عماد مجاهد
فى روايته شقي وسعيد، ابتكر الروائي حسين عبد الرحيم لعبة فنية تخصه وحده، لم يأخذها أو ينقلها من كاتب أجنبي أو عربي، وهي لعبة فنية مركبة وليست بسيطة.شقيشقي
بطل الرواية، اسمه الحسين، الذي يحكي لنا الرواية، ذاكرته مفتوحة علي كل الأزمنة، حتي المستقبل الذي لم يحدث، يتذكر أوقاتا وأحداثا عاشها البطل، أو لم يعشها، يعرف أصحابها أو لا يعرفهم، ميزة أخري خارقة لذاكرة البطل. وذاكرة الحسين تدخل ذاكرة أي إنسان وتتذكر حياة هذا الإنسان، “أسأل نفسي في خرس هل عشت حقا ما مضي أم أنها أحلام غاصت فى كوابيس زمن آخر عاشه غيري” من نص الرواية أيضا “أظنها حيوات أخري لبشر يشبهوننى”.
ميزة هذه الفنية أنها تجعل البطل يتنقل بسلاسة ويسر إلي أي زمن وأي حدث، تنتشر الجمل عن الذاكرة المفتوحة، علي امتداد الرواية، من نص الرواية “توقفت بذاكرة تنفتح علي أزمنة سيالة” “ذاكرة تنفتح علي عوالم تخصنى رأيتها من قبل أماكن قابعة في الذاكرة عشت فيها.. لا لم أعش”، “رأسى تدور بخيالاتي في بلاد الله وأماكن أعرفها ولا تعرفني ” ” تسبقني خيالاتي بذاكرة منفتحة علي ما حدث وكثير من آت لا أعلمه” تكرار انفتاح الذاكرة علي أزمنة متنوعة، يؤكد أنها ليست جملة ذكرها المؤلف بالصدفة، بل فنية، هي العمود الفقري، المركزي للرواية، هذه الفنية جعلت من السهل جدا وبجرة قلم، وعن طريق كتابة سطر عن ذاكرة البطل المفتوحة علي الأزمنة، تحويل أي مشهد مهما كان واقعيا، إلي مشهد خيالي أو خرافى أو حلم. هذا المشهد ربما حلم أو لاوعي : فمشهد السفينة التي بها سيدات شقراوات وجميلات، وقبطان وينادي علي الحسين لاوعي حسين يرفض ممدوح المكوجي، لذا صدرأمر “عد لغرفتك مستر ممدوح حتي ينتهي الحفل ” لايسمح لممدوح في الحلم حضور حفل الشقراوات، لأنه في الحقيقة اعتدي علي جسد أم هاشم، اغتصبها،رفض لاوعي الحسين شخصية ممدوح المكوجي فى نهاية الحلم تقول صديقة الأم “استيقظ يا حسين فقد تغير مسار الرحلة ” هذه الرواية ليست تأريخ لحرب 1967، رغم أنها تبدأ في أجواء ضرب بور سعيد،من قبل إسرائيل، هي رواية إنسانية، الحرب كسكين ضربت وذبحت مشاعر البشر المهجرين، أثر الحرب كصدمة وكرب علي مشاعر وحياة الشخصيات فجأة ضرب بالصواريخ، قرار تهجير، لنش وبطاطين خوف لا يعرفون أين سيذهبون، تشرد وبؤس يصلون المنصورة، مجمع المدارس يقيمون فيه، بعد الحياة المنظمة الجميلة في بور سعيد، دمرتها الحرب داخل الفصل المدرسي الواحد، عشر أسر، لكل أسرة ركن أو زاوية، لنصب الأسرة، دورة مياه مشتركة، لعشرات البشر،الفقر الذي عاشته أسرة الحسين، وغياب الأب ارتباك حياة المهجرين، في طلخا، الصديقة الأم تبيع الفاكهة، نظلم الرواية إذا طبقنا عليها وجهة نظر نقدية تقليدية، مسبقة الكلام النقدى المعتاد والمتوقع،القديم لا يصلح هنا، هذا العمل له فنية جديدة، (الذاكرة المفتوحة علي أي زمن) لذا عندما نبحث عن أسباب الجمال، فى هذا العمل الأدبي علينا استكشاف،أسباب الجمال الخاصة بهذه الرواية، الذاكرة التي تنتقل من زمن لآخر،جعلت المؤلف حسين عبد الرحيم، يختار وينتقي، بحرية شديدة، الأحداث المعينة فقط، بدقة وعناية، فأفلت وابتعد بعيدا عن ضخامة عرض التفاصيل، وتجنب عرض معلومات هائلة كثيرة، عن الأبطال، إنه فن الانتقاء انتقاء شديد الدقة، أيضا المسكوت عنه كثير، حياة الحسين ابتدائي إعدادي ثانوى، وكلية، الحسين عمره خمسون عاما كلها مسكوت عنها، فصول لم تكتب، نتجت عن فنية التنقل بسهولة بالذاكرة عبر الزمن، هذه الفنية تصنع دهشة أعنف وأقوي بكثير، من السيريالية والعبث و اللامعقول، وهذا سر الدهشة التي نشعر بها عند قراءة كل جملة وكل سطر في الرواية، السؤال الذي يطرح نفسه : لماذا كتب حسين عبد الرحيم اعتداء جسدي ؟ لماذا اغتصاب واعتداء جسدي من السايح علي صديقة أم بطل الرواية، لم يفلح في اغتصابها، واغتصب ممدوح المكوجي أم هاشم يوسف شاهين المخرج العالمي يقول” الوطن هو الناس ” أي الونس فلان الحلاق الذى تحبه، جارك بينك وبينه مودة، وتحبه الوطن هو الناس الذين تحبهم يدخلون قلبك، يحسنون معاملتك، يعطونك الفرح والسعادة، من قلبهم، أم هاشم وصديقة، هما الونس مصدر الدفء والفرح والسعادة، بالنسبة لبطل الرواية، واغتصاب أم هاشم والاعتداء الجسدي علي صديقة، هو ذبح لمشاعر البطل الحسين، وقتل لجزء كبير من إنسانيته، السبب والتفسير لما أقول : الحسين وحيد يشعر بالوحدة، منذ بداية الراواية، من نص الرواية ” وحدي في العنوان الكائن أيا كان (18 حارة سعيد طلخا)” يقول أيضا ” استعيد ليالي وحدتي ” أم هاشم كبيرة وجميلة تقول للطفل بطل الرواية، الحسين “أنت من تؤنس وحدتي ” ” تعوض غياب الأقرباء أبي وأحمد و أمي الراحلة ” ” شقيقي فارس الذى مات منذ اربع سنوات ” “أنت الأقرب أنت من تؤنس وحدتي ” “أنت تراني وحدي بلا ونيس ” أم هاشم وحيدة و الحسين، هو الونس يؤنس وحدتها، و أم هاشم هي الونس للحسين من الوحدة، تفرح به في بيتها، تعد له الطعام الجميل، الزبد والجبن وكل ما يحب، تشترى له الحصان الحلاوة، في مولد النبي، الونس لاتوجد كلمة أكثر روعة، لوصف ما تقدمه أم هاشم من حب لطفل، وسعادة وفرح وتجعله ينسي أحزانه معها، الونس كلمة بسيطة، الونس هو الدفء الجميل، الذى عشش فى روح الحسين بطل الرواية، صديقة الأم الجميلة، هى من تؤنس وحدة ابنها، الأب غير موجود، عند ترحيلهم وإقامتهم،في مجمع المدارس،وحمامات مشتركة واعتداء السايح الجسدى عليها، عليها أخذ علقة، وهذا يدل علي فشله في اغتصاب صديقة، رغم أن حسين عبد الرحيم، أعطي إشارات عن تطابق فؤادة في فيلم شئ من الخوف مع صديقه، إلا أنني أري أن صديقة هى الونس لوحدة الطفل، والاعتداء علي صديقة هو اعتداء علي الشخصية التي تخرجه من الحزن، أم هاشم الجميلة هي من تؤنس وحدة الحسين، أم هاشم يغتصبها ممدوح المكوجي ويهرب، وتنتحر بإشعال النار في نفسها، الصدمة الأولي اغتصاب ممدوح لأم هاشم، في دورة مياه الحريم المعزولة، الصدمة الثانية انتحارها وإشعالها النار في جسدها، تجرى في الشارع كتلة من نار مشهد بشع، الصدمة الثالثة موت أم هاشم وجسدها الميت وبشاعة المنظر، ثلاث صدمات أثرت علي نفسية الحسين كطفل أحبها تحضر له القشدة والطعام تشتري، لعبة المولد عندما يتم اغتصاب أحب الشخصيات، لإنسان ما سيدة جميلة تؤنس وحدته أم هاشم، فالدنيا فقدت قيمتها وطعمها وأهميتها ل الحسين الاغتصاب ذبح للحسين وقتل معنوي لمشاعره، وكذلك الاعتداء علي أمه وكان هناك ذبح واقعي لمشاعر الحسين، عندما يري الأب مع الأم يأكلان في مطعم اللحم المشوي، وهو وأخوه في البرد أمام فرشة الفاكهة، ويوم صبيحة الامتحان، يصر الأب أن يذهب الحسين لفرشة الفاكهة،ويندهش الجيران كيف يصر الأب، قرب الامتحان علي ذلك الخاتمة رواية إنسانية تتكلم عن الحرب، كيف ذبحت الحرب مشاعر الشخصيات، وسببت لهم جراح لا تنتهي مع الزمن، والحسين كان مثالا و أم هاشم وصديقة، و هذا من خلال فنية ذاكرة مفتوحة علي الزمن، ورغم انتهائي من كتابتة مقال عن الرواية، إلا أنني سأقرأ الرواية، مرة جديدة للمتعة الفنية.