عزرائيل.. ابن خالي

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 82
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

ياسر ثابت

(1)

ذات مساء تداعب برودته وجهك التقيت وحيد الطويلة.. جلسنا: وحيد وزوجته الإعلامية منى سلمان وأنا.. إلى مائدة في ذلك المطعم

الذي يطل على صفحة مياه الخليج الهادئة.. زيارة خاطفة لكنها كانت كافية كي نلتقي.. أخيراً

في زيارته الأولى قادماً من تونس – حيث يعمل- جاءتني هديته من دون أن تسنح لنا فرصة اللقاء: أربعة ألبومات غنائية أولها للشيخ إمام “هم هم- ويل الهوى” وثانيها محمد عبد المطلب “حبيتك وبحبك – يا حاسدين الناس” وثالثها صالح عبد الحي في رائعته “ليه يا بنفسج”.. أما الرابع فهو للهادي الجويني “سمرة بروحي نفديك”… وروايته الأخيرة ألعاب الهوى

أدمنت تلك الهدايا لحناً وكلمة.. إلى أن التقينا

وفي قلب الحوار اكتشفت أنني أمام أحد أساتذة الحكي الأدبي… يحكي كما يكتب ويرسم فراشاتٍ ملونة ويطلقها فتطير حولك في رقةٍ آسرة ليجري الأطفال في محاولةٍ للحاق بها.. ولو نقلت عنه ما يقوله لكان مشروعاً روائياً استثنائياً.. وعندما انعطف بنا الحوار إلى ألعاب الهوى روى لي أسرار الأبطال الحقيقيين للرواية.. من أهل بلدته..وحدثني عن المقاهي الثمانية عشر التي جلس على مقاعدها ليضع تلك الرواية.. وحرص على أن تكون مثبتة في صفحتها الأخيرة.. مقاٍه امتدت جغرافياً من مصر إلى موريتانيا مروراً بتونس

سألته عن الحوار العبثي في الرواية بين الشيخ حامد وعزرائيل.. فانطلق يحكي بكل جوارحه كمن شهد الواقعة.. ومع نسائم الليل عدت مأخوذاً بكلامه.. تلقفت الرواية بين يدي لأعيد قراءتها في ضوء الأسرار التي باح بها صانعها الماهر

تأملوا معي هذا الحوار الذي خرج من تحت عباءة السحرية الواقعية ..أو قل البساطة المدهشة التي تسرقنا قبل أن تصنع لنا أجنحة من خيال

انتوا دابحين إيه النهارده يا حامد؟

لم يعطه الشيخ أذنه, ولا فات الكلام عليها, اعتدل من كوعته, أمسك وقية دخان, تحسسها منبعجة من المنتصف, ضغط على أطرافها قبل أن يفتحها حتى يلين دخانها, ويدخل المهتريء في المكبوس. خبطها برفق في الأرض مرتين, فتحها وألقى ما بها في صحنه الصاج, صحن شاف الأمرَين, وأتت عليه الأيام, طلاؤه الخارجي مقشر من معظم نواحيه. بدا مرقشاً بين الأبيض والأسود الكالح, سحب ورق البفرة, وبدأ يلف سجائره, طقس ليلي اعتاده منذ تعلم شرب الدخان, فجأة وجده أمامه

.. أنت مين, ودخلت هنا إزاي؟

أنا عزرائيل يا شيخ حامد

.. مين, مين يا خويا؟

عزرائيل

أحس أن شيئاً بارداً غشيه, وتسرب إلى الحشوة أسفله

.. وعايز إيه يا ابن خالي؟

مافيش ورك فرخة بايت عندك يا شيخ حامد؟

يا شيخ اتلهي على عينك أنت كمان, إحنا في إيه ولاَ إيه, قلت لي عايز إيه يا با؟

عايزك علشان تيجي معايا

.. آجي معاك, يا داهية دقي, ملقيتش غيري ولاَ إيه, أنت خلصت البهايم اللي وراك كلهم –يبلع ريقه- اسمع يا عبد الرحمن يا ابن خالي, روح دلوقت, وتعال بعد شوية

وقتك قرب يا شيخ حامد

أحس من نبرته أن الأمر ليس قاطعاً تماماً

.. شوف يا عبد الرحمن يا ابن عمي, نميرة مراتي, أنت عارفها, ولية سواقط قيد, إديني فرصة أسننها, أعمل لها شهادة الميلاد, اخلص لها ورق المعاش وبعدين تعال وقت ما أنت عايز, أسيبها لمين بعدي يا “عُبد”, تأخدش نفسين يا خويا

أنا ماشي, ومش هأغيب يا شيخ حامد

أنا بقولك عايز ورك, تقوللي تأخدلك نفسين, وإيه عبد الرحمن دي. البخل نسال اسمي ولا إيه.. وكمان بتدلعني علشان أنسى. قال عُبد قال. يا سلام عليك لما تطنش, هات الشاي يا شيخ

الشيخ لا يعرف هل هو فوق الأرض أم تحتها. صحيح أنه لا يخاف الموت, ولا يكترث لعزرائيل, ولم يفكر فيه مرة. يشعر أنه أدى الرسالة وزيادة, لكن مجيئه فجأة أربكه على نحو ما, سرعان ما تسللت إليه الرهبة شيئا فشيئاً, وأخذ يضحك على نحو هستيري وبصوت عالٍ زادته أسنانه المفرغة رنيناً (ألعاب الهوى – وحيد الطويلة- دار ميريت) ص 9-11

عودة إلى الملف

 

 

 

مقالات من نفس القسم