سيناريوهات وهيمنة مناخية

حمدي هاشم
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

د. حمدي هاشم 

التغير المناخي مؤامرة من البشر أم الطبيعة

لا ينكر عاقل مسئولية الإنسان في الانبعاثات من احتراق الوقود الأحفوري منذ (الثورة الصناعية الأولى)، إلى تضخم الاستثمار في الصناعة والطاقة بالدول العظمى (نهاية القرن العشرين)، وتسبب الصين والولايات المتحدة والهند وغيرها في انبعاثات الكربون المضافة بكثافة مفرطة. وبلا أساس ربط خبراء البيئة بمنظمة الأمم المتحدة منذ (1988) بين الاحتباس الحراري وثاني أكسيد الكربون، وتزايد درجة الحرارة، لتنخرط التغيرات المناخية في قاموس السياسة الدولية. وتستخدم مؤتمرات المناخ (COP) التدفق الكربوني وارتفاع درجة الحرارة بالطبقة السفلى من الغلاف الجوي، لإقرار حق الدول الصناعية (الغنية) في التصنيع والتنمية المستمرة، وعلى الدول النامية (الفقيرة) القبول بالتغير المناخي.  

وطرفا النقيض من هذه القضية المشوشة، المؤيدون بالهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، ومعارضون معنيون بدراسات المناخ والتغيرات في الغلاف الجوي، وغيرهم، مع كثير من العوامل الطبيعية والبشرية المتداخلة في دعوى التغير المناخي بين السياسة والعلوم الطبيعية والبيئية.

يوظف مؤتمر المناخ السنوي توافق السياسات بين الدول المشاركة فيه، لتكريس هيمنة سيناريوهات التغير المناخي على المجتمع الدولي، دون اعتبار لنظرية التغذية المرتدة، والتنظيم الذاتي للغلاف الحيوي لمختلف أشكال الحياة على الأرض، ودحض علم المناخ القديم لعلاقة غاز ثاني أكسيد الكربون بدرجة الحرارة (خلال ملايين السنين)، والأصل في مسافة الاقتراب أو الابتعاد النسبي للأرض عن الشمس. وليست نسبة الكربون الصناعي (الضئيلة للغاية) المسئولة عن هذه الحالة من التغير المناخي، بدلالة تزايد درجة الحرارة في بعض الأحقاب الجيولوجية، مع عدم استقبال الغلاف الجوي فيها الكربون المنبعث من تريليونات الأطنان من الوقود الأحفوري، ولم يكن يقطن الأرض المليارات من السكان بعد.

مسألة التغير المناخي

دراسة المناخ من المجالات البحثية المعقدة، لكثرة وتشابك العوامل المؤثرة في مناخ الأرض، والحيود المناخية من شدة التداخل بين العوامل الطبيعية والبشرية في مسألة التغير المناخي، صاحبة الجدل الواسع بين السياسيين والعلماء، منذ تصدرت مؤتمر المناخ الأول في برلين (1992)، وصولاً إلى قمة المناخ (27) المنتظرة بشرم الشيخ (نوفمبر 2022). ويدرس التغير المناخي بالأثر الجزئي لكل عامل من العوامل المؤثرة فيه، لبناء نموذج متكامل للكشف عنه والتفسيرات المتعلقة به، والعرض الجغرافي بالتنبؤات المتوقعة، لتأكيد صحة وأهمية النموذج من عدمه، قياساً بالأحداث المناخية المتزامنة، ويلازم هذه التنبؤات عدم الدقة من نقص في المعرفة وحالة عدم اليقين. ناهيك عن مناهضة مجموعة لا يستهان بها من علماء المناخ الدوليين (المستقلين) فريق خبراء تغير المناخ (الحكوميين) بأدلة دامغة.

ثاني أكسيد الكربون والكائنات الحية  

لا حياة على كوكب الأرض بدون الكربون، وهو عنصر كيميائي لنحو عشرة ملايين مركب، ويكثر شيوعه في الهواء على هيئة غاز ثاني أكسيد الكربون، ويدخل في كل جزيئات الكائنات الحية، وفي رواسب الوقود الأحفوري والمعادن في باطن الأرض، من خلال دورة الكربون الأبدية في الطبيعة، لاستمرار مظاهر الحياة عن طريق التنفس الحيوي والتركيب الضوئي النباتي. وحسب نظرية “لوفلوك”، يحرس المحيط الحيوي نظام التغذية المرتدة (منذ زمن بعيد)، للحفاظ على كافة أشكال الحياة ودرجة الحرارة ونسب الغازات بالغلاف الجوي، ومساندة الأرض في تنظيم مؤشرات الأداء لكل عنصر ووظيفته، والعمل لإعادة كل تغير إلى نطاقه الطبيعي، وذلك لاستدامة الحياة على الكوكب.

شهد مناخ الأرض قبل عشرة آلاف سنة (خلال عصر الهالوسين)، ارتفاعاً ملموساً في درجة الحرارة، يفوق الدفء الحادث في الحاضر، فلا علاقة مناخية (جيولوجية) بين ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي ودرجة الحرارة فوق سطح الأرض. ولا يكاد تركيزه يذكر في الغلاف الجوي (0.04%)، وأن (5%) من كمياته الحالية مصدرها الإنسان، وهذا لا يؤثر بدوره في تغير درجة حرارة الأرض.

ثاني أكسيد الكربون والتغير المناخي

شهدت التغيرات المناخية (المعاصرة) كثير من الجدل في الأسباب والمخاطر والمواجهة، بين علماء المناخ والطبيعة والجيولوجيا والبيئة، وغيرهم، بين مؤيد ومعارض، منذ تأسست الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (1988)، على الربط بين حجم الانبعاثات الغازية من مصدر بشري، وخاصة من الصناعة منذ أكثر من (250) عاماً مضت، وبين الارتفاع التدريجي لدرجة حرارة الأرض، نتيجة تزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وأخواتها اللاتي يساعدن على وتيرة التغير في حرارة الغلاف الجوي.

وقد توصل خبير السيول والانجرافات السويسري “فيرنر مونتر” (2014) بعد مراجعة معمقة في تغير المناخ الحاضر، إلى عدم وجود من يعتبر بأن ثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض، دون أن ينتهك القوانين الأساسية للطبيعة، أي يتعارض الاحتباس الحراري مع قوانين الفيزياء.

ويرى الراحل “جيمس لوفلوك” عالم البيئة البريطاني، أن للأرض نظاماً يتحكم ذاتياً في نفسه، وأن ملامح وجه الأرض تتعرض لتلاش نسبي بسبب تزايد درجة الحرارة. ويؤكد المبالغة في سيناريوهات التغير المناخي، لمقاصد سياسية، بدلالة اعتماد مؤتمرات المناخ على التوافق الجماعي بين الدول المشاركة فيها دون الحقيقة العلمية. ويرجح استخدام الطاقة النووية في توليد الكهرباء على حساب الطاقات المتجددة، لكونها توفر البديل اللازم للوقود الأحفوري، بسرعة تتجاوز حالة الاحترار العالمي.

الأرض ليست مثل الزهرة أو عطارد

يقف الموقع النسبي للأرض بالمجموعة الشمسية وراء قدرة ثاني أكسيد الكربون الأبدية على تصيد الدفء والحرارة من الشمس، ولولاه لتجمدت وخلت من كافة مظاهر الحياة. وتمتص مياه المحيطات الكربون لتشارك به في دورة الكربون الطبيعية، وتعادل انبعاثاته من التحلل العضوي والصخري ملايين المرات مثيلتها من صنع الإنسان منذ تعميره الأرض. وبحسب خبراء البيئة يختزن الغلاف الجوي الكربون بنسبة لا تتناقص وتساعد في تزايد درجة حرارة الأرض. وليس مناخ الأرض مثل كوكب الزهرة أو عطارد، بدلالة طبيعة المدار الأمثل من الشمس لبقاء الحياة على الأرض، بينما يحتوي غلاف الزهرة نسبة مرتفعة من غاز ثاني أكسيد الكربون الكوني، تجعل درجة حرارته تزيد على (400) درجة مئوية.

أدلجة التغير المناخي  

تحدثت رواية الأمريكي “مايكل كرايتون” (حالة خوف ـ 2004) عن علماء المؤامرة وغيرهم لإثارة الذعر من الاحتباس الحراري بين البشر، وكشفت عن هدف المنظمات البيئية في جمع الأموال، والجري وراء نظرية علمية وهمية وتنبؤات كارثية لنهاية الأرض، وذلك لخدمة المصالح الصناعية والسياسية والأيديولوجية. وعلى الجانب الآخر فيلم السياسي الأمريكي “آل جور” (الحقيقة المزعجة ـ 2006)، لبناء ونشر معرفة أكبر بشأن تغير المناخ من صنع الإنسان، وإرساء ما يلزم لمواجهة ذلك التغير، وحصل به على جائزة نوبل للسلام (2007) مناصفة مع الفريق الحكومي الدولي لتغير المناخ.

والطامة الكبرى في المشروع الأمريكي لتخفيض درجة حرارة الأرض، بموافقة منظمة الصحة العالمية، رغم معرفة المنظمة بخطورة الغاز الرئيسي المستخدم (الكميتريل)، على البيئة والصحة العامة للإنسان، وأنه من الأبحاث العسكرية لتعديل المناخ والتحكم في مناخ مدن العالم بحلول عام (2025). وهذا يؤكد مشاركة المجتمع الدولي في ترسيخ أهداف سياسية وإيديولوجية للتغير المناخي.

الاستخبارات الأمريكية وعصر جليدي مرتقب

درست وكالة الاستخبارات المركزية بعض القضايا العلمية ذات الصلة بالتغيرات في الظروف العالمية، والتأثير على سياسة الولايات المتحدة الخارجية ومتطلبات الأمن القومي الأمريكي، ومنها الدراسات المناخية والميتورولوجية. وتأسس كتابها “تداعيات عصر جليدي جديد” (1977) على التغيرات المناخية في علاقاتها بالمشكلات التي تهم الوكالة، واتجاهات النمو السكاني العالمي، وتحليل مستقبلي في ضوء التغيرات المناخية المتوقعة. ونشرت ترجمة الكتاب بعنوان “تقلبات المناخ العالمي مظاهرها وأبعادها الاقتصادية والسياسية”، مشاركة بين قسم الجغرافية في جامعة الكويت والجمعية الجغرافية الكويتية (1980)، بإشراف الدكتور “محمد صفي الدين أبو العز”، أستاذ الجغرافية الطبيعية.

بحسب صورة مناخ الأرض (خلال 50 مليون سنة الأخيرة) تعرضت المساحات القارية في نطاقاتها المناخية المدارية، لتغيرات مناخية سريعة ومتتالية، بدأت منذ حوالي (20) مليون سنة (زمن الميوسين)، وقت هيمنة العصر الجليدي الأول، وما تلاه بصورة دورية شبه منتظمة، بمتوسط (90) ألف سنة، بينما تسيطر فترة دفيئة تحل بين كل عصرين جليديين بمتوسط (11) ألف سنة. وقد دخل كوكبنا تلك الفترة الدفيئة (بين الجليديتين)، التي بلغت ذروتها منذ أربعة آلاف عام قبل الميلاد، تكونت خلالها أغلب الصحاري الرئيسية، الصحراء الكبرى وصحراء شبه الجزيرة العربية وصحراء منغوليا وغيرها.

ويحتمل تغير المناخ بصورة دراماتيكية ومباغتة، بدلالة ما يحدث بمناطق شمال أوروبا من تحول نباتي مستمر، من أشجار البلوط إلى أشجار الحور الباردة، ثم نمو غابات الصنوبر والشربين، لتسود نباتات التندرا. والمدى المستقبلي للسيناريو الأمريكي مائة عام (من نشر الدراسة)، ليزداد الاعتقاد بين علماء المناخ بأن تحول مناخ الأرض من الدفء إلى التجمد قد لا يستغرق أكثر من قرنين فقط.

وبذلك ستشهد كثير من دول نصف الكرة الشمالي تحول أراضيها إلى مناطق جليدية جرداء، قريبة الشبه بتضاريس القارة القطبية الجنوبية. ويقتضي السيناريو تعرض مساحات شاسعة للجفاف الشديد، جنوبي الصحراء الأفريقية وشرقي أمريكا الجنوبية، إلا أن المنطقة العربية بنطاق حوض البحر المتوسط ومعها تركيا وإيران ستنال حظاً أوفر، نتيجة دخولها الجغرافي في حالة المناخ الأمثل (النسبي بين البرودة والدفء)، بينما يتزايد سقوط الأمطار على صحاري أفريقيا وجنوب غربي أسيا.

الاحتباس الحراري والسيناريو المضاد

ظهر بعد عقد من إطلاق سيناريو العصر الجليدي المرتقب (بكتاب الاستخبارات الأمريكية) سيناريو مضاد يروج لظاهرة الاحتباس الحراري، وعليه تأسست الهيئة الحكومية لتغير المناخ (1988)، دون معالجة الاختلاف بين تغير مناخ الطبقة السفلى من الغلاف الجوي وذلك التغير المناخي على مستوى الكوكب. وإن تماشى تحول الطقس الشتوي المتقلب بإقليم حوض البحر المتوسط مع السيناريو الجليدي المرتقب، يستمر السيناريو المضاد على مظاهر الدفء العالمي وذوبان الجليد وطغيان الماء على البر وتغير النطاقات المناخية وتزحزح حزام الأمراض والأوبئة في نصفي الكرة الأرضية.

تهجير الصناعات القذرة إلى ملاجئ الدول الفقيرة

من مراجعات مائة عام مضت، بمنظور الاستغلال الجائر للموارد الطبيعية، وتعظيم مكاسب الدول الصناعية الكبرى، ومباركة السياسة الدولية التدخل العسكري للسيطرة والتحكم في مكامن الخامات الأولية الإستراتيجية، وكذلك مناقشات ونتائج المؤتمرات الدولية وتوابعها بشأن تغير المناخ، تجد أن التخويف من التغير المناخي يكرس هيمنة الدول الغنية على مغانمها بالدول الفقيرة، وإلزام الأخيرة بعدم تلويث الهواء الجوي، بينما الأولى تهجر صناعاتها (القذرة) الملوثة للبيئة إلى هذه الدول الفقيرة!

واجهت مخاوف خبراء البيئة (الحكوميين) معارضة الولايات المتحدة لاتفاقية كيوتو باليابان (1997)، وفشل مؤتمر كوبنهاجن بالدنمارك (2009)، واتفاقية باريس (2015، الدورة 21 لتغير المناخ)، والتراجع عن تدبير (100) مليار دولار سنوياً للبلدان الأقل نمواً، من الدول الغنية المتسببة في تلوث الأرض بالكربون الصناعي، والتي حضرت مؤتمر الأطراف في غلاسكو بإسكتلندا (2021، الدورة 26) تشكو من الركود الاقتصادي بسبب الجائحة العالمية للتهرب من وعدها تجاه الدول المتضررة.

مؤتمر شرم الشيخ والانتكاسة المناخية

بعيداً عن مناهضة التغير المناخي بسبب الكربون البشري (من صنع الإنسان)، والأخذ بالعقد السياسي للمجتمع الدولي (ومؤتمراته السنوية) حول ارتفاع درجة حرارة الأرض الملحوظ، قياساً بالوضع المناخي في بداية الثورة الصناعية (1760)، فهل ستغير قمة المناخ في شرم الشيخ (نوفمبر 2022، الدورة 27) من الانتكاسة البيئية بين الشركاء؟ ومن السياسات الدولية تجاه استعادة أفريقيا (الخضراء) لحقوقها المناخية، واقتناص التمويل المناسب والفعلي للمشروعات ذات العلاقة (من الدول المانحة). هذا المؤتمر المتزامن مع تحديات وتغيرات عالمية، من مخاوف تأثير الحرب الأوكرانية الجارية، وانهيار اقتصاد الطاقة الدولي، وترحيل زمن الحياد الكربوني للدول، مع عودة الصين (وغيرها) لاستخدام الفحم في الصناعات الأساسية التي تصدرها لدول العالم، وتفكير فرنسا في إعادة تشغيل محطاتها النووية المتوقفة عن العمل. وأثر ذلك على برامج السياسات والخطط الدولية لمواجهة سيناريوهات التغير المناخي.

لا شك في اختلاف المصالح بين دول الشمال والجنوب، وإصرار الأحزاب العالمية التي جعلت البيئة ساحتها ومنبرها السياسي على تحقيق أغراضها والتهوين من حقوق الخصوم (الدول المتضررة). بل يتبني بعض السياسيين البارزين (من القوة الناعمة)، مناهضة استخدام الوقود الأحفوري لفتح الأسواق وزيادة الطلب على تكنولوجيا المحطات النووية، وتعطيل التمويل والاستثمارات في أبحاث الطاقة المتجددة وتطبيقاتها الهامة والمؤثرة في التخفيف من الاحترار العالمي وزيادة مؤشرات التنمية البشرية. ناهيك عن التزايد السكاني المضطرد، بواقع عالمي يلامس حاجز الثمانية مليارات نسمة (2022).

الاختفاء الجغرافي والهجرة البيئية

يؤكد السيناريو (الحكومي) مواجهة الدول الأسيوية على المحيطين الهادي والهندي، خطر طغيان منسوب المياه مع ارتفاع درجة الحرارة، وكارثة هؤلاء السكان أن نصفهم يقطنون المناطق الساحلية، المعرضة لفيضانات وأعاصير مدمرة من التغير المناخي. وتحذر بعض التقارير الدولية من نشوء نزاعات بكثير من الدول المهددة بالاختفاء أو الأسر، وظهور الأزمات المتداخلة نتيجة اضطرابات نقص الغذاء والماء الداخلية، وتزايد نسبة المهاجرين البيئيين في الداخل والخارج، وخاصة في البلدان الساحلية بدول شمال وشرق أفريقيا وآسيا. وذلك مع غياب العدالة البيئية، منذ مرحلة الاستعمار المبكرة التي كرست التفاوت الحضاري، وعدم عودة الفائدة إلى تنمية المستعمرات المستقلة، بل تلتهمها الخزانات العامة للدول الغنية، التي تتهرب اليوم من مسئوليتها تجاه الدول الفقيرة المهددة بأضرار وخسائر أو بالاختفاء.

ضريبة الكربون والطاقة النووية

تواجه الدول ذات المناخ شديد البرودة، تحديات تدبير الطاقة الكهربائية لاستمرار مظاهر الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية فيها. وها هي فرنسا رغم حصولها على (80%) من طاقتها الكهربائية من المحطات النووية، تستخدم محطات تعمل بالوقود الأحفوري، لمواجهة فجوة الطاقة وكثافة الطلب على الكهرباء في الشتاء، وتستكمل جزء من خارج حدودها الجغرافية، من محطات ضخمة تتسبب في انبعاثات كربونية هائلة. ومن المفارقة الاستثناء من ضريبة الكربون للتدفئة والكهرباء في السكن، والبضائع والركاب في النقل، والأسمدة والوقود في الزراعة، وغيرها، علاوة على صغار ومتوسطي الحجم قياساً بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون فيها. وذلك ترخيص بمجانية تلويث البيئة، في دول الاتحاد الأوروبي.

وستؤدي ضريبة الكربون (مع مناهضة الوقود الأحفوري) إلى ازدهار الطاقة النووية، ذات الانبعاثات المنخفضة، وتطوير مفاعلات دائمة خالية من التلويث، ولكن يظل هناك فرق واضح واختلاف قائم بين الدول، من حيث كمية انبعاثات الكربون ومتوسط نصيب الفرد منها، كلما زاد الاعتماد على محطات الطاقة النووية. وعليه تزداد نسبة كل من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وفرنسا في حصتها من الكربون، لاعتماد تلك الدول على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة المتسبب في تزايد حرارة الأرض.

الهيدروجين الأخضر والطاقة النووية النظيفة

مع استمرار الفجوة في العدالة البيئية بين دول الشمال والجنوب، وانهيار النظام الاقتصادي العالمي، وتدهور معدلات التنمية بدول الجنوب النامي مقابل الازدهار الحضاري بدول الشمال المتقدم، وتصدير “أن عدم اليقين العلمي ليس مبرراً كافياً لغض النظر عن المشكلة”، تقف هذه الدول المتضررة، بين سياسة اللاندم ومبدأ الحيطة، لتوخى الحذر من تغيرات المناخ المرتقبة. فهل سيتابع المجتمع الدولي المفاوضات ونتائجها بين الدول المشاركة في مؤتمر المناخ بمصر (نوفمبر 2022) لإعادة التوافق بشأن التمويل المطلوب من الدول الغنية، لمساعدة الدول النامية (الفقيرة) في مواجهة تغير مناخ الأرض؟!

تؤكد البحوث العلمية والاقتصادية من قدرة مشروعات الطاقة المتجددة على تنقية البيئة والغلاف الجوي من الكربون الصناعي (المتسبب فيه الإنسان)، بدرجة تؤدي إلى خفض حرارة الأرض، ومنها المشروع الألماني (الأوروبي) لاستخراج الهيدروجين الأخضر من الصحراء بدول شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية (المغرب ومصر والسعودية). وكذلك زيادة الاعتماد على محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء والهيدروجين الأصفر (توأم الهيدروجين الأخضر)، من مفاعلات الجيل الرابع فائقة الأمان النووي. وقد أدخلت روسيا (أكتوبر 2022) نوعاً جديداً من المفاعلات المستديمة المصدر من اليورانيوم (238) لملايين السنيين، بتكلفة رخيصة، وبقدرة تحقق (100%) من انتاج الطاقة النظيفة، الملائمة للتعافي من الاحترار العالمي. والأهم من ذلك إحلال السلام وجعل الحروب تراكيب أثرية في حياة الشعوب.   

حاضر يتوخى المستقبل بحذر

مما سبق يتضح الفرق بين تغيرات المناخ الطبيعية (الوحشية)، لعصر جليدي قادم يسيطر على مناطق شاسعة من العالم، وبين التغيرات المناخية البشرية (الصناعية) في طبقة الغلاف الجوي القريبة من سطح الأرض. وأن الاحتباس الحراري بثاني أكسيد الكربون يحتاج للمزيد من الحقائق العلمية، وبحث أهداف سوق الكربون لتقليص الانبعاثات الضارة، وضلوعها في السيطرة على التنمية في العالم. وتبقى الطاقات المتجددة هي الحل، مع الاستفادة من المواقع والبنية القائمة وفرص العمالة الإقليمية والوطنية.

على أمل أن يعترف المجتمع الدولي بحق الدول التي استنزفت مواردها الطبيعية والبشرية؟ والمبادرة باسترداد بعض الأرصدة التي ساهمت في نهضة ونمو الدول الاستعمارية، وساعدت في التخلف الحضاري بالدول المغلوبة على أمرها. وهل تتحرر المنح والمساعدات من الإملاءات الاقتصادية والسياسية التي تفرضها الدول المانحة؟ ليؤدي ذلك الاستحقاق التاريخي أو إطلاق تلك الحرية إلى زيادة معدلات التنمية البشرية وخفض نسبة الفقر الاقتصادي، ورفع قدرة الدول المتضررة على مواجهة الخسائر. 

وفي حقيقة الأمر، تكرس سيناريوهات التغير المناخي هيمنة الدول الاستعمارية على مصادر الطاقة الأحفورية والوقود النووي، وتزيد من مخاوف تعرض الولايات المتحدة لهجوم عسكري من الدول الجوعى، للاستيلاء على مخزونها من المحاصيل الزراعية، وإسقاط تحكمها في مصير العالم اقتصادياً وسياسياً. علاوة على برنامجها العسكري للتحكم في مناخ مدن العالم بحلول عام (2025)، والتي وافقت عليه الأمم المتحدة، لخفض درجة حرارة الأرض، رغم خطورة تحذيرات منظمة الصحة العالمية، ودخول الدول العسكرية الكبرى في مجال حروب الطقس والمناخ وتطوير الأسلحة المناخية الكارثية.

مقالات من نفس القسم