ما الذي يجعل أديبا يقرر في لحظة ما أن يكتب عن هذا الطيف الواسع من مجايليه؟، يمكن أن نردد كلاما كثيرا موضوعيا –وحقيقيًا- عن سد فراغ النقد، لكن هذا الكلام لن يكفي، لا بد من محرك ذاتي يدفعه إلى هذا العمل الذي يجمع بين الكدّ المرهق وبين إنكار الذات، إنكار ذات؟ بالتأكيد لأنه لم ينتهز الفرصة – وسط أي بورتريه- ليقول: هذا جميل ثم يبدأ بالكلام عن نفسه، إن هذا ليس أمرا سهلا أبدا بالمناسبة، وسأبرهن لك عن هذا حالا، فكيف أحكي لقائي الأول بحسن دون أن أقول لك مثلا، إنني كنت أمسك بقصائدي الأولى المكتوبة بخط اليد في تلك العصرية من نهار أحد أيام عام 2000 ، فينتزعها مني خالد اسماعيل بصوته الصعيدي :هات يا زعيم!، وينهض ليعطيها لذلك الشاب النحيل على طاولة أخرى في الندوة الثقافية ثم يعود إلى مكانه، وفي الأسبوع التالي أجد القصائد –لا إحداها – تحتل صفحة العامية كاملة في أخبار الأدب، ولكن لم تتح لي الفرصة لأشكر حسن أبدا، إذ لم نتحدث سوى بعدها بسنوات، ها.. ما رأيك؟ هل تحدثت عن نفسي أم عنه أم عن خالد؟
ربما لهذا السبب فإن حسن حين يكتب عن أحدهم لا يتوقف عن لكز الآخرين، فيقول لك إن فلان لا يتحدث كثيرا، ويفتح قوسا ليقول “على عكس علان” !، فتجد نفسك تضحك إزاء هذا النوع من الشر المحبب، لهذا فإنه لا يتوقف عن ذكر مقالب البساطي –حتى التي ارتكبها في حقه، أو عن “فطرية” حمدي أبو جليّل –ها أنا بدأت أتورط في الشر بسببك يا حسن- أو يفضح نفسه تماما ليعنون بورتريه عن صديقته –زميلته قبل ذلك- منصورة عز الدين بأنها “الشريرة الطيبة”، ما كل هذا الاحتفاء بالشرّ يا أبو علي؟
حين تفرّج أصدقائك على صورك الشخصية، يتأمل أحدهم أحيانا إحدى الصور ليقول لك: إن مصور هذه الصورة يحبك، لكن اللقطة الفوتوغرافية تستغرق ثانية أو جزءا منها، وحين قال حسن أود أن أضمك إلى سلسلة البورتريه تصورت الأمر كلمتين وانتهينا، لكنه يقرأك أولا ثم يعيد القراءة، ثم يلتقيك ساعات، ويحدّث أصدقائك، ثم يعيد مكالمتك قبل الفجر ليسألك عن قصيدة هنا أو موضوع هناك، ثم يكتب بعض ما تحدثتما فيه ويؤجل البقية لأنه “لا يريد مجرد إعادة النشر في الكتاب المرتقب بل يريد كتابة أوثق وأغزر”، هذا ما يقول عنه الناس “شخص يحب ما يعمل”.
هل يتسع قلب حسن لكل هؤلاء الناس، أم أنه يرى الجميل فيهم؟ أم أنه فحسب يجتهد فيما يفعل؟ سيّان، لقد أحببت ما كتب في جميع الأحوال.