سركون بولص شاعر عراقي ، ولد بالقربِ من بغداد عام 1944 وتوفي عن عمرٍ يناهز 63 عاماً في عام 2007
.
تنوعت أعماله بين الأشعار والترجمة
الأشعار كانت :
” الوصول إلى مدينة أين ، الحياة قرب الأكربول ، الأول والثاني ، حامل الفانوس في ليل الذئاب ، إذا كنت نائمًا في مركب نوح “
ودله يوان باللغة الإنجليزية ” شاحذ السكاكين ” مع مقدمة للشاعر أدونيس .
أما عن الترجمات :
” العقرب في البستان ، هناك ضياء وظلمة النفس والآخر ، رقائم لروح الكون ، سيرة ذاتية ، شهود على الضفاف ، النبي جبران ، هوشي منه “
.
لقد أدرك حقيقة الأمور، مأساة أن تكون علي قيد الحياةِ ، المأساةُ كاملةً ، سبقنا إليها منذ سنين ، ربما تصالح معها أيضَا ، لا أدري .
.
أدرك أن المعنى الحقيقي للكتابات يظل لا يعرفها إلا الكاتب ، وبعض المحيطين به – أحياناً ، لكن رغم ذلك تستطيع إن قرأتها أن تشعر أنها ملائمة لك ، واعتقد أن هذا أفضل ما في الأمر .
.
ذكّرني سركون بولص بالعزيز جدًا ” وديع سعادة ” ربمَّا يعزفا في ذاتِ الدائرة لكن بطريقةٍ مختلفةٍ ، إلا أن الإثنين يحملا من الغبارِ والدخان .. ما يكفي .
.
أما عن الأعمال الشعرية الكاملة سأحاول أن اقتطف من كل ديوان غيمة .
.
في ديوان “الوصول إلى مدينة أين” يقول :
“خرج الحلم ليقطع رأس الواقع أخيرًا “
جملة كهذا قد تجعلني أفكر أنه لربما ، ولو لحظةٍ ما ، قد يحدث شيء ما ، قد يتحول حلمًا لحقيقةٍ – أخيرًا ، أستطيع أن اتخيله حينها ، بقولهِ ” اخيرًا ” .. يا الله !
الأشياء التي لا تأتِ مهما أردنا .. هل أخيرًا .. أتت ؟
هل خرج الحلم أخيرًا من رأسي وضرب كل شيء بعرض الحائطِ .. وتحقق ؟
.
يقول أيضًا :
.
“كانت لدي خطط مضمونه تقريبًا
لكنني ، عندما خطوت الخطوة الأولى
تداخلت كلها بمفعول الصدمة
وها هي قدمي الأقوى تتقدم محسورة بالدرجان بينما قدمي الأخري مازالت
تتردد في المهد”
حسنًا ، لقد ألفتُ هذا المشهد ، لازالت الأشياء ذاتها تحدث من أيامِ سركون إلى أيامي هذهِ ، الأشياء تُعيد ذاتها علينا – نحن فقط الشيء المختلف في الأمرِ برمَّتِه .
.
يقول أيضًا :
“أريد أن أشكر الغبار الذي أحمله معي كالأرث أينما ذهبت .”
شكرًا سيدي الغبار ، شكرًا لتلك الهالة الرمادية التي تحيطني أينما ذهبت ، والتي تجعلهم أحياناً – يخافون – يفِرّون مما يبدو عليْ ، شكرًا لأنك كتبتني .
.
في الحياة قُرب الأكربول يقول :
“أقصي ما يمكن أن يحدث . هو الواقع”
هذا اعتراف صريح ومباشر جدًا حتى وإن كان صادمًا بطريقةٍ ما ، إلا أنه لا شيء أسوأ من الواقع ، لماذا نخشى شيئًا إذا ؟ لا يوجد ما هو أسوأ ، وإن أقصي ما قد يحدث ، هو ما نحياه فعلاً .
.
في الأول والثاني قال :
“عندما تكتشف أن الأشياء ليست كما كانت بالأمس والنور أشد حده مما كان “
هذا ما اتحدث عنه ، بكلمات بسيطة جدًا استطاع أن يعطيني معنى كبير ، هذه الجملة يمكن أن تُفهم بطريقين
إن قرأتها ” عندما تكشتف أن الأشياء ليست كما كانت بالأمس ” هنا قد تُفهم انك كنت أعمي بالأمس واليوم صِرت بصيراً ، أو أنك صرت اكثر نضوجًا فعرفت الآن أشياء لم يكن يخطر ببالك أن تعرفها ، وهي واقعية حزينة بطريقةٍ ما
لكنك إن اكملت الجملة ، ستعرف أن هناك ضوءًا إزداد حدة وهنا تنقلب الآية ، الجملة لم تعد حزينة ، لازالت واقعية لكن بشيء من الأملٍ والنور .
.
في حامل الفانوس في ليل الذئاب يقول :
“لاشيء يغريني بالذهاب
إلي أي مكان
لا أحد أذهب إليه
لا أحد يأتي إليْ ، لذا أفضل اليوم أن اشرب وحدي وأصغي بهدوء الي المطر”
لقد انتابني هذا الشعور مِرارًا وتكرارًا ، ولازال ، إنه كفقدان الروح ، أن تفقد شغفًا ، أن تفقد الشعور بالأشياء ، فقط تريد أن تستلقي وحدك تمامًا ، تحدَّق في اللاشيء ، تحصي خيباتك وتنام .
.
قال أيضًا :
“ونعرف أنها خسارة اخرى سيعتاد عليها القلب مع الوقت”
.
نوع من التصالح مع الأشياء أيضَا ، لقد تعوَّد على هذه المشاهد ، لقد تكرر الأمر وصار يعرف ما سيفعله – كما المرات السابقة – لأن الوقت سيد الموقف ، والاعتياد سيتكفل بكل شيء ، إن لم يكن اليوم ، فغدًا .
.
وقال :
“أستيقظ كل يوم
كالعائد من رحلة طويلة
في سقف الغرفة نقوش لا تفصح عن شكلها النهائي”
.
“أريد هذه الإشارة التي تعلمني
المضي
وعودتني على الإنتظار لأسبح دائمًا”
الحياة تبدو جليةٍ بالنسبةِ لي في هذين الشطرين – وبشدة
.
في ديوان إذا كنت نائمًا في سفينة نوح قال :
“كل ما كنته لن أكونه ثانية
ما سأكونه لا علاقة له بما كنته
حياتي لا أكثر ولا أقل ياتي المحتواه بين ملابسي
الجرح القديم في أسفل ذقني
شكل أصابعي ، أنفي ، وجميع الاخطاء التي تحدث ولي
وتتسرب إلي داخلي
دون أن أدعوها من خلالي
البقيه غير مهمه”
.
لأن ما مضى لن يستعاد ، ويجب التصالح مع ذلك جدًا ، أن تدرك أننا نتغير ، كردِ فعلٍ طبيعي للحياة ، وأننا بالأمس لسنا كغدٍ ، وأن هذه هي الحياة .
.
قال أيضًا في مشهدٍ مألوفٍ جدًا :
“عن حقائبي التي تربطني بفكرة الوصول إلي مكان لم أكن أريد الوصول إليه رغم انني في طريقي إليه ورغم وصولي أليه في نفس الوقت يبدو الآن مستحيلا كالعوده وكذلك بالقطار ..”
الحياة تبدو واضحة من خلالِ شعر سركون بولص ، تبدو واضحة كما هي ، دون أي محاولة لتحسينها أو أن تبدو بألوان زاهيةٍ .. هي الحياة كما هي .
.
في ديوان عظمة أخرى لكلب القيبلة : ” الديوان المُحبب بطريقةٍ ما “
” فات الأمل – زاد الألم “
بكلٍ بساطةٍ ، يمكن للشاعر ان يكون حكيمًا – أحياناً
.
“كيف نمضي مرة آخرى
إذا ما جاءتنا أيام عرفنا فيها أعاصير
لا تكف عن اقتلاع الأشجار من جذورها”
كيف نمضي مرة أخرى بعد إنكساراتنا ؟ كيف يمكننا أن نمضي قُدمًا مرة أخرى بعد أن عصفت بنا – الأيام الحياة ولم يعد لدينا ما نتشبث به ؟
.
قال أيضًا :
” إن الأشياء دوماً مهدده بالغياب
وأنني ذات يوم كنت هنا في هذا المكان
حيث لن أكون أبدًا مرة أخرى “
.
هناك قصيدة مميزة باسم جئت إليكَ من هناك ، وهي من هذا الديوان
مسجّلة بصوتِ مجهول : يمكن سماعها من>> هنا
.
هذه مقتطفات قليلة جدًا لأشعار “سركون بولص” الذي قد تبدو أشعاره – غير مفهومة – أحيانًا ، لكن مثلها كمثل أغلب القصائد النثرية ، هؤلاء الذين عرفوا الخسارة والإنكسار والهزيمة ، وتشتت أرواحهم فظهرت في قصائد مشتتة مثل أرواحهم ، غير منتظمة ويصعب فهمُها .
سركون بولص الحامل للحياة فوق أكتافِه ، حمل صدقًا وإنسانية في أشعاره .