جاءت رواية (طرقات بمزاج سيّئ) للكاتب المغربي مصطفى النفيسي، الصادرة عن دار (الآن ناشرون وموزعون) في حوالى 200 صفحة من القطع المتوسط، على شكل مقاطع طويلة لكل منها عنوان من وحي أحداثه.
في الرواية ربما يكون الكاتب تقصّد أن تكون الشخصيات الرّئيسة بلا أسماء، وقد اكتفى بالإشارة إليها ضمن حالتها الاجتماعية أو الوظيفية (حارس المرمى، زوجة حارس المرمى، حارس العمارة، الشرطي، الأم/ ويقصد بها أم زوجة حارس المرمى، والجد… إلخ) وعلى هذا المنوال كانت الشخصيات الثانوية أيضًا، وظلّت الشخصيات بلا أسماء حتى نهاية الرواية.
أمّا فيما يخص المكان فقد ظلّ مجهولًا إلى ما قبل منتصف الرواية، ولا يوجد ما يدلّ على البيئة التي تجري فيها الأحداث إلا أسماء بعض الأماكن التي تشير إلى (المغرب العربي) كمكان تجري فيه الأحداث، ومن ثم لاحقًا بعض التفاصيل البسيطة التي تعطي ملامحَ بسيطة عن تلك البيئة من الناحية الاجتماعية والمعيشية لا أكثر.
حالة البناء النفسي للشخصيات جاءت بطيئة نوعًا ما، ولكن ليس ذلك البطء الذي يجعلنا نقع في الملل، إنما ذلك الذي يجعلنا ندرك ضرورته بعد أن تكتمل الصورة الكلّية للتداعيات الداخلية لكل شخصية على حدة، وما يتضافر خلال ذلك من تداخلات عاطفية واجتماعية والتباسات نفسيّة تجعل من تقلّبات كل شخصية مبرّرة ضمن التعقيدات النفسية التي يفرضها واقع الحال وسير الأحداث.
لم يسهب الكاتب كثيرًا في توصيف أعماق الشخصيات إلى الحدّ المرغوب فيه من جانب القارئ الكلاسيكي، كما لم يكتفِ بالوصف الكلاسيكي لأبعاد شخصياته، إنما استطاع أن يخلق دلالات مبطّنة من خلال سلوكيات فردية لكل شخصية تجعل القارئ من خلالها في حالة تأمّل، وربما استطاع مصطفى النفيسي بذلك أن يجعلنا ندخل في كل شخصية على حدة، ونعطيها –كقُرّاء- أبعادًا مبنية على تلك الدلالات المبطّنة، ولكنها في الوقت نفسه ستتباين مساحاتها وفضاءاتها الداخلية في خيال القارئ على اختلاف مرجعياته وطبيعة نشأته وثقافته، وربما بذلك أيضًا استطاع أن يجعل الشخصيات والأحداث مألوفة لكلّ قارئ عربي على اختلاف البيئات والمرجعيات أيضًا.
في النهاية نكتشف أنّ جدوى الرواية ليست في القصة أو في الحكاية بحدّ ذاتها؛ إنما تكمن في المساحات الذهنية والخيالية التي تُفتَح بوّاباتها عند كلّ منعطف حادّ في حياة كلّ شخصية، وهكذا يستمر خلق الفضاءات تباعًا مع تطور الأحداث وتشعّب المصائر.
وسنلاحظ أيضًا من خلال انتهاء كل شخصية إلى مصائر حادّة أحيانًا، ومصائر مألوفة أحيانًا أخرى؛ سنلاحظ أن هذه المصائر جميعها كانت محكومة بالفطرة البشرية؛ لا بالإرادة والتصميم، إذ إن أغلب الانعطافات الحادّة في مصائر الشخصيات كانت مبنية على ردّات فعل عاطفية أحيانًا؛ ونفسية انفعالية أحيانًا أخرى، وفي بعض الحالات كان العجز هو من يقود الشخصية إلى مصيرها…
نذكُر أنّ مصطفى النفيسي قاصّ مغربيّ من مواليد المملكة المغربية 1976، حاصل على شهادة الإجازة/ شعبة الفلسفة 2002/ جامعة محمد العبد الله، وتخرّج من المدرسة العليا للأساتذة بـ(فاس) شعبة الفلسفة بعد أن حصل على شهادة الأهلية التربوية للتعليم الثانوي التأهيلي سنة 2004، ويعمل الآن أستاذًا للتعليم الثانوي التأهيلي بـ(فاس) شعبة الفلسفة.
من أعماله:
1- تطريزات على جسد غيمة – دار أزمنة – الأردن – 2010