طارق إمام السارد بأمر الشاعر

عندما قابلت إبراهيم فرغلى لأول مرة
Share on facebook
فيسبوك
Share on twitter
تويتر
Share on whatsapp
واتس أب
Share on telegram
تيليجرام

شعبان يوسف

منذ أن التقيت مع الكاتب والروائى طارق إمام، وهو فى صحبة والده المترجم الكبير سيد إمام، اعتبرته حالة خاصة فى الحياة الثقافية، وربما يكون صديقنا سيد إمام ترك بعض توصيات هنا أو هناك لرعاية ابنه الشاعر الموهوب، ولا تستغرب حكاية الشاعر هذه، فهو بالفعل شاعر بامتياز، وقارئ للشعر جيد، وصديق للشعراء الكبار بحميمية، وأعتقد أن صديقنا الراحل حلمى سالم كان له أقوال وآراء إيجابية فى طارق وقصائده التى نشرها بالفعل، ولم يتردد فى ذلك النشر، وأنا أعتبر أنه لم ينتقل من تلك المساحة الشعرية التى مازالت تلاحقه حتى الآن، رغم أن مجهودا واضحا لدى طارق فى مطاردة تلك الروح الشعرية فيما يكتب.

شعبان يوسف

منذ أن التقيت مع الكاتب والروائى طارق إمام، وهو فى صحبة والده المترجم الكبير سيد إمام، اعتبرته حالة خاصة فى الحياة الثقافية، وربما يكون صديقنا سيد إمام ترك بعض توصيات هنا أو هناك لرعاية ابنه الشاعر الموهوب، ولا تستغرب حكاية الشاعر هذه، فهو بالفعل شاعر بامتياز، وقارئ للشعر جيد، وصديق للشعراء الكبار بحميمية، وأعتقد أن صديقنا الراحل حلمى سالم كان له أقوال وآراء إيجابية فى طارق وقصائده التى نشرها بالفعل، ولم يتردد فى ذلك النشر، وأنا أعتبر أنه لم ينتقل من تلك المساحة الشعرية التى مازالت تلاحقه حتى الآن، رغم أن مجهودا واضحا لدى طارق فى مطاردة تلك الروح الشعرية فيما يكتب.

هذه الروح الشعرية لا تكمن فقط فيما يكتبه طارق، ذلك الشاب سليل العائلة الموهوبة، فالوالد مترجم كبير، مترجم ينتقى ما يترجمه، ولا يترجم مايعرض عليه _كما أعتقد_، والعم كاتب قصة قصيرة بامتياز، بل أعتبره أحد كبار كتّاب القصة القصيرة جدا بجدارة، لذلك تسللت إلى طارق تلك الروح الشعرية في كتاباته، وفى حياته نفسها، وهذا الأمر لا يفسد على وجه الإطلاق للسرد أى قضية، بل أستطيع أن ألاحظ أن ثمة صراعا خفيّا ينشأ بين جملة شعرية وجملة سردية فى غالبية ما يكتبه طارق إمام، حتى العناوين تنتمى إلى ذلك الصراع الذى أزعمه، فهاهو عنوان روايته الشهيرة “ضريح أبى”، ثم “شريعة القطة”، و”هدوء القتلة”، وعندما أراد أن يكون أحد أبطاله من عالم الأدب، اختار الشاعر السكندرى كافافيس، وكتب روايته “الحياة الثانية لقسطنطين كفافى”، وفى اعتقادى أنه يكتب نقدا ممتازا عن دواوين شعرية ذات خصوصيات فنية عالية.

ولو تأملنا كتابه السردى الأخير “مدينة الحوائط اللانهائية”، نكتشف على الفور أن الشاعر هو الذى يدير المادة السردية بقوة وافتتان ودقة متناهية، ولا استغراب من اجتماع تلك الصفات جنبا إلى جنب فى ذلك الكتاب الممتع، أى اجتماع الفتنة التى تفسد الدقة أساسا، والسرد الذى يربك السرد بطبيعته، فمنذ العنوان “مدينة الحوائط اللانهائية”، وهو عنوان يفترض أن يوضع فى مقدمة قصيدة، ورغم أن توصيفا يقول بأن ذلك الكتاب “قصص، إلا أننا سنلاحظ، بل سنتأكد أن الشاعر يقف عاريا تماما وواضحا فى كافة هذه القصص، وهذا يبدو من الانحراف الغرائبى الواضح فى كل ما يحكيه السارد، أقصد الشاعر، ولا حاجة لى باستدعاء العناوين الفاضحة لشعرية الحكاية كلها، وهذا الأمر مشروع جدا عندما يصل الفنان إلى إحدى الذروتين فى الشعر أو القصّ.

فى “حكاية ظل الشيطان” يقول السارد الشعرى: “ذات يوم رأى طالب علم فتى ظلّ الشيطان، واندهش، لأنه كان يعرف أن الشيطان هو الكائن الوحيد على ظهر البسيطة الذى بلا طائل، هكذا لقنوه منذ طفولته المبكرة، وصدق أنه_ وربما بسبب ذلك تحديدا_ تمكّن الشيطان يخشى ظلّه لأنه يبرز هيئته الحقيقية التى يخفيها بشكله الخارجى، فالظل لا يكذب. من هنا يعرف الشيطان خطورة ظله، ويخشى اللحظة التى قد يخونه فيها ظلّه ليعود للظهور معريّا حقيقته أمام العالم”.

لن نتوقف عند اختيار طارق إمام للشيطان لكى يكون بطلا لإحدى قصصه، فالشيطان كثيرا ما يكون بطلا شعريا مثلما لاحظنا عند أمل دنقل فى قصيدته “كلمات سبارتاكوس الأخيرة”، ومن قبله “ترجمة شيطان ” لعباس محمود العقاد، وبينهما كان الشاعر على محمود طه يجعل من الشيطان زائرا شعريا بوفرة فى قصائده، ولن نتوقف عند ذلك الملمح لأن الشيطان كان بطلا قصصيا أيضا، ويكفينا أنه كان معلما رئيسيا فى رواية “فاوست”، ولذلك سنجد بعيدا عن الشيطان وشعريته، الجمل القطعية والحاسمة التى تتسل لدى الشاعر السردى، أو السارد الشعرى، مثل ” الشيطان هو الكائن الوحيد على ظهر البسيطة الذى بلا ظل”، و”الظل لا يكذب” ، و” الشيطان يعرف خطورة ظلّه” ، وهكذا وهكذا، وهذه سمة واحدة نختطفها من بين عشرات السمات التى تؤكد أن طارق إمام يكتب سردا، يطارده شاعر بجدارة، ومن هنا تولد صفة ثالثة تؤكد على أن المزيج السردى الشعرى يؤلف جنسا ثالثا شديد المتعة والجمال، وربما يكون طارق إمام هو الأجدر بالانفراد بهذه السمة بين أبناء جيله الموهوبين، وقد حقق فى ذلك المنحى إنجازا يخصّه وحده.

عودة إلى الملف

 

مقالات من نفس القسم