محمد صابر
باق من الزمن ساعتان على فتح الستار
يسرع الخطوات حتى لا يتأخر عن ميعاد الحضور المحدد للمسرح، يبدو عليه التعب، يدخل إلى المسرح من باب دخول الممثلين غارقًا بعرقه، يجد مساعد المخرج بانتظاره ينظر بساعته:
ـ تأخرت خمس دقائق مخصوم منك نص يوم
يعتذر و يلقى باللوم على سائق أتوبيس الهيئة الذى توقف عند محل الكشرى لعشرون دقيقة كاملة، لا يبدى مساعد المخرج أى إهتمام و قام بتسجيل المخالفة مع التحذير:
ـ إن تكرر الأمر هنغيرك ونجيب غيرك من المتلقحين على القهاوى، عالم معندهاش دم.
يمد خطواته مره أخرى ليلحق بالماكيير ليلصق له الشارب والذقن المستعار، يحكى له ما حدث مع مساعد المخرج وسائق الاتوبيس مصحوبًا باللعنات والسباب، لا يعيره الماكيير أى إنتباه، ينهض بعد ذلك ليقف بأخر الكالوس منتظرًا بداية العرض:
ـ باقى من الزمن ساعه و نصف على فتح الستار
لا يستطيع ترك مكانه حتى لا يراه مساعد المخرج فيقضى على ما تبقى من يوميته، يتحاور مع أصدقائه من الكومبارس بصوتٍ خافت، يعطيه أحدهم سيجارة كليوباترا ونصف كوب من الشاى ويحاول أن يهون عليه ما حدث، يشعل السيجارة التى تشبه رائحتها محارق القمامة و يرتشف رشفة من الشاى يهدأ و يسترسل بكلامه الخفيض
ـ باقى من الزمن ساعة على فتح الستار
بدأ النجوم في الحضور، لم ينتبهوا لمساعد المخرج الواقف أمام بوابة الممثلين من الأساس، بل عندما حاول أن يتحدث مع البطلة ليخبرها بإضافة إفيه جديد على لسان البطل، نهرته وطردته من غرفتها وكالت له من الشتائم والسباب أقذرها وأفظعها على مسمع من الجميع، وهددت بترك العرض، كاد صوتها أن يشفى غليله ويعيد إليه حقه المسلوب ولكنه لن يعيد له نصف اليومية المسلوب.
شرد فى رد فعل زوجته المعروف بمثل هذه المواقف، ستوبخه وتسخر من عمله ولن يكون هناك قميص النوم الأحمر القصير ولا العشاء الساخن ومن الممكن أن يتطور الأمر إلى أن ينام بالصالة وحيدًا مذمومًا، يشعر بالندم على ما فات من عمره ويبدو على وجهه علامات الحزن و الغضب.
ـ باقى من الزمن ثلاثون دقيقة على فتح الستار
لم يحضر النجم بطل العرض حتى الأن، مساعد المخرج بحالة هياج يحاول الإتصال بالنجم ولكنه لا يرد على الهاتف، يدخل غرفته كل دقيقة يسئل لبيسه عنه، و الأخير يهز رأسه بالنفى بأنه لا يعلم
ـ دلوقتى يجى يابيه أصل السهرة إمبارح كانت عالية أوى
يخرج مساعد المخرج ليعود بعد دقيقة ربما يكون قد أتى و لم يراه، يتشفى فيه و يتوه بخيالات السهرة التى تحدث عنها لبيس النجم يتخيل نفسه محاطًا بالنساء الذين يرتدون ثيابًا أفرنجية وعيونهم الخضراء والزرقاء والشعر الحرير على الخدود يهفهف و يرجع يطير.
تمنى أن يأتى له مساعد المخرج يقبل يديه و قدميه ليقوم هو بدور البطولة بدلًا من النجم الغائب و تخيل نفسه يرفض ويخرج من باب الممثلين تاركاً إياه راكعًا يتوسل إليه حتى يعود.
ـ باقى من الزمن خمسة عشر دقيقة على فتح الستار،
يدخل النجم من باب الممثلين يرتدى نظارة سوداء تخفى عيونه الحمراء، يهرول إليه الماكيير وعامل البوفيه يحمل جردل قهوة “عشان النجم يفوق”.
دخل مساعد المخرج إلى غرفة النجم دون أن يستأذن فقابله النجم بفردة حذاء لميع مقاس خمسة و ٔربعين بمنتصف جبهته فأغلق الباب دون أن ينطق بكلمة و صوت النجم يهز أرجاء الكواليس باللعنات، فلتت منه ضحكة لما رأى ذلك لاحظها مساعد المخرج
ـ إنت يا حيوان بتضحك على إيه برا مالكش عيش معانا
كان الجميع ينظر له بصمت فلا أحد يقوى على معارضة مساعد المخرج من الكومبارس المتلطعين بالكواليس، حاول أن ينطق بكلمه فنهره مرة أخرى، فتيقن أنه لا سبيل اليوم للعمل و لن يكون هناك يومية لهذا اليوم التعيس.
طأطأ رأسه أرضًا و مشى متوجهًا لغرفة تغيير الملابس و فى طريقه إليها رأى باب غرفة النجم مفتوحًا، قرر أن يقتحمها ليشكو له ماحدث من مساعد المخرج، تحرك بسرعة دون تفكير
ـ إلحقنى يابيه أبوس إيدك
حاول مساعد المخرج أن يمنعه فنهره النجم وأمره أن يتركه يتحدث، حكى له عن ما حدث وعن قطع عيشه بلا سبب
تمعن النجم قليلًا بوجهه
ـ مش إنت عم سيد
جاءت الكلمة و كأنها العيد بعد الصيام.
ـ أيوه أنا يابيه
قص عليه النجم أنه عندما كان يبحث بين الإستديوهات عن دور ببداية مشواره قد قابله بإستوديو مصر وشكى له همه وبأنه لم يكن لديه مالًا ليرجع لبيته فأعطاه عم سيد جنيه و ساندوتش فول بالزيت الحار، تصنع سيد أنه تذكر الموقف و ارتسمت على وجهه إبتسامة عريضة، أمر النجم اللبيس بإحضار مساعد المخرج لغرفته، فحضر من فوره و أمره النجم بزيادة يومية عم سيد الضعف وعدم المساس به وبأنه بداية من اليوم سيكون له مونولوج يقول فيه ما شاء
ـ عشان يخصنى
امتلأ قلبه بالفرح وراح يتخيل القميص الأحمر ونصف كيلو الكفتة وزجاجة البيرة المشبرة، لم يسمع ما كان يقوله النجم بعد ذلك أحس بضعف قدماه من الفرحة جلس على كرسي قريب منه الإبتسامة تتسع أكثر وأكثر، شعر بوخزة فى قلبه وضع يده اليمنى على مكان القلب، لاحظ النجم أن عم سيد لا يرد ناداه مرة مرتان ثلاث مرات، عم سيد لا يرد هز جسده و استشعر النبض
ـ لا إله إلا الله الراجل مات
دقيقة واحدة على فتح الستار
يصرخ مساعد المخرج فى الكواليس، تتشابك همهمات الجمهور مع صوت ضبط الات الفرقة الموسيقية، يأتى صوت نقر متسارع على خشبة المسرح ثم ثلاث نقرات منفصلة، يصمت الجميع ويعم الهدوء على المسرح تأهبًا لفتح الستار.