نهضتُ من الفراش، فتعثرث قدمي بحجرِ. اتضح لي أنه سلحفاة، تتمشى بارتياح غريب على سجادة غرفتي. بطئها المعروف لا يبرره أبدًا. ولا أعرف من أين أتت! طمئنتُ روحي بأنِّي نائمة، ولازلت أحلم.
خرجتُ من غرفتي، فتأكد لي ما ظنَّت. التقيت بقرود يثرثرون أمام التلفاز، ويتسلَّون بتناول الفشار. صغيرهم يتنقل على الأرائك بمرح صاخب. يقذف لهم بالموز، وبيده الأخرى إناء فشار كبير يأكل منه، ويتساقط أغلبه على أرضية الصالة، التي صارت من فشار. هممت بالصراخ فيهم، ثم تراجعت متذكرةً أنَّي نائمة وحين أستيقظ ستكون الصالة مرتبة ونظيفة كما تركتها، ولن أضطر للتنظيف.
جلست أشاهد معهم حلقة مسلسل “هبة رجل الغراب”، أدهشني أنَّا نضحك على ذات المقاطع. لابد أن صغيرهم لاحظ نظراتي الجانبية، ألقى لي بموزة التهمتُها سعيدةً، بعدها مددت يدي باطمئنان للإناء في أيديهم لالتقاط حبات فشار. بدا لي أنَّا أسرة واحدة متحابة وجميلة.
تجولت في غرف المنزل الأخرى. فى الصالون، حضرت اجتماعًا برئاسة أسد، وحضور مجموعة نمور وذئاب. يمر بينهم حمار وحشي، لتقديم القهوة والشاي، مثبتًا صينية المشروبات على ظهره. تخطاني سريعًا حين أتى دوري، لم يسمح لي بالتقاط شيء، ولو كوب ماء صغير.
أحببت الجلوس بين ذئبين. في استراحة الاجتماع القصيرة، أخبرتهما أنّي منهم، بدت الدهشة على وجهيهما. فاستطردت أن داخلي ذئبًا يعوي دومًا، ابتسما لبعضهما ثم سألاني أن أعوي لأّكد لهما. تذكرت فيلم “Training Day” فخشيت أن أعوي كنعجة كما حدث مع”إيثان هوك” حين طلب “دينزل واشنطن” منه أن يعوي ثم سخر من عوائه. تداركت الأمر وقلت أن العواء الّذي أقصده مجازي لا سبيل للمسه، ثم حذرتهما بنظرات جانبية حادة ومخيفة ـ أتصورها هكذاـ أن هوك لم يتمكن من العواء بحنجرته، لكن سلاحه عوى في نهاية الأمر وقتل واشنطن، ثم انسحبت كبطل سينمائي وهمي يخرج من حانة مليئة بالقَتَلة بخطوات ثابتة وقلب يرتجف دون التطلع للخلف.
في غرفة الطعام، كانت الأرانب تعد الطاولة بسرعة ومهارة شديدة، يقفزن على الكراسي، ويرصن الأطباق والملاعق بنظام.
لم أنتظر طويلا في المطبخ، كان البط والفراخ يعدون الطعام بمعاونة حشرات طائرة وأسراب نمل. كانوا يغطسون في الأواني لإعداده. وجدت أنه يجدر بي إن أردت تناول الطعام معهم باستمتاع كعائلة واحدة كبيرة ألا أتطلع لكيفية إعداده لأتمكن من تناوله دون اشمئزاز.
واصلت جولتي، فوجدت زرافة في إحدى الغرف، تُخرِج رقبتها الطويلة من الشرفة. لوهلة ظنَّت أن السبب ضيق المكان، حتى اكتشفت أن زرافة أخرى تطل من الشرفة المقابلة، ليتبادلا القُبلات. أردت تركهما دون عزول، ثم تراجعت.. على الأرجح رَغِبَا بالتباهي والجهر بالمحبة، وإلا ما اختارا التقبيل هكذا في العلن. رأيتُ من الرائع أن أكون البشري الوحيد الَّذي يُشاهدهما، فالشارع كان خاليًا من المارة.
في وجودنا معًا، سألت الزرافة عن طعم المحبة كيف هو. أخذت بيدي وهي تبتسم،مشيرةً بعينيها لرقبتها، تسلقتُها ورحت أنزلق عليها مرارًا، تسلينا وضحكنا كثيرًا كأطفال، ونسيت ما سألت.
في غرفة نوم والديّ. وقفت غزالة أمام المرآة، تُحيطُها هالةً من الفراشات. يتناوبن على تزيينها بأدوات التجميل المتراصة على التسريحة. ما أن انتهين حتى طلبن مني الجلوس لأخذ دوري.
أسرّت لهن بتخوفي من المكياج الكامل، رغبتي فقط باستبدال “اللونا” ـ مرطب الشفاه الَّذي أضعه ـ بقلم روج أحمر حقيقي، وتجربة أقلام الكحل الملونة لا الأسود، مع تلوين خديّ بالوردي دون أن أضطر كما السابق للتعرض لأشعة الشمس في الطريق أو لقرصهما مرارًا ليحمرا، التهام حبات الطماطم لم يفلح أبدًا في تلوينهما، كما أدعت أمي في صغري لأستمر بأكلها.
من غرفتي أخذت أنغام الموسيقى تتصاعد، فرجعت إليها. رأيت ثعابين تتمايل راقصةً على موسيقى بويكا الإسبانية، ابتهجت روحي ورحت أقلد حركتها الناعمة بذراعيّ، حتى تسللت الموسيقى وانسابت في جسدي كله، استمرينا هكذا في الرقص طويلا. حتى رن جرس الطعام مدويًا ليحضر الجميع.
سحبت كرسيًا لأجلس، وقبل أن أريح جسدي أبصرت رأسي يتوسط طاولة الطعام، تسمرت لستُ جالسة، لست واقفة، عيناي تمر على الأطباق بريبة وذعر. ما أن أخذ الجميع مقاعده وهمَّ بتناول الطعام حتى صرخت فيهم ليتوقفوا، لم يستمع لي أحد، فواصلت صراخي. لم أتوقف إلا مع صفعة أختي على وجهي لتوقظني. استيقظت متعبة، أشعر بدوار في رأسي وببطني ممتلئة.