحمل أية تبعات تترتب عنه…

    بذكاء فطري، وحسن تدبير، ومعرفة بكيفية الوصول لما أخطط له من أقرب الطرق، أصبحت اليد اليمنى للمدير، وأكثر من ذلك… علاقتي بزميلاتي وزملائي في العمل يشوبها كثير من التوجس، وهو ما اعتبرته أمي حسدا وغيرة؛ لأني ناجحة في عملي…

    مضت على زواجنا سبع سنين، لم يربط بيننا سوى عدنان… مشاكلنا لا تنتهي، لا أنسى ذاك اليوم الذي أصابتني فيه غريمتي في مقتل، وهي تقول في جمع من الزملاء والزميلات:    

  • وقاني الله من الزواج بشغالة تكنس وتغسل الثياب وتطبخ… وربما هي من ولدت.

    لم أنم ليلتها، ضحكات الشماتة ونظرات الاستهزاء تخترقني كأسياخ من حديد صدئ. السيد زوجي مدلل أمه، ربته كأنه بنت، كان يبحث عن موظفة يعيش تحت كنفها، يفضل البقاء في المنزل. لأنه ببساطة لا يتقن أي عمل غير شغل البيت، يزعجني لما يصدح وهو يجلي الأواني… الواد… الواد… طالع… طالع… في البداية وجدت الأمر عاديا، ومفيدا لأتفرغ لعملي… لكن، أن تنام امرأتان في سرير واحد تفوح منه رائحة البصل، أمر لم أعد أطيقه، تحملت الوضع لرغبتي الشديدة في تحقيق أهدافي، مخططاتي كلها نجحت…

     ابني منذ مدة يطلب مني أشياء غريبة لا تصلح للصبيان، إلحاحه غريب هذه المرة يريد مرآة بطوله، يقضي من الوقت مع أبيه أكثر مما يقضي معي. وكم من مرة عبرت له عن رغبتي في عدم الاستمرار معه في حياة عبثية. فيكتفي بابتسامة ملغزة وصمت مقيت. هذه الليلة سأحسم في الأمر…

-وعدنان… ؟!

-إنه ابني بالطبع… لن أتنازل عنه، من أجله أتعب وأكد…

– وأنا، ألست والده الذي رباه؟!

– أنا واثقة أنه…

-لا تكملي من فضلك، هو من سيختار أمه… وأباه !!

     من شق باب المطبخ الموارب، اخترقتها ضحكاتهما وهما يضربان كفا بكف ويرقصان.

………………………………………….

*كاتب وقاص من المغرب

 

مقالات من نفس القسم