مصطفى السيد سمير
هكذا
مدت إصبعا من لهب
وأحرقت زوارقنا
كلها
فأين أذهب الآن
بكل هذا البحر,
وكيف لي أن أعود
وقد أحرقت قدمي
أيضا..
..
أخبرتني صديقة
أن الرسائل الجميلة التي أكتبها لصديقات وحيدات
بلا توقيع
هي أمر مؤلم إلى أقصى حد..
وأنهن يغرقن وسط فقاقيع الأسئلة اللذيذة
عن ذلك الدفء الذي يبحث عن أجسادهن..
بل إن إحداهن قد أسرت لها
أنها قد تعرت تماما أمام المرآة
ثم قرأت رسالتي بصوت عال
فشعرت بالحروف تتحول إلى ساعدين يحيطان خصرها
وأنها
– تقسم –
قد شعرت بانضغاط نهديها الصغيرين
وارتفاع قدميها عن الأرض.
يا صديقة
كيف أخبرك أنني أفاجأ بتلك الرسائل
مثلهن تماما
تورق أحيانا كالبنفسج فوق أصابعي
وتدهمني أحيانا كسيارات غير مبالية..
وكيف أخبرك أنني قد اعتدت التدخين
فقط
لأخفي رائحة الدخان المنبعث
من قدمين محروقتين.
..
هكذا
مدت كفها الصغير
الذي كان يضيع داخل كفي
سلبتني أحلامي كلها،
والكوابيس،
وساعات الأرق التي تتغذى
على القهوة والشرود..
ومنحتني حلما وحيدا
يتكرر كل ليلة,
فأين أضع كل هذه العلب
من الأدوية المنومة،
وماذا سيحدث
حين تكتشف أنني أكرر خطئي كل ليلة
وأنسى أن أغلق الباب ورائي
في نهاية الحلم.
..
في أحد الأحلام
فتحت باب بيتي خارجا
فلم أجد شيئا
لا ضوء / لا صوت / لا حرارة
خطوتي بلا ظل،
حواسي محشوة بالفراغ،
قدماي كوكبان تائهان،
وقميصي من مادة لم تعد موجودة في هذا العالم..
فلا أمل
– إذن –
في إصلاح ذلك القطع القديم في جيبي الأيمن،
أو إعادة ذلك الزر العلوي إلى مكانه
كي يكون بإمكاني الانشغال بشيء آخر..
.
هكذا الجميلات
يا صديقة
يشبهن رسائلنا إليهن
يأخذن ما في أجسادنا من دفء
وما في أعمارنا من ياسمين
لغزل الحروف
ولا يتركن إلا الخدوش الصغيرة
على أطراف الأصابع,
يأخذن ما في أرواحنا
من طرق ممهدة للغناء
ولا يتركن سوى وخز طفيف في الحنجرة
بسبب الحروف التي كسرت
في طريقها إلى الخارج.
وهكذا الرسائل
يشبهن جميلات بعيدات
يملأننا بالضوء والهديل
لنبصر صباحاتنا الخاصة,
ويحملن عنا فائض اللهفة
قبل أن تثقب أرواحنا,
ويربتن على أكتافنا
حين يدمينا ألم الاحتفاظ بالجمال
فلا تتوقفي عن كتابة الرسائل
ولا تخشي إلا لحظة واحدة :
حين تنتظرين ردا على رسالة ما
تقبع فوق طاولتك
منطفئة
فارغة العينين
كسمكة ميتة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
من ديوان “ملامسة السماء ..هكذا” الحائز على جائزة أخبار الأدب 2015، صدر مؤخرًا عن سلسلة الإبداع الشعري الهيئة العامة للكتابة