سلطان الشهور ضيفاً علينا

موقع الكتابة الثقافي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

يأتينا ضيفا كل عام وإكرام الضيف واجب، إن لم يكن فرض، فالضيف أمانة من عند الله  يتوجب إكرامه وإحسان وفادته، ويقال عند أهل آسيا الوسطى "إن الله تعالى قبل أن يرسل الضيف يرسل ملائكته على صورة حمامة بيضاء إلى منزل المضيف، فتقف الحمامة أمام مدخل البيت و تسلم على أهله ويرد عليها جبريل - عليه السلام - ويسأل "ماذا تفعل عند صاحب المنزل؟" فتقول الملائكة؛ إن الله أرسلني إلى هنا كي أسلم على أهله وأن أخبره أن الضيف سيأتيكم، ولكم بركة 40 يوما من الجنة".

ولأن الضيف  منحة أو هبة من الله  لذا فإن خدمة الضيف ومراعاة حقوقه وأداء الواجب له هو  فضل من الله.   

وتختلف طريقة إكرام الضيف من ثقافة إلى أخرى ففي دول الشرق الأقصى يأكل الضيوف والمضيفون صامتين، إذ أن الكلام على المائدة يعد من عدم التهذيب .وفي مجتمعات أخرى يعد  الكلام على المائدة من قواعد الضيافة والولائم ، لتسلية الضيف ومؤانسته ، وفيه صحة أيضاً ، إذ تقل كمية الطعام الذي يتناوله الشخص، ولليابانيين تقاليد وآداب خاصة تراعى قبل و أثناء تناول الطعام ، فلكل فرد في الأسرة ، مكان محدد حول المائدة ، يتفق و مكانته، و لا يجوز تغييره أبدا، و يعطى الضيف دائما المكان الأفضل و يقدم الطعام لأفراد الأسرة و الضيوف حسب تسلسل يتفق مع مكانة كل منهم .أما العرب فيقولون عن الضيف : إن أقبل أمير وإن قعد أسير وإن قام شاعر هذا وصف للضيف الذي عندما يُقبل فكأنه أمير يزهو بشكله وهيئته فإذا جلس فهو أسير عند مضيفه حتى يقدّم له واجبات الضيافة. أما إذا قام فهو شاعر يحدّث بما شاهد ورأى.

فإذا كان هذا هو حال الضيف العادي الذي لا سمة له تميزه فما بالكم إذا كان هذا الضيف شهر رمضان الذي قال عنه الحبيب: ” قد جاءكم شهر رمضان  شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة ويغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم

وقالوا سمى “شهر رمضان” شهرا لشهرته ، ورمضان مصدَرُه  الفعل رَمِضَ،  وسُمِّيَ بذلك إما  لارتماض الأكباد واحتراقها من الجوع والعطش، وقيل “رمضان اسم من أسماء الله تعالى والشهر مضاف إليه، لذلك رُوِيَ  لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان”.

يقول ابن عربي في كتابه” الفتوحات المكية” ( “إن رمضان من أسماء الله تعالى، وفرض فيه الصيام تكريماً له، ووجب القيام فيه تكرمة لهذا الاسم، لقوله تعالى: ” يوم يقوم الناس لرب العالمين”.  وفي الصوم يتنزه الإنسان عن الطعام والشراب والنكاح والغيبة، وهذه كلها نعوت ربانية، يتصف بها الإنسان حال صومه، وترتفع بها مرتبته، فإذا أفطر عاد إلى طبيعته البشرية يأكل ويشرب ويتغذى، فإذا جاء الليل قام العبد بين يدي ربه، امتداداً لصفاته التي كان عليها في نهاره، وفرض عليه القيام، وقت الفطر، ليعلم أنه عبد فقير متغذ، وأن التنزه الذي كان عليه في صيامه ليس له حقيقة وإنما هو أمر عرض له، يشعره بأنه في حال صومه منزه عن حكم الطبيعة العادية” ).

فعلينا ونحن نستقبل هذا الضيف الكريم أن نؤدي حق ضيافته ،عملا بقول النبي الكريم “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ ” ، ولا يكون إكرام شهر رمضان بمجرد الامتناع عن الشراب والطعام في نهاره فهذا أهون الصيام ، لكن كما قال السلف الصالح : “إذا صمت فليصم سمعك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل من يوم صومك ويوم فطرك سواء “

ويقول على زين العابدين: حق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك ، وفرجك وبطنك، ليسترك به من  النار ، وهكذا جاء في الحديث ( الصوم جنة من النار) . فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.

وكان الصالحون يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم . فمن  صام وقام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .

اللهم أعنا أن نحسن وفادة شهرك الكريم وأن نكون لحقوقه مؤدين ،غير مفرطين.

 



مقالات من نفس القسم