طرق غير آمنة للكتابة

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

 

أحمد الفخراني

قطعاً، هناك طريق آمن للكتابة. طريق بأقل قدر من المخاطر، محفوف بالثناء المضمون، هل خضت فيه؟ نعم قليلاً. استمعت إلى التصفيق الحاد والممتع، ثم قذفت المصفقين بالحجارة والطماطم وصفافير الاستهجان، ثم عرجت في طريقي. القارئ يعمل سجاناً للكاتب في المساء. لا يمكن إنكار هذا.

 

الطريق الآمن كان أقل مرحاً. يحتفى بمنتظري المخلص المنتظر والكاتب المثال. يعتقد رواد الطريق الآمن أن الكاتب المثال، لم يمت، لكنه صعد. سيعود روحاً متلبسة فيهم، وحتى تحدث المعجزة، سيبذلون كل شيء لإيقاف الزمن، لتكذيب الطرق. الكتابة هناك،خارج الطرق الآمنة. المرح؟ هل أكتب فقط من أجل المرح؟ ومن أجل الشهوة أيضاً. اقتراف الذنب بكسر تصوّر مسبق عن الكتابة، والوقيعة بين شخص وبين تصوره الآمن عن العالم. إنها أشياء لطيفة وتدفعك دفعاً للكتابة. الشهوة دافع مقنع، تكدير الصفو الاجتماعي أيضاً، السلم العام… إنّها وقود ملائم لاقتراف فعل وقح كالكتابة. التفاهة حقيقية أكثر من العظمة. العظمة وهم في مخيلة كاتب رديء. لا أحتقر القراء تماماً، لكن عليك التخلص منهم بانتظام. لو فكرت فيهم، لاستنسخت حيواناتهم المنوية. لن تصير كاتباً، بل مستنسخ حيوانات منوية مرموق.

لمن أكتب إذاً؟ لقارئ على استعداد للتخلص مني فور اكتشاف ومضة جديدة في الأفق. يتناسب هذا مع طموحاتي ككاتب. أن أتجاوز الزمن. أن يتجاوزني الزمن. أن أصير نسياً منسياً. أفكار كالخلود تضحكني الآن. فالعالم يقترب من تدمير ذاته، أي طفل صغير يقذف السلطة الهائشة بحجر عقب ثورتنا البائسة، يعرف ذلك، لا وقت للخلود، لا وقت للنجاة من التجربة. دائماً أملك نصيحة بخصوص الكتابة. حتى قناديل البحر لديها نصائح. حب النصيحة مرض مصاحب لكل كائن حي. لذا من الطبيعي أن يكون لديّ واحدة: اكتب نشازك بجد. الجمهور سيقاتل من أجل الأوركسترا الوقورة والآمنة. مقاومته الهشة سيجرفها الرمل. نشازك سينجو لبرهة، ثم تأكله الريح. قبل أن تفعل، انتهز الفرصة. التقط صورة مبتسماً وراضياً لنجاة نشازك للحظات. اجعلها «بروفايل بيكتشر» على فايسبوك. تفويت الإعجاب، أمر لا يليق. إلى أي شكل من أشكال الكتابة، أطمئن؟ الموت. أنتمي إلى تلك الفئة من الكتاب: المقامرون، الخونة، قناديل البحر، يوتيوب. أي فئة أكره من الكتاب؟ الراسخون في العلم. أقدم على الكتابة بالوقاحة نفسها التي ينبغي أن أواجه بها العالم.

كهنة الكتابة فى كل زاوية وركن. وعند كل بوابة، حراس الثقافة، يعتقدون في الأسوار المعدة سلفاً. بعضهم قراء، لكن الخبر المفرح: إنهم ميتون. فقط على أحد أن يترك لهم ورقة صغيرة ملونة تحمل تلك الملحوظة: عزيزي الكاهن. أنت ميت، انتبه لأطرافك المفككة.

ماذا تحمّلت؟ الشك، الندوب التي يخلفها الذنب، المعايرة بالخطيئة، كلمات الميتين: الأدب الرفيع، الذوق العام، كان يمكن لروايتك أن تكون أسهل. كان عليك أن تكتب بتلك الطريقة. النسب البائس لكتّاب لا أحبّهم فقط لأنّهم لم يقرأوا لسواهم. أكتب الآن، أكتب عن الآن.

 

مقالات من نفس القسم