عبد النبي بعد أن أخرج الأمير للصيد: مجد الرواية عبارة زائفة

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 41
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

حاوره: أحمد ناجي

يبدأ محمد عبد النبي مجموعته القصصية الأخيرة التي صدرت عن دار ميريت تحت عنوان بعد أن يخرج الأمير للصيد بجملة دالة جدا تكشف الكثير من تفاصيل تجربته الإبداعية حيث يقول "وما نهاية هذا كله؟ ألا بد لكل فن أن يكون نوعا من الخداع؟

حاوره: أحمد ناجي

يبدأ محمد عبد النبي مجموعته القصصية الأخيرة التي صدرت عن دار ميريت تحت عنوان بعد أن يخرج الأمير للصيد بجملة دالة جدا تكشف الكثير من تفاصيل تجربته الإبداعية حيث يقول “وما نهاية هذا كله؟ ألا بد لكل فن أن يكون نوعا من الخداع؟

يكمل عبد النبي في مجموعته الثانية ما بدأه في مجموعته الأولي وردة للخونة من رحلة يحاول خلالها طرح الأسئلة باستمرار حول ماهية الفن والكتابة، وذلك عبر أطر وأشكال فنية تتنوع بين القصة القصيرة والمتتالية القصصية، في وقت يتراجع فيه الشعر والقصة القصيرة أمام الرواية، لذلك فقد كان اختيار عبد النبي للقصة القصيرة ليس فقط تحديا للشكل السائد من الكتابة، بل أيضا تحديا للقيم التجارية التي أصبحت تحكم سوق النشر، والكتابة في مصر، وربما لهذا السبب تأخرت المجموعة لمدة سنتين في أدراج دار ميريت. أثناء حواري معه كان عبد النبي يقلب في الكتاب ويقول أشعر أني أناقش وعيي من خمس سنين

يرفض محمد مصطلح مجد الرواية، ويري أنه نابع بالأساس من حس تجاري وليس فنيا، فهناك مجموعة من العوامل التجارية كالجوائز أو قوائم الأعلي مبيعا والسينما ساهمت في الترويج لمقولة مجد الرواية. علي المستوي الشخصي ، يشعر عبد النبي تجاه الرواية بدرجة عالية من المسئولية، فهو ينظر إلي الرواية باعتبارها فنا ضخما وكبيرا وإذا أردت أن تكتب رواية فيجب أن لا تقل عن الروايات العظيمة السابقة، يكمل قائلا أنا لا أريد أن اكتب رواية بحثا عن البرستيج أو مكانة اجتماعية كروائي شاب، كما أن كتابة القصة بالنسبة لي ليست تمارين علي كتابة الرواية، فالقصة هدف وفن في حد ذاته لا يمكن التعامل معها باعتبارها تمارين إحماء قبل نزول المبارة الكبري. ورغم أن قصص المجموعة تدور كلها حول شخص واحد هو الأمير/ فؤاد وتحتوي علي قدر كبير من الترابط، لكن عبد النبي رفض وضع كلمة رواية علي غلافها، مفضلا تعبير متتالية قصصية، ويستعير عبد النبي تعريف المتتالية القصصية من محمد خير، حيث يعرفها بأنها مجموعة من النصوص تحمل قدرا من الترابط أكثر من المجموعة القصصية لكنها في نفس الوقت لا تحتوي علي التراكم السردي الذي يميز الرواية، فالسرد في المتتالية يدفع نحو منطقة أكثر عشوائية وفوضي.

من أمام محل استديو قديم للتصوير الفوتوغرافي يبدأ الأمير/ فؤاد رحلته في متتالية عبد النبي، وهي رحلة أشبه برحلة صوفي أو درويش، رحلة نحو الداخل أكثر من كونها رحلة في العالم الخارجي، ورغم أن المصور العجوز يحذره في البداية بأن التنقيب في الصور القديمة مثل نبش القبور، لكن فؤاد/ الأمير لا يتوقف طوال المتتالية عن نبش الماضي والذكريات، بداية من طفولته وحتي رحلته إلي عالم المواليد والدراويش بحثا عن إجابة لأسئلته الوجودية. يسير فؤاد حاملا تحت إبطيه مجموعة قصصية لإبراهيم أصلان، مشبها الوجوه التي تمر أمامه بلوحات أحمد مرسي أو عبدالهادي الجزار، لكي يحول عبد النبي المتتالية بذلك إلي سيرة ذاتيه لمثقف شاب، وبهذه تصبح المتتالية حلقة في سلسلة من الأعمال الأدبية التي قدمت تيمة المثقف المنغلق علي ذاته وتساؤلاته الخاصة، وهو ما لا ينكره عبد النبي الذي يصف المتتالية بأنها “تحمل وعيا تسعينيا، حيث تركز علي الكثير من التفاصيل الشخصية، فأنا أراها كتابة جسد وكتابة ذات شخصية. حتي في خلفية الأحداث لن نجد أي لمحات واقعية تربط بينها وبين ما حدث في الشارع أو الواقع المصري في السنوات الأخيرة علي خلاف الأعمال التي ظهرت مؤخرا والتي تعود مرة ثانية إلي الكتابة الواقعية.

التساؤل هو السمة الأبرز في قصص المتتالية، فعبد النبي لا يري أنه صاحب مشروع إبداعي أو معرفي يسعي لتقديمه إلي القارئ، ورغم أن لديه مجموعتين منشورتين إلا أنه يقول كل ما اكتبه مجرد تجارب ومغامرات صغيرة احاول من خلالها عكس العالم كما اراه. وهو ما انعكس بقوة علي لغة المجموعة التي جاءت محملة بغنائية عالية، فهي ليست لغة تقريرية ولا تهدف إلي إيصال معلومة، بل هي علي حد تعبيره لغة دروشة وفتح مندل . ويبرر عبد النبي لجوءه إلي تلك اللغة بأن فؤاد/ الأمير شخصية غنائية تشبه الدراويش، كما أن هذه اللغة ساعدته في التعبير عن مواضيع شائكة كعلاقته بالله، كما أنني كنت اكتب المتتالية علي هيئة فقرات، كل قصة تحمل موتيفة جمالية خاصة بها، فواحدة مثلا عن الليل، وواحدة أخري عن الأحلام، لذلك تأتي نهايات القصص أحيانا كأنها مبتورة، لكنك ستجد فؤاد كثيرا ما يسخر من تلك الحالة الغنائية

يستخدم عبد النبي السخرية في المجموعة بقدر بسيط ومدروس لكسر حالة الايهام لدي القارئ كأن ينهي إحدي القصص بعبارة من نوع يا شمعة الوقت، انطفئي لأضيء.

يري عبد النبي أن الهموم والمشاكل التي عبرت عنها كتابة جيل التسعينات لا تزال موجودة حتي الآن، فالكاتب والمثقف معزول عن العالم الخارجي بسور بنته الكتب، وحينما يحاول هذا الكاتب الكتابة عمن يعتبرهم أناسا عاديين تأتي هذه الكتابة من الخارج، وفي أحيانا كثيرة سطحية غير صادقة، لذلك فهو يفضل الكتابة أكثر عما يعرفه، كما أنه يسجل ملحوظة هامة وهي أن صورة المثقف غالبا ما تختلف من جيل لجيل، لكن نفس الأزمة المتمثلة في عدم قدرته علي التواصل مع العالم سنجدها موجودة في كل الأجيال: ومع ذلك يقول عبد النبي لا أري نفسي جزءا من جيل التسعينات ولا الألفينات، فأنا لا أشعر أني انتمي إلي جيل محدد، المسألة ببساطة أن كل واحد لديه مجموعة من الأصدقاء القريبين من دائرة الكتابة ينحاز إليهم وينحازون إليه، لكن هؤلاء الأصدقاء يمكن أن يكونوا أحياء أو أمواتا، لكنهم في النهاية أسرتك التي تنتمي إليها.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم