عزمي عبد الوهاب
كنا شيوعيين
ننام على حلم الثورة في الشوارع
والأعلام الحمراء
فوق قصر الرئاسة..،
كنا نرى آباءنا
في الليالي الباردة
يجلسون جنب الجدار
وفي عيونهم شيء غامض
كالكراهية
فننظر بعيدا:
في الأفق حفاةٌ
يقطعون الطريق إلى شارع البورصة
يحتلون مبنى البرلمان
ويعلنون الثورة من التلفزيون
فيهرب رجال المال والأمن والسياسة
والفئران
من نوافذ القطار
وتهتف المظاهرات بأسمائنا..،
كنا نكره النساء
اللواتي يضعن “البارفان”
خلف آذانهن،
ويستحممن بالشامبو،
لأن واحدة منهن
نظرت إلى رفاقنا
المعتصمين حول الكعكة الحجرية
في ميدان التحرير 1972
وهتفت:
“سوف ينصرفون إذا البرد حلّ”
نحن كذابون
الحقيقة أننا لم نعرف طعم القبلة
من شفتين ملطختين بـ”الروج”
معنى يدين تمسحان عن رأسنا
قلق الوحشة،
كانت لنا غرفنا السرية عموما
ولم نكن نكرههن
كما ادعينا..
كنا طلابا في المدارس والجامعات
وشيوعيين أيضا
نهزأ بأصدقائنا
الذين ينتظرون نبيا
يأتي من زمن الستينات..،
وكان آباؤنا يروننا جميعا
عيالا خائبين،
أفسدتهم الكتب
غدا.. يصير بإمكان الواحد منا
أن يشتري قميصا
يشتري حريةً..،
غادرنا ديارنا،
تعرفنا إلى بيوت كثيرة
فارتحلنا من بيت إلى بيت
في انتظار الثورة..،
جلسنا على المقاهي
رقصنا” التانجو”:
خطوة للأمام
خطوتان للوراء،
دخَّنا السجائر الرخيصة،
كتبنا على أبواب المراحيض العمومية:
تحيا الثورة
التي تزحف نحو شارع البورصة
وتزرع الخراب في الفنادق الكبيرة..،
كان الطريق إلى قرانا طويلا
ونحن مصرون
أن نعود إليها جنرالات
تزين قمصاننا النياشين
فيعرف الآباء الجالسون
في الليالي الباردة
جنب الجدار
أننا لم نكن عيالا خائبين..،
انتظرنا..
ياما انتظرنا
لا الثورة جاءت
ولا اشترينا قميصا،
لكن شيئا غامضا
يطل من عيوننا
كأنه العدم
كأنه الموت !