إبراهيم داود
في “اتصافات” ديوانها الأول، نجحت إيمان مرسال في التعبير عن حساسية مختلفة في القصيدة العربية الجديدة في مصر، وجاء صوتها مثل نسمه عابرة تحاول “ترطيب” جو قصيدة السبعينيات الخانق، واعتمدت في هذا الديوان نسقاً موسيقياً أقرب إلى نسق الرواد، وأفلتت من صيغه الشاعر الذى يملك اليقين كله ..
وبعد مرور أكثر من أربع سنوات على صدور “اتصافات” تخرج علينا بديوانها الثاني “ممر معتم يصلح لتعلم الرقص” ويعبر عن طموح القصيدة الجديدة ومشاكلها في الوقت نفسه.
“البيت، الأب، المدرسة، الأم، …” مفردات عالم الشاعرة الحميم وعالم شعر التسعينيات كله ..
لا يكفى أن أشير إلى مناطق في الطفولة أو البيت مثلا بحثاً عن الشعر، نستطيع أن نفجره من أي شىء، الشعرية مثل الجبل المملوء بعروق الذهب، والكل يعلم أن هذا الجبل فيه ذهب … ولكن الشعر هو كيف تصنع من هذه العروق أقراطا وأساور وخواتم، ووظيفة الشاعر هى صناعة الجواهر أما القصيدة التي استهوت إيمان في ديوانها الجديد، هى قصيدة طموحة – بلا شك – ولكنها لا تجعل للمهارة وزناً، رغم أنها ليست مثل الشعراء الذين لا يهتمون بالصناعة ولا بتوسيع أفق القصيدة عن طريق الحذف، بحيث تشير ولا تفصح .
أصبحت هناك جملا شائعة أو “لزمات” شعرية، عبارة عن حلول سابقة التجهيز لإنقاذ القصائد وإرباك السياق مثل “ربما لهذا ….. والمدهش ….. للأسف …. تماماً …” وأصبح هناك منطق متشابه في كتابة معظم القصائد له مرجعية عند شعراء لبنانيين مثل وديع سعادة وعباس بيضون وسركون بولص أو عن ترجمات لشعراء عالميين كبار. هذا بالإضافة إلى القصور الذاتي والاستطراد والحشو الذي يملأ القصائد ويصيبها بالترهل كما في قصيدتها “لي أسم موسيقى” والتي تبدأ “ربما الشباك الذي كنت أجلس بجانبه.. كان يعدني بمجد غير عادى.. كتبت على كراساتي .. إيمان … طالبة بمدرسة : إيمان مرسال الابتدائية ”
تدخل القصيدة بعد ذلك في تنويعات حول تلك الفكرة، استهوت الشاعرة في محاولتها لمواجهة الواقع المحيط بعد أن اكتشفت جمال اسمها وموسيقاه .. ولكن التداعيات المتتالية تخفف منسوب الشعر تلقائياً، بحيث تفرغ الفضاء الشعري من التوتر الذى أقام القصيدة.
“فكرتُ أن أسمّى شارعنا باسمي،
شرط توسيع بيوته
وإقامة غرف سرية
بما يسمح لأصدقائي بالتدخين داخل أسرّتهم
دون أن يراهم أخوتهم الكبار
بعد هدم السقوف لتخفيف العبء عن الجدران
ونقل أحذية الجدات الميّتات والأواني
والعلب الفارغة_ التي أخرجتها الأمهات خارج الحياة
بعد خدمه طويلة_ إلى شارع آخر.
يُمكن أيضا دهْن الأبواب بالأورانج
_ كتعبير رمزي عن البهجة –
ووضع مقابض مخرومة
تسهّل على أي واحد
التلصّص على العائلات كبيرة العدد ..
وبهذا لا يكون هناك شخص وحيد في شارعنا“
البناء الهش هنا قائم على الاستسهال وحمى إرباك العالم وازدحام العوالم وتقديم خلطة سحرية ومحاولة فتح نوافذ على أحذية الجدات الميتات والأواني الفارغة والمقابض المخرومة والعائلات كثيرة العدد .. الخ والتي استدعتها فكرة إقامة غرف سرية للأصدقاء بغرض التدخين بعيداً عن الأخوة الكبار. أفهم أن غرض الاستطراد في النثر هو البحث عن معنى، ولكن في الشعر لا يكون للاستطراد معنى، ويفقده قيمته، ثم ما معنى الجمل الاعتراضية “بعد خدمه طويلة” أو “كتعبير رمزي عن البهجة” … أن دهن الأبواب بالأورانج يكفى لكي أحس بالبهجة كل هذا من أجل “ألا يكون هناك شخص وحيد في شارعنا” ولا أدرى لماذا “في شارعنا”؟
ورغم انتماء الديوان إلى قصيدة النثر فإن معظمه مكتوب بمنطق قصيدة التفعيلة كما في قصيدة “سقوط عادى” مثلاً.
وتعتبر قصيدة “تمارين الوحدة” هى أكثر القصائد تماسكاً. فهي تعكس أساساً رائقاً نجحت الشاعرة من خلاله أن تصنع نصاً عذباً وحاله حقيقية بدون قنص أو افتعال
إيمان مرسال شاعرة موهوبة …. ننتظر شعرها في ديوانها الثالث
ــــــــــــــــــــــــــ
الهلال أكتوبر 1995